أرشيف المقالات

رمضان ووباء كورونا

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
رمضان ووباء كورونا
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فيقدم علينا شهر رمضان لهذا العام (1441هـ) في ظلِّ ظروف غير عادية؛ فالناس يعانون من وباء كورونا، وما نتج عنه من آثار، جعلت الكثيرين يلزمون بيوتهم، ويقللون من الخروج منها إلا للضرورة؛ من باب الوقاية من هذا الوباء.
 
والمسلم يرجو من الله الكريم أن يكون فيما وقع خير؛ قال عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، وهذه أربع وقفات مع شهر رمضان ووباء كورونا، أسأل الله أن ينفع بها.
 
الوقفة الأولى: الحذر من شياطين الإنس:
في شهر رمضان تُسلسل وتُربط شياطين الجن؛ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل رمضان، فُتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسُلست الشياطين))؛ [متفق عليه]، وفي لفظ لمسلم: ((وصُفِّدت الشياطين))؛ أي: قُيِّدت بسلاسل من حديد، وذلك رحمة من الله الكريم بعباده، فالشياطين أعدى عدوٍّ للإنسان؛ كما قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، والشياطين موجودون في الإنس والجن؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الشياطين ليس اسمًا خاصًّا بالجن، بل حتى الإنس لهم شياطين ...
وكلُّ من يأمرك بالسوء والفحشاء، وينهاك عن الصلاح والاستفادة، فهو شيطان؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ﴾ [المائدة: 91]، فكل إنسان يأمرك بالفحشاء والمنكر، وينهاك عن ذكر الله وعن الصلاة، فهذا هو الشيطان، فما أكثر شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان ويسفهونه، ويوقعونه فيما يندم عليه! وهم جلساء السوء الذين حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام.
 
ولئن كان شياطين الجن يصفدون في رمضان، فإن شياطين الإنس لا يكبلون، وقد يزدادون في رمضان؛ سُئل سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: هل يُكبل شياطين الإنس في رمضان؟ فأجاب: "ما بلغني، والواقع يشهد بأنهم قد يزدادون في رمضان، وشياطين الإنس أشد من شياطين الجن، فشياطين الجن تذهب بالاستعاذة، ويشهد لذلك أن الله ابتدأهم: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112]"، وهؤلاء الأشخاص الذين كانوا يزدادون في رمضان سيقلون في رمضان لهذا العام (1441هـ) في الأسواق والتجمعات والطرقات وغيرها، فكما أن شياطين الجن مصفدون بالسلاسل، فهؤلاء ملازمون لبيوتهم؛ فسيقل شرهم وآذاهم لغيرهم، وهذا قد يجعل المسلم الصائم هذا العام يقبل على الطاعة ويبعد عن المعصية؛ لضعف سلطان شيطان الجن عليه لتصفيده، ولبعد شياطين الإنس عنه لملازمتهم لبيوتهم، فما بقى إلا مجاهدة النفس الإمارة بالسوء، نسأل الله الإعانة والتوفيق.
 
الوقفة الثانية: إغلاق الأسواق:
الأسواق أبغض الأماكن إلى الله عز وجل؛ كما ورد في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((أحبُّ البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقها))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: ((أبغض البلاد إلى الله أسواقها))؛ لأنها محل الغش والخداع، والربا والأيمان الكاذبة، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك".
 
وكثير من الأسواق في شهر رمضان لهذا العام ستكون مغلقة، والوقت الكثير الذي كان يهدر فيها - وخصوصًا من قِبَلِ المرأة المسلمة - بالإمكان الاستفادة منه في الطاعة والعبادة، فلتكن ليالي رمضان كلها - وبالأخص العشر الأخيرة منها - في الطاعة والعبادة.
 
الوقفة الثالثة: البقاء في البيوت:
في رمضان هذا العام سيلازم المسلم بيته، وينبغي أن يستغل المسلم ذلك بالإكثار من الطاعات والعبادات التي تزيد من إيمانه، وتقربه من الله جل جلاله، وتدخل الطمأنينة في قلبه، والسرور على نفسه، وتطرد عنه الشياطين والوساوس، والأوهام والتخيلات، ومن العبادات التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم:
• البقاء بعد أداء صلاة الفجر في مصلاه يذكر الله، ويتلو كتابه، إلى حين ارتفاع الشمس قيد رمح (حوالي ربع ساعة بعد شروق الشمس)، ومن ثَمَّ يصلي ركعتين، ففي ذلك خير كثير.
 
• تخصيص وقت كثير لقراءة القرآن بتدبر وعدم عجلة، مع الحرص أن يختم عدة مرات في هذا الشهر، ففي ذلك خير كثير وأجر عظيم.
 
• القراءة في كتب التفسير، ومن التفاسير السهلة الميسرة على منهج أهل السنة والجماعة: تفسير العلامة السعدي؛ قال تلميذه العلامة ابن عثيمين رحمهما الله: "من أحسن التفاسير؛ حيث كان له ميزات كثيرة منها: سهولة العبارة ووضوحها ...
تجنب الحشو والتطويل ...
تجنب ذكر الخلاف ...
السير على منهج السلف في آيات الصفات ...
دقة الاستنباط ...
ومنها أنه كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة ...
كتاب جيد وسهل ومأمون ...
أنصح بالقراءة فيه ...
وأشير على كل مريد لاقتناء كتب التفسير ألَّا تخلو مكتبته من هذا التفسير القيم".
 
الوقفة الرابعة: تصحيح المسار ومعالجة الأخطاء:
لا يخلو أي مسلم من أخطاء وهفوات وزلات؛ إما بتقصيره في العبادة، أو تساهله في المعصية، وربما كان البعض يحدث نفسه بعلاج هذه الهفوات والأخطاء، لكن الشيطان والنفس الإمارة بالسوء كانا يزينان له صعوبة ذلك، وكان يجد لذلك هوًى في نفسه، فيبقى حاله على ما هو عليه، ولو تأمل لوجد أن وباء كورونا غيَّر كثيرًا من الأشياء، فليس هناك شيء لا يمكن تغييره بحجة أن الإنسان تعوَّد عليه، فكم غيَّر وباء كورونا من عادات ظنَّ الكثيرون قبلها أنها لا تقبل التغير أو التبديل، ومع ذلك تغيرت وتبدلت! إذًا يمكن للإنسان بعون الله وتوفيقه أن يغيِّر ما فيه، فليكن شهر رمضان شهر التوبة والإنابة إلى الله، البداية لعلاج ما يوجد لدى المسلم من تقصير، والله يعين العبد الصادق.
نسأل الله الكريم أن يعيننا على أنفسنا، وأن يوفقنا للطاعة والعبادة في رمضان وغيره على الوجه الذي يرضيه عنا.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن