أرشيف المقالات

دعوة غير المسلمين

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2دعوة غير المسلمين
اتَّخذ القرآن الكريم في مناقشة الكافرين أسلوبَ المحاورة وإيراد قصص الأنبياء السابقين، وما حدث لأقوامهم عندما لم يستجيبوا لما يدعون إليه؛ لإقناعهم وإعادتهم إلى رحاب الحق والإيمان الصحيح؛ فسيدنا نوح عليه السلام دعا قومه إلى توحيد الله وإخلاص عبادته؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 23]، فذكرهم بالحقيقة الكبرى التي تكرَّرَت على لسان كل الأنبياء من سيدنا نوح إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.   الكافرون من قريش وقفوا بكل ما أوتوا من قوة في طريق الدعوة إلى الله، وصدُّوا عنها كل من يريد الدخول فيها، وبذلوا وضحَّوا بكل غالٍ ونفيسٍ؛ كي لا تنتشر هذه الدعوة، فتفنَّنُوا في ألوان التعذيب والسخرية والاستهزاء بصاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم، ومَنْ تبعه من المؤمنين.   ومع ذلك أشار القرآن الكريم في عدة آيات إلى أن الكفار يعترفون بوجود إله خالق مدبِّر للكون؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 63].   ولكن الكفار مع اعترافهم بوجود الإله الخالق قد وقعوا في خطأ جسيم أدَّى بهم للكُفْر، وهو اعتقادهم بوجود آلهة أخرى ثانوية مع المولى عز وجل، لتشفع لهم عنده؛ قال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].   فهؤلاء يُدعون إلى الإيمان بالله، ويُعَرَّفون بالله وأسمائه وصفاته، وسعة رحمته، وعظيم نِعَمه، ويُذَكَّرون بوعد الله ووعيده، ويُرَغَّبون في الجنة، ويُحَذَّرون من النار، فإذا استقرَّ الإيمان في قلب أحدهم عَرَّفناه بالأحكام تدريجيًّا؛ الصلاة وما يلزم لها من الطهارة والوضوء، ثم الزكاة...
وهكذا.   فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه عَلَى اليَمَنِ، قال: ((إِنَّكَ تَقْدمُ عَلَى قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأخْبِرْهُمْ: أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أمْوَالِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ))؛ متفق عليه.   المشركون: وهنا يُطرح سؤال؛ هل هناك فرق بين الكُفْر والشرك؟ قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: " الكفر جحد الحق وستره؛ كالذي يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب صوم رمضان، أو وجوب الحج مع الاستطاعة، أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا، أو تحريم شرب المسكر، أو تحريم عقوق الوالدين، أو نحو ذلك.   أما الشرك فهو: صرف بعض العبادة لغير الله، كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك، أو يذبح لهم أو ينذر لهم، ويطلق على الكافر أنه مشرك، وعلى المشرك أنه كافر؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 117]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [المائدة: 72]، وقال جل وعلا في سورة فاطر: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]، فسمَّى دعاءهم غير الله شركًا في هذه السورة، وفي سورة المؤمنون سمَّاه كفرًا.   وقال سبحانه في سورة التوبة: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 32، 33]، فسمَّى الكفار به كفَّارًا، وسمَّاهم مشركين، فدلَّ ذلك على أن الكافر يُسمَّى مشركًا، والمشرك يُسمَّى كافرًا، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ))؛ أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))؛ أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، والله ولي التوفيق؛ انتهى.   إن الحقيقة الكبرى في القرآن الكريم هي الدعوة إلى التوحيد، توحيد الله وحده، عبادة إله واحد خالق قادر رازق، له ملك السماوات والأرض وما بينهما: هي إبطال للشرك والمشركين بالله غيره من شتى المعبودات والآلهة.   فقد خاطب الله العقل وبصَّرَه بوحدانية الله وألوهيته بكل حجة ودليل؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 31، 32].   وخاطب الله عز وجل الوجدان، ونبَّهه إلى التوحيد، ولفته إلى مشاهد الكون الدالة على وجود الله وألوهيته وقدرته ووحدانيته؛ قال تعالى في سورة الغاشية: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].   كما بيَّن عجز الإنسان وما أنشأ أمام قدرة الله العلي العظيم، وما خلق من أرض وسماوات وكواكب ونجوم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73].
والقرآن الكريم عندما يُناقش المشركين يواجههم بالحقيقة التي يعترفون بها، وهي أن المولى تبارك وتعالى هو وحده الخالق لجميع الكائنات التي تقع تحت أبصارهم والتي لا ترى ولا تُنظر؛ لأنها كائنات دقيقة لا تُشاهد بالعين المجردة، فيدعوهم على أساس تلك المعرفة إلى توحيد المولى عز وجل وعدم الشرك به وإفراده بالعبادة، فلا يجوز أن يتساوى الذي لم يخلق شيئًا مع الخالق لكل شيء ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 17].   وإنه من الجهل والسفه أن يتوجَّه الإنسان بالدعاء إلى مَنْ لا يستجيب؛ بل ولا يسمع الدعاء؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5]، ومن الجحود بالنعم التي أنعم الله بها على الإنسان أن يشرك به مَنْ لا يملك نفعًا ولا ضرًّا.   قال عز وجل في سورة النحل: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 53، 54].   وبهذه الجولة مع المشركين يُحقِّق القرآن الكريم المثالية التي يجب أن يسير الدُّعاة على نهجها في مخاطبة الناس الذين تُوجَّه إليهم الدعوة.   أما المنافقون فهم الذين يُظهرون خلاف ما يبطنون، وهم أشدُّ خطرًا من الكافرين، فالكافرون أمرهم معلوم، أما المنافقون، فأمرهم غير معلوم، فهم يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، وهذا نوع من الخداع والخبث؛ ولهذا قال تعالى في حقهم: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].   ومن علامات المنافقين: 1- مرض القلوب؛ قال تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].   2- الإفساد في الأرض؛ قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]، فهم يفسدون ولا يشعرون أنهم مفسدون؛ بل ويحسبون أنفسهم من المصلحين، والفساد هو الكفر قولًا وعملًا وعمل المعصية والأمر بها.   3- رميهم المؤمنين بالسفه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13]، والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار.   4- اللَّدد في الخصومة والعزة بالإثم؛ قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 - 206].   5- موالاة الكافرين والتربص بالمؤمنين؛ قال تعالى في سورة النساء: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [الفاتحة: 138، 139].   6- الخداع والرياء والتكاسل عن أداء العبادات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].   7- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؛ قال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].   8- الغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد؛ قال تعالى في سورة التوبة: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75 - 77].   أهل الكتاب: أهل الكتاب من اليهود والنصارى يردُّهم الداعية إلى بعض ما يعرفونه في كتابهم الحق الذي جاءت به رسلهم من قبل الله تعالى، ويذكرهم بأقوال رسلهم الذين بعثهم الله إليهم، ثم يوضح لهم أن الرسل كلهم اصطفاهم الله تعالى من خلقه، وجعلهم الواسطة بينه وبين عباده فيما يبلغونه إليهم من أوامر ونواهٍ، وأن الواجب عليهم وعلى الناس جميعًا أن يؤمنوا بكل الرسل بلا استثناء؛ لأن الله عز وجل هو الذي أمر بالإيمان بهم دون تفرقة بين أحد منهم.   فإذا أجابوا الداعي إلى ما دعاهم إليه يشرح لهم العقيدة الصحيحة التي جاءت بها الرسل من عند الله تعالى من لدن سيدنا آدم إلى سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام، ثم يبين لهم مبادئ الإسلام وما يدعو إليه هذا الدين من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وعدم الشرك به، وأنه المتفرد بالألوهية والربوبية والمتنزه عن الصاحبة والولد، ثم يوضح لهم أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لجميع الرسل؛ حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ومن يرغب عن هذا الدين ويتبع دينًا آخر، فلن يقبل منه يوم القيامة، ثم يكون من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].   وللقرآن الكريم أسلوب فريد في دعوة أهل الكتاب إلى اتِّباع الإسلام، فبيَّن لهم برفق حال من آمن منهم، والثواب العظيم الذي ينتظره، وأن صفات النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في التوراة والإنجيل؛ قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156، 157].   وفي آية أخرى نجد نداءً لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ودعوتهم إلى مراجعة أنفسهم، والتأمل فيما يدعوهم إليه الإسلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلهم يعودون إلى الحق ويذعنون له، والكلمة السواء هي توحيد الله عز وجل، وعدم الشرك به، وعدم اتخاذ أرباب من دون الله، كما فعل اليهود عندما قالوا: عزير ابن الله، وكما قالت النصارى: المسيح ابن الله؛ بل وصلوا به إلى مرتبة الألوهية، وهذا شرك بالله عز وجل.   قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].   ولو تدبرنا المنهج القرآني لوجدنا أن القرآن الكريم جادلَ أهل الكتاب، فتعرض لفكرة اتخاذ الولد فدحضها، وكان له في ذلك أساليب مختلفة، فمرة يُبيِّن لهم استحالة ذلك؛ لأن الولد لا يكون إلا إذا كانت هناك زوجة، والله عز وجل مُنزَّه عن ذلك؛ قال تعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101].
ومرة أخرى يوضح لهم أن الله مستغنٍ عن الولد والشريك؛ لأن الولد يُطلب للحاجة إليه، والله تعالى خالق كل شيء: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102].   كما تعرض القرآن لفكرة ألوهية المسيح عليه السلام عند النصارى، وكان له في ذلك أسلوبه المتميِّز، مرة بإثبات صفات المسيح التي لا تتفق مع الألوهية؛ قال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75]، ومرة بإقرار المسيح نفسه بأنه عبد الله؛ قال تعالى على لسان المسيح: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [مريم: 36].



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن