أرشيف المقالات

رضاعة الموت في عالم الدواعش - حسن الخليفة عثمان

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
" لقد سمعنا عن موت نصف مليون طفل عراقي، وهذا أكثر من عدد ضحايا هيروشيما، وأنتِ تدركين ذلك، أليس هذا ثمنا فادحا؟"
كان ذلك سؤالاً في مقابلة أجرتها قناة "سي بي إس" مع وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، في يوم 12/05/1996 وقد جاء رد الوزيرة الأميركية: " أعتقد أن هذا خيار صعب جدا، كان الأمر يستحق ذلك ".


يقول الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة المائدة :
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة 32] .
قال مجاهد: من لم يقتل أحدا فقد حي النّاس منه، وعنه في رواية: ومن أحياها.
أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة).[عمدة القاري: 18/198].انتهى .
بتاريخ 22/03/2015 خلال احتفال أقيم في حدائق وزارة الداخلية الفرنسية بباريس لاستقبال لاجئين مسيحيين آتين من العراق وسوريا وبحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ؛ الذي ألقى كلمة ترحيب واحتفاء بقدوم اللاجئين المسيحيين قال فيها : " أود أن أرحب بالاندماج التام وهو اندماجكم، هذه الرغبة في أن تكونوا هنا في فرنسا، وأن تقدموا مواهبكم وثقافتكم ورغبتكم أن تكونوا مفيدين لفرنسا لأنكم مفيدون لفرنسا".
كما جاءت كلمة وزير الداخلية برنار كازنوف في ذات السياق حيث قال لهم مرحباً بهم : " أنتم جميعا على الرحب والسعة "، ثم قال: " المسيحيون هم بين الضحايا الأوائل للمشروع الإجرامي للتطهير الديني الذي تسعى داعش إلى فرضه على مجمل الأراضي التي يسيطر عليها اليوم".
انتهى.
تطبيق معيار " المسيحية " والتمييز بين اللاجئين على أساس ديني لم يتوقف على فرنسا بل سارعت إلى اعتباره العديد من الدول الأوربية منها سلوفاكيا، التي عارضت نظام توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي، وأعلنت رسميًّا أنها ستستقبل المسيحيين فقط من اللاجئين السوريين.
ويبرز التمييز الديني لدى دول المعسكر الشرقي السابقة من خلال قول الرئيس التشيكي "ميلوس زيمان" في تصريحات صحفية سابقة : إن على بلاده ألا تستقبل اللاجئين المسلمين وأولئك القادمين من بلدان شمال أفريقيا بسبب الفوارق الثقافية.
وكانت النمسا أول عضو في الاتحاد الأوروبي يصرح بأنه سيستقبل اللاجئين المسيحيين، حيث قالت وزيرة الداخلية "جوهانا ميكل-ليتنر" في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 : إن بلادها ستستقبل ألف لاجئ سوري، يجري اختيارهم من المسيحيين.
ثم أخيرا وليس آخراً جاءت تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان عن مسيحية قارة أوربا وعن مجاهرته بتصريحاته الفجة في التمييز بين اللاجئين وفقاً لديانتهم؛ والتي استدعت من المفوضية السامية لشئون اللاجئين أن تعبر عن " قلقها " من هذه التصريحات المخالفة للاتفاقيات والقوانين الدولية.
جاءت ردود الأفعال على صورة الطفل السوري " المسلم " الغريق إيلان عبدالله كردي مشابهة لردود الأفعال على الرضيع الفلسطيني " المسلم " علي دوابشة الذي أحرقه الاسرائيليون في جريمة تصدّر وسمها : (حرقوا الرضيع) .
كما تصدّر وسم (الطفل السوري الغريق) مواقع التواصل الاجتماعي ، ومرت جريمة حرق الرضيع الفلسطيني الذي أرضعه دواعش بني صهيون الموت حرقاً ، كما مرت جريمة قتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي رضعوا الموت تحت الحصار والقصف على يد دواعش الغرب المتحضر، وكما ستمر كارثة غرق إيلان عبدالله كردي، الذي ما إن انتهى من رضاع أمه حتى أرضعه دواعش بشار الأسد والبغدادي الموت غرقاً مع أخيه وأمه، بعد الإعراب عن بعض القلق الذي يبديه الغرب الذي لم يعد يهتم إلا بشأن اللاجئين المسيحيين حفاظاً على مسيحية أوربا ليستمر جرحنا النازف برضاعة الموت في عالم الدواعش.
 

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢