أرشيف المقالات

عمر بن الخطاب رجل أعز الله به الإسلام

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلٌ أعزَّ اللهُ بهِ الإسلام   بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.   عمر رضي الله عنه يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسبه مع كعب بن لؤي، فهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزَّى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي العدوي القرشي بن معد بن عدنان.   تميز عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين الصحابة بميزتين: الأولى: شدته في دين الله، ولشدته وقوته أن جميع المسلمين هاجروا سرًّا إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هاجر علنًا، وفي وضَح النهار، وأمام مرأى ومسمع من المشركين.   أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب فإنه لَمَّا همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه وتنكَّب قوسه (فوضعه في منكبه)، وانتضى (وأخرج من كنانته) أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال شاهت (وقبحت الوجوه)، مَن أراد أن تثكله (وتفقده) أمُّه، ويُيتم ولده، وتُرمل زوجته، فلْيَلْقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحدٌ.   وشهد المشاهد والغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين حين انهزم المسلمون.   أخرج الترمذي عن ابن عمر والطبراني من حديث ابن مسعود وأنس (رضي الله عنهما): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام، فكان أحبهما إلى الله عمر.   فاستجاب الله دعاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يزال سبحانه يعزُّ الإسلام بعمر حتى وفاته رضي الله عنه. وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب؛ إسناده صحيح حسن.   وأخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحًا وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلَّينا.   وأخرج ابن سعد عن صهيب قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه أظهر الإسلام ودعا إليه علانيةً، وجلسنا حول البيت وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، (وأخذنا حقنا ممن ظلمنا)، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.   وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما أسلم عمر قال المشركون: قد انتصف القوم اليوم منَّا، وأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64].   وأخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة.   والميزة الثانية التي امتاز بها: أن الله سبحانه جعل الحق على لسانه، فقد أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) صاحبا الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم شربت - يعني اللبن - حتى أنظُر الريَّ يجري في أظفاري، ثم ناولته عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم.   وأخرج الشيخان أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم، رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض عليَّ عمر وعليه قميص يجرُّه، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين.   وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجِّك.
(والفج: الطريق).   وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون (أي: ملهمون)، فإن يكن في أمتي أحد منهم فإنه عمر، وأخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به، وفي رواية: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه.   وأخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله، لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب، وأخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري وعمه ابن مالك، وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر.   وأخرج الشيخان عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (الآية): ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البرُّ والفاجر، فلو أمرتهنَّ يَحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة، فقلت: عسى ربه إن طلقكنَّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت كذلك؛ أي: نزل قوله تعالى موافقًا لقول عمر رضي الله عنه باللفظ نفسه، قال الله تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5].   وقال ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما توفي عبدالله بن أُبَي (رأس المنافقين) طلب ابنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولتُ حتى قمتُ في صدره، فقلتُ يا رسول الله، أَعَلى عدو الله عبدالله بن أُبَي تصلي؟ القائل يوم كذا: كذا وكذا، يعدد أيامه، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرتُ عليه، قال: أخِّر (أي: ابتعد عني) يا عمر، إني خيِّرت فاخترت، فقد قيل لي: ﴿ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [المنافقون: 6]، لو أعلم أني لو زدتُ على السبعين غُفِر له لزدتُ، قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه؛ يقول عمر رضي الله عنه: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فو الله ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢