أرشيف المقالات

وحدثتهم عنها (2)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2وحدثتهم عنها (2)

في تلك اللحظات التي انتابتني مشاعر الدهشة والذُّهول من معرفة أبنائي عن القوم الذين يتخذون ألوان قوس قزح شعارًا لهم؛ بسبب الإعلانات التي تخرج على وسائل التواصل، فكان ولا بد الحديث معهم، وكان ملخص ما تحدثت عنه في المقال السابق هو أن الله عز وجل خَلَقَ آدمَ وحوَّاءَ، ذكرًا وأنثى، وجعل منهم ذريتهم، وكذلك كل المخلوقات من طيور وحشرات ودواب البر والبحر من نوعين، ذكر وأنثى، كل منهما يكمل الآخر؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
 
وجعل في طبيعة الكائنات غريزةً يميل بها كل منهما - الذكر والأنثى - إلى الآخر بالفطرة السَّوِيَّة، فيحدث التزاوج والتكاثر للحفاظ على وجودها، وحفاظًا عليها من الزوال، وحتى لا يختل النظام في الكون.
 
ونكمل ما بدأنا به فنقول: إن الحيوانات - يا بني - كلها تقودها غريزتها للتكاثر، وتعلم تمامًا وظيفتها، فنجد أن الذكور تتزوج الإناث، ولا يوجد ولا يمكن لها أن تفعل غير ذلك، أما نحن البشر فقد علم الله أن منا من قد يحيد عن الصواب، ويوسوس له الشيطان بما يهلكه؛ لذلك لم يترك الله لنا تلك الغريزة نشبعها كما نشاء وكيفما أردنا، لكن شَرَعَ لنا حدودًا وضوابطَ تنضبط بها تلك الغريزة، فحُرِّيتُنا يجب ألَّا تتجاوز الحدود التي يعلم الله أنَّ تجاوزَها يفسد ويحصل منه أضرارًا كبيرة، وبيَّن الله تعالى لنا ممنوعات لا يجوز أن نقرَبَها؛ لأنها أيضًا تؤدي إلى أضرار وفساد، وحتى لا نحيد عن إنسانيتنا، وعن الرُّقيِّ الذي ميزنا الله به.
 
مثال ذلك: من يقضي غريزته خارج مؤسسة الزواج؛ قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]، أو من يفعل فعل قوم لوط والعياذ بالله؛ قال تعالى: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 29].
 
فقد كانوا من أشد الأمم عذابًا؛ لبشاعة فِعْلِهم؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 35]، فهل من مُتَّعِظٍ يخشى عذاب الله؟
 
همسة: لفَهْمِ فعل قوم لوط نشرح شرحًا مبسطًا لتفسير آيات قصة نبي الله لوط عليه السلام من كتب التفسير، يكون وافيًا وكافيًا بإذن الله، وفي الجهة المقابلة، جعل ترغيبًا جميلًا لمن أشبع غريزته بالزواج؛ ففي الحديث: ((...
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وِزْرٌ؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر)
)
؛ [رواه مسلم رحمه الله].
 
ثم، أيعقل بعد هذا نحن أصحاب العقول نتصرف بشكل أسوأ من الدواب؟، فصِرْنا أضل سبيلًا منهم، فهؤلاء الذين يفعلون هذا الفعل الشاذ المهين المحرم، لم يمنعوا النسل فقط، بل أضروا بأنفسهم بأبشع الصور، فلا تتخيل كمَّ الأمراض النفسية والعضوية التي يمرضون بها، فكفى أن تعلموا أن مرضَ نقص المناعة (الإيدز) أحد أكبر الأمراض الخطيرة الصعبة، التي اكتُشفت أول مرة عند هؤلاء والعياذ بالله، كما أن هذا الفعل المخزي له بالغ الأثر النفسي السيئ على فاعله، وفي النهاية أطلت المقال، ولم أكن أرغب في ذلك، فالحديث مع الأولاد لم يكن طويلًا هكذا، ولكن الإطالة للإحاطة بالموضوع لمن يقرؤه.
 
همسة في نهاية الأمر:
كان هذا الحديث مع ابني الكبير حفظه الله، أما الأطفال الصغار فضَرْبُ المثل وجعله كهيئة قصة أمر جميل، فقد شرحت هذا الموضوع لأحد الأطفال عندما سأل، وصادف ذلك وجود الهاتف المحمول في يدي، فقلت: إذا أردنا الحصول على هاتف مشحون، ماذا نفعل؟
 
نضعه في الشاحن الخاص به، فالهاتف والشاحن يكمل كل منهما الآخر، لتستطيع الحصول على الهاتف مشحونًا.
 
ولا يمكن أن نجد علبة هاتف تحتوي على هاتفين دون شاحن، أو شاحنين دون هاتف، بل هاتف وشاحن، وكذلك الله عز وجل خلقنا رجالًا ونساء، يكمل كل منا الآخر؛ للحصول على أولاد وأحفاد، والأحفاد يأتون بأولاد، وهكذا تستمر الحياة ويستمر وجودنا، فإذا لم نأتِ بأولاد فسيختفي البشر، مثلما لو أضعتَ شاحن الهاتف، هل تستطيع استخدام هاتفك؟!
 
فلنفعل ما أمرنا الله به يا بني، ونلزم طريقه؛ لأنه الصواب والحق، وانتهي الحديث مع الصغير.
 
أسأل الله أن يحفظ أولادنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ويصرف عنهم السوء، ويثبتهم على الحق المبين، ودُمْتُم طيبين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن