أرشيف المقالات

كورونا بين التهوين والتهويل

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2كورونا بين التهوين والتهويل

لا شك أن الحدث الأبرز الذي يشغل العالم كله اليوم، ويحتل الجزء الأكبر من تفكيره، هو أزمة وباء كورونا التي جعلتنا كأننا نعيش في غرفة لا يُرى لها باب.
 
لكن المتأمل لهذه الأزمة والمطالع لها، يجد أنها وقعت بين فريقين مختلفين اختلافًا كبيرًا في التعامل معها، فهناك من يقلل من شأنها، ويستهين بأمرها، ويراها أمرًا عاديًّا، أو دون ذلك، فيدعو الناس إلى الخروج، والتنزه هنا وهناك، وإقامة مناسباتهم الاجتماعية المختلفة، وألا يغضوا الطرف عن أي عادة اعتادوا عليها قبلًا، ففي وجهة نظره ليس ثمة ما يدعو إلى القلق.
 
وعلى النقيض تمامًا، هنالك من يُفزِّع ويُهوِّل من أمرها، وكأنه يجعلها نهاية العالم، فتحيل نظرته تلك الناس إلى اليأس والاكتئاب، وإهمال العمل والإنتاج، بل فِقدان طعم الحياة.
 
وهكذا يجد الناس أنفسهم بين مذهبين تباعدَا عن الحقيقة كل البعد، فأحدهما يرى نهاية العالم، وأنْ لا حياة بعد الآن، والآخر لا يعير الأمر اهتمامًا، ولا يلقي له بالًا.
 
لكن ذا البصيرة يجد أن المذهبين قد نأَيَا كلَّ النأي عن الحقيقة، وأن كليهما قد وقع في دائرة الإفراط أو التفريط بالنسبة للأمر، ويرى الأزمة بعين ترى الأمور في مكانها الحقيقي، وتضع كل شيء في نصابه المناسب له.
 
فمن ناحيةِ هل توجد أزمة حقيقة؟ أجل توجد أزمة وجائحة تغمر أرجاء المعمورة، لكن لا ينبغي ترويع الناس وتفزيعهم، فالحمد لله ينجو كثير ممن يصاب بها، ولا يفقد كل من أصيب بها حياته، فمُعامل الشفاء ولله الفضل كبير ومرتفع جدًّا، ومما يجلب الأمل أنه في العهود، والقرون الدابرة وقعت طواعين وأوبئة أكبر خطرًا، وأشد فتكًا من كورونا بمرات عديدة، مثل: طاعون عمواس الذي وقع ببلاد الشام في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، ووباء الكوليرا، وإنفلوانزا أسبانيا أشد الأوبئة فتكًا في التاريخ المعاصر إلى غير ذلك من الأوبئة التي كانت أشد فتكًا من كورونا بمراحل عديدة، ومرت الحياة بعد هذا كله واستمرت، فجئنا وسيأتي من بعدنا بإذن الله تعالى، ومن ثم يجب أن يكون لدينا أملٌ كبير في الله تعالى، فهو القائل: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6]، وقال أيضًا: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
 
لكن لا ينبغي في ذات الوقت أن نهوِّن من الأمر، أو أن نقلِّل من شأنه؛ كي ننجو جميعًا منه، وأن نلتزم بإجراءات السلامة التي تفرضها الدولة من ارتداء الكمامات، وعدم المخالطة، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، والحجر المنزلي حال ظهور أي أعراض تدعو إلى الشك أو الاشتباه للحفاظ على أروحنا، وهذا من هدي القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وهو أيضًا من هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فالإسلام وضع قواعد للحجر الصحي منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عنِ النبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا"؛ متفقٌ عليهِ.
 
كما علينا أن نكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله جل شأنه، فمعلوم أن الاستغفار يفرج الكروب، ويزيل الهموم، ويجلب الرزق والسعادة؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12].
 
حفِظ الله بلادنا من كل سوء، ورفع عنا البلاء والوباء.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١