أرشيف المقالات

حسن الخلق (2)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2حسن الخلق (2)
 
الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أما َبَعدُ:
فكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسَنَ الناس خلقًا، فمن أحب أن يهتدي إلى معالي الأخلاق، فليقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: «لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، أخَذَ أبو طَلْحَةَ بيَدِي، فَانْطَلَقَ بي إلى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ أنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قالَ: فَخَدَمْتُهُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ عشر سنين، فَوَاللَّهِ ما قالَ لي لِشيءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هذا هَكَذَا، ولَا لِشيءٍ لَمْ أصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هذا هَكَذَا»[1].

وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا[2]، وروى البخاري في صحيحه من حديث عطاء بن يسار قال: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ؛ قَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] وَحِرْزًا[3] لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ[4] فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ[5] بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا»[6].

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:






وأَحسنُ مِنْكَ لم ترَ قطُّ عيني
وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ


خُلِقتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
كَأَنكَ قدْ خُلِقْتَ كما تَشَاءُ







قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: حُسْنُ الخُلُقِ: طَلَاقةُ الوَجْهِ، وَبَذْلُ المَعْرُوْفِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَأَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُوْنُ مِنَ النَّاسِ[7].

وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الأعمار، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ»[8].

والمسلم لا بدَّ أن تواجهه في حياته مواقف كثيرة، إن لم يستعمل فيها حسن الخلق فإنه سيفشل في مواجهتها.

ومن القواعد العامة في هذا المجال: ألا تسرع بالملامة في حق من أساء إليك، أو قصر في حقك، وأن تعامله بحسن الظن والتماس العذر، وعلى العكس من ذلك ألا تقول قولًا، ولا تفعل فعلًا قد تحتاج فيما بعد للاعتذار منه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكَ وَكُلَّ أَمْرٍ يُعْتَذَرُ مِنهُ»[9].

قَالَ الشَّاعرُ:






وإنما الأُممُ الأخلاقُ ما بَقِيت
وإِن هُمُ ذَهَبَت أَخلاقُهم ذَهَبُوا












وقال آخر:






صلَاحُ أمرِكَ للأَخلَاق مَرجعُهُ
فقَوِّمِ النَّفسَ بالأَخلَاقِ تَستَقِم











 
اللهم كما حَسَّنتَ خَلْقَنَا فَحَسِّنْ أخلاقنا، وألِّف بين قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا وتولَّ أمرنا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة:
1- اذكر بعضًا من النصوص الشرعية الواردة في حسن الخلق.
2- اذكر بعضًا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
3- اذكر بعضًا من القواعد العامة في حسن الخلق.
4- ما الأخلاق التي تُعمَّر بها الديار وتزيد في الأعمار؟
5- يوجد في هذا الدرس أدب رفيع، فما هو؟



[1] صحيح البخاري برقم (2768)، وصحيح مسلم برقم (2309) واللفظ له.


[2] صحيح البخاري برقم (6203)، وصحيح مسلم برقم (2310).


[3] أي: حصنًا للأميين وهم العرب يتحصنون به من الشيطان أو من سطوة العجم، وتَغَلُّبُهُم إن تمسكوا بما جاءهم به.


[4] ولا سخاب: أي لا يرفع صوته على الناس في الأسواق لسوء خلقه، ولا يكثر الصياح عليهم.


[5] الملة العوجاء: أي ملة الكفر.


[6] صحيح البخاري برقم (2125).


[7] جامع العلوم والحكم (ص160).


[8] مسند الإمام أحمد (42/ 153) برقم (25259)، وقال محققوه: إسناده صحيح.


[9] الضياء في المختارة (6/ 188) برقم (2199) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 689) برقم (354).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير