أرشيف المقالات

الصدق فضله وصفة أهله - عبد الله بن صالح القصير

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
الصدق هو اعتقاد الحق وقوله والعمل لله بمقتضاه، وهو سجِيَّةٌ كريمةٌ، وخصلةٌ عظيمةٌ تدلُّ على سلامة الفطرة لدى المُنصِف بها وثقته بنفسه وبُعدِه عن التكلُّف والتصنُّع، ويكفي للدلالة على منزلته من الأخلاق وحسن عافيته على أهله في العاجل والآجل باتفاق أن الإيمان كله صدق في القول وتصديق بالحق وعمل بمقتضاه وتعبير عنه وأن كل ما تصنع به المتصنعون ونسجه أهل الحيل سينكشف ويزول بهرجا ولا يبقى إلا الصدق.

وكم في الكتاب والسنة من النصوص الصحيحة الصريحة التي تستجيش الهمم وتحفز العزائم على التحلي بالصدق واللحاق بركب أهله وتعد عليه بالنجاح والنصر والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة وتغري به بما رتب الله عليه من الأجر العظيم والثواب الكريم وعظيم الرضوان وعليّ المقام في الجنان.

وأعظم شأن الصدق:

أن الله تعالى أثنى على نفسه الكريمة بصدق وعده ونصر عبده وصدق الحديث وأثنى على رسله بالصدق والتصديق وأثابهم على ذلك رفعة الدرجة وعلو المنزلة عنده، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، وجعل سبحانه الصديقين في منزلة تلي النبيين والمرسلين تنويهًا بمقامهم، وإشادةً بفضلهم، وتنبيهًا على عِظَمِ ما خصَّهم الله تعالى به من النعم الدينية والدنيوية، وكانوا بذلك سادات الخلق في الدنيا والآخرة بعد النبيين وما ذلك إلا لسبب تصديقهم للنبيين وعملهم بما جاءوا به من الحق المبين.

وهكذا يجزي الله الصادقين بصدقهم في الدنيا بشرف الذكر وعلو المنزلة عند الحق والخلق وفي الآخرة أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ولهم جنان تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَبَ عند الله صِدِّيقًا».

وفي التنزيل يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [ التوبة : من الآية 119]، والمعنى: كونوا مع مح?د صلى الله عليه وسلم، كما روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا، والكف عن أهل الملة".

فنبّه هذا الإمام العظيم على أمرين يُستعانُ بهما على التحلِّي بالصدق، واللحاق بركب الصادقين، وهما:

1- الزهد في الدنيا والواجب منه ترك الحرام وكماله بترك فضول الحلال ومالا نفع في الآخرة وإنما كان الزهد في الدنيا أساساً للصدق وسبباً له؛ لأن الزاهد يعرِفُ أن الدنيا حاضر يأمل منه البر والفاجر، وأنه ينبغي أن تتخِذَ عوناً على الآخرة لا شغلاً عنها، وقد انصَبَّ همُّهُ على آخرته، وتعلَّق قلبُهُ بربِّهِ.

ولهذا يبتغي وجه الله تعالى فيما يأتي وما يذر ومن ثم فلا حاجة به إلى أن يكذب من أجل حظوظ الدنيا لأن حب الدنيا والولع بمتعها والطمع في تحصيل ما يراد منها هو السبب الوحيد أو الأعظم للكذب فمن كانت همَّته الآخرة جانب الكذب لهوانه عنده وهوان أهله وهوان ما يترتَّب عليه من متع الدنيا.

2- أما السبب الثاني للصدق والفوز بمعية الصادقين في نظر ذلك الإمام العظيم فهو الكف عن أهل الملة -أي: أهل الإسلام- فإن «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»[رواه البخاري ]، وَ«المؤمن من أَمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم» (رواه النسائي).
فمن أمن الناس بوائقه من بغض وحسد ونظرة عين ونحو ذلك من الغوائل والشرور لشدة حرمة هذه الأمور في الشرع وتعظيمه لحرمات إخوانه فذلك هو المؤمن الكامل الإيمان.

والإيمان الكامل الصادق فيه يحجز صاحبه عن الكذب كما يحجزه عن سائر المحرمات وكبائر الذنوب لقوة إيمانه وصدقه في عبادته وعظم خشيته منه لكمال علمه به.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢