المشهد العام في سوريا لم يعد قاصرًا على شعب يعشق الحرية، ثار على حاكمه المستبد، والأطراف المتدخلة واللاعبة في المشهد كثيرة، والأحلاف غير المعلنة أكثر مما يبدو للمتابعين والمحللين، والمعركة لم تعد بسيطة تعبر عن ثورة داخلية لإزاحة طاغوت عائلة الأسد، التي قتلت شعبها مرتين مرة في الثمانينيات، ومرة أخرى منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011 وحتى الآن، وما بين المجزرتين ثلاثين عامًا شهدت صنوفًا شتى من القهر والظلم والفساد والاستبداد، وبحورًا من الدماء وعشرات الآلاف من الأرامل واليتامى والشهداء، وجرائم يأبى المداد أن يخط فظائعها رغم أن أحداثها تستعصي على النسيان!
المشهد العام في سوريا دخل عليه مال قذر يضخه بعض المسوؤلين في الدول المجاورة لإدارة حرب بالوكالة؛ لتغليب طرف على الآخر، خوفًا من صعود الإسلاميين خاصة الإخوان المسلمين كما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، وهناك في سوريا صراع أكبر وأعمق بين مشاريع ثلاثة؛ بين المشروع السني، والمشروع الشيعي، والمشروع الصهيو أمريكي، وفي سوريا روايتان للصراع..
إحداهما، وهي السائدة: أن ثورة شعبية ولدت من رحم الشعب، وانطلقت في طول البلاد وعرضها ضد نظام قمعي تغول على شعبه، وارتكب جرائم لم يعرف التاريخ لها مثيلا إلا في محاكم التفتيش في القرون الوسطى. والثانية: أن (حربًا أهلية) مدفوعة بالطائفية يحتدم أوارها، وستأتي على الأخضر واليابس في سوريا. الرواية الأولى: هي الأصدق والأدق بالطبع؛ تحكي عن ثورة شعب يتوق للحرية بذل الغالي والنفيس، وضحى بكل شيء من أجل حريته.. والثانية: تصب في حماية نظام فاسد يشكل امتدادًا حقيقيًا لمشروع صفوي توسعي يقف خلفه حزب الله في لبنان ومن ورائه إيران.
المجتمع الدولي للأسف الشديد لم يتدخل حتى الآن لوقف نزيف الدم، والتعاطف وحده لا يكفي ولا تجدي مع نزيف الدماء واستباحة الأعراض وتدمير المقدسات والإبادة الجماعية والتهديد بالحرب الكيماوية لغة البيانات والتصريحات ومؤتمرات الشجب والندب بالكلام!
عندما تكون ثورة، فإن الشعب يستحق الانحياز إليه وليس التعاطف فقط من أجل تلبية أشواقه في الحرية والتغيير، وهذا يعني أن (المجتمع الدولي) مطالب بتدخل سريع لوقف نزيف الدم السوري، وردع المجرم المعتدي وشبيحته، فليس من المعقول ولا المقبول في الأعراف والمواثيق الدولية أن يستوي الجلاد والضحية، ويُعاملان تقريبًا على قدم المساواة.
ولم يعد مقبولًا إعادة وصف ما يحدث في سوريا من حرب إبادة للشعب كما حدث إبان عدوان الصرب في البوسنة مطلع التسعينيات، حيث وصف الغرب ما يحدث على لسان وزير الخارجية البريطاني آنذاك، دوغلَس هيرد، بأنه: "لا توجد أيدٍ نظيفة في هذه الحرب"، ليبرر وقوفه على الحياد، وتكرر الخطاب عينه في دوائر صنع القرار بالأمم المتحدة ليقولوا لنا: "أن التدخل في حرب أهلية لا يُعرف فيها من يقتل من ليس هو الحل الأمثل أو المناسب"!
المشهد في سوريا ليس هكذا، بل هو ثورة حقيقة، وليس احتراب طائفي داخلي، وليس حرب عصابات إهاربية ضد نظام الممانعة في المنطقة كما يحاولون أن يصدروا المشهد عبر وسائل الإعلام، الثورة هي التوصيف الموضوعي والحقيقى لما يجري في سوريا منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011، الثورة السورية لم تتحول من السلمية إلى العسكرية بين عشية وضحاها، بل مرت بمراحل سيأتي يوم وسيجلها التاريخ بمداد الإنصاف والشرف، وملامحها كانت كما يلي:
- من درعا انطلقت شرارة الثورة عندما هبّ شباب كالورود معلنين رفضهم لاستبداد آل الأسد، الذين جثموا عقودًا طويلة على صدور السوريين. - بعد ستة أشهر من التظاهرات السلمية تحولت الثورة، مرغمة تحت وطأة آلة البطش، وإجرام الشبيحة إلى العسكرة في حمص، وفي بابا عمرو تحديدًا، كانت نقطة التحول الأليمة.
- أيقن السوريون حينها أنه لا مفر من اللجوء إلى السلاح للدفاع عن النفس والعرض، وأن ما تشهده البلاد ثورة سلمية نقية ضد القهر والاستبداد وكانوا يدركون أن الطريق لن تكون سهلة، وأن التضحيات ستكون جمة. - خرج الحاكم المستبد بشار الأسد في بداية الثورة زاعمًا أنها حرب طائفية مستهدفًا إشعال الحرب بين الشعب ومحاولًا عسكرة الثورة السلمية ليسهل القضاء عليها مبكرًا. - بثينة شعبان خرجت تخاطب المجتمع الدولي لتبرر جرائم النظام والشبيحة أمام الكاميرات لتروج لرواية الطائفية، رغم أن الثورة وقتها -وحتى بعد العسكرة- لم يظهر في مسيراتها السلمية ما يوحي بالطائفية.
- بعد ذلك عزف النظام وآلته الإعلامية الكاذبة على وتر الطائفية والحرب الأهلية والإرهاب، وأن المستهدف نظام الممانعة، ونظر الأسد إلى الثورة بوصفها عدوًا يجب سحقه بأي ثمن، ودعمه حلفائه فى إيران وروسيا والصين. - ارتبك المجتمع الدولي في تعامله مع الثورة وأظهرت واشنطن وحلفاؤها تعاطفًا حذرًا معها، لا سيما أنهم نظروا إليها في سياق (الربيع العربي) الذي أصاب دوائر صنع القرار الغربي بالصدمة، لم يصدق الغرب الدعاية الأسدية وسخر منها، لكنه في الوقت نفسه لم يفعل شيئًا لحماية الشعب السوري الأعزل من وحشية شبيحة الأسد شذاذ الآفاق.
- الجامعة العربية والأمم المتحدة عندما شرعتا في التوسط وتم إرسال المندوب تلو الآخر، اتضح أن المجتمع الدولي بدأ يتبنى رواية الحرب الأهلية، ويتعامل مع الأزمة من منظورها، لأنها تريحه وتخفف العبء عن كاهله. - تكرر توصيف الثورة على أنها حرب أهلية في الصحافة الغربية، وأشار إليه مرارًا كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، لأنهما يعرفان أن هذا ما يريده المجتمع الدولي بموازينه المختلة ويريد أن يسمعه.
وهكذا تم التضليل عبر وسائل الإعلام وأضفى على الشرعية على رواية الحرب الأهلية والطائفية بعض شيوخ النظام وحلفائه في روسيا وإيران، وهكذا تساوى الجلاد والضحية، وأصبحت عندهم رواية الحرب الأهلية والطائفية في سوريا هي الأصدق، ليستمر نزيف الدم السوري على المذبح الأسدي بسكين الطائفية، وبصمت مخزي من المجتمع الدولي ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
محمود المنير
المشهد العام في سوريا لم يعد قاصرًا على شعب يعشق الحرية، ثار على حاكمه المستبد، والأطراف المتدخلة واللاعبة في المشهد كثيرة، والأحلاف غير المعلنة أكثر مما يبدو للمتابعين والمحللين، والمعركة لم تعد بسيطة تعبر عن ثورة داخلية لإزاحة طاغوت عائلة الأسد، التي قتلت شعبها مرتين مرة في الثمانينيات، ومرة أخرى منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011 وحتى الآن، وما بين المجزرتين ثلاثين عامًا شهدت صنوفًا شتى من القهر والظلم والفساد والاستبداد، وبحورًا من الدماء وعشرات الآلاف من الأرامل واليتامى والشهداء، وجرائم يأبى المداد أن يخط فظائعها رغم أن أحداثها تستعصي على النسيان! المشهد العام في سوريا دخل عليه مال قذر يضخه بعض المسوؤلين في الدول المجاورة لإدارة حرب بالوكالة؛ لتغليب طرف على الآخر، خوفًا من صعود الإسلاميين خاصة الإخوان المسلمين كما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، وهناك في سوريا صراع أكبر وأعمق بين مشاريع ثلاثة؛ بين المشروع السني، والمشروع الشيعي، والمشروع الصهيو أمريكي، وفي سوريا روايتان للصراع.. إحداهما، وهي السائدة: أن ثورة شعبية ولدت من رحم الشعب، وانطلقت في طول البلاد وعرضها ضد نظام قمعي تغول على شعبه، وارتكب جرائم لم يعرف التاريخ لها مثيلا إلا في محاكم التفتيش في القرون الوسطى. والثانية: أن (حربًا أهلية) مدفوعة بالطائفية يحتدم أوارها، وستأتي على الأخضر واليابس في سوريا. الرواية الأولى: هي الأصدق والأدق بالطبع؛ تحكي عن ثورة شعب يتوق للحرية بذل الغالي والنفيس، وضحى بكل شيء من أجل حريته.. والثانية: تصب في حماية نظام فاسد يشكل امتدادًا حقيقيًا لمشروع صفوي توسعي يقف خلفه حزب الله في لبنان ومن ورائه إيران. المجتمع الدولي للأسف الشديد لم يتدخل حتى الآن لوقف نزيف الدم، والتعاطف وحده لا يكفي ولا تجدي مع نزيف الدماء واستباحة الأعراض وتدمير المقدسات والإبادة الجماعية والتهديد بالحرب الكيماوية لغة البيانات والتصريحات ومؤتمرات الشجب والندب بالكلام! عندما تكون ثورة، فإن الشعب يستحق الانحياز إليه وليس التعاطف فقط من أجل تلبية أشواقه في الحرية والتغيير، وهذا يعني أن (المجتمع الدولي) مطالب بتدخل سريع لوقف نزيف الدم السوري، وردع المجرم المعتدي وشبيحته، فليس من المعقول ولا المقبول في الأعراف والمواثيق الدولية أن يستوي الجلاد والضحية، ويُعاملان تقريبًا على قدم المساواة. ولم يعد مقبولًا إعادة وصف ما يحدث في سوريا من حرب إبادة للشعب كما حدث إبان عدوان الصرب في البوسنة مطلع التسعينيات، حيث وصف الغرب ما يحدث على لسان وزير الخارجية البريطاني آنذاك، دوغلَس هيرد، بأنه: "لا توجد أيدٍ نظيفة في هذه الحرب"، ليبرر وقوفه على الحياد، وتكرر الخطاب عينه في دوائر صنع القرار بالأمم المتحدة ليقولوا لنا: "أن التدخل في حرب أهلية لا يُعرف فيها من يقتل من ليس هو الحل الأمثل أو المناسب"! المشهد في سوريا ليس هكذا، بل هو ثورة حقيقة، وليس احتراب طائفي داخلي، وليس حرب عصابات إهاربية ضد نظام الممانعة في المنطقة كما يحاولون أن يصدروا المشهد عبر وسائل الإعلام، الثورة هي التوصيف الموضوعي والحقيقى لما يجري في سوريا منذ منتصف شهر آذار (مارس) 2011، الثورة السورية لم تتحول من السلمية إلى العسكرية بين عشية وضحاها، بل مرت بمراحل سيأتي يوم وسيجلها التاريخ بمداد الإنصاف والشرف، وملامحها كانت كما يلي: - من درعا انطلقت شرارة الثورة عندما هبّ شباب كالورود معلنين رفضهم لاستبداد آل الأسد، الذين جثموا عقودًا طويلة على صدور السوريين. - بعد ستة أشهر من التظاهرات السلمية تحولت الثورة، مرغمة تحت وطأة آلة البطش، وإجرام الشبيحة إلى العسكرة في حمص، وفي بابا عمرو تحديدًا، كانت نقطة التحول الأليمة. - أيقن السوريون حينها أنه لا مفر من اللجوء إلى السلاح للدفاع عن النفس والعرض، وأن ما تشهده البلاد ثورة سلمية نقية ضد القهر والاستبداد وكانوا يدركون أن الطريق لن تكون سهلة، وأن التضحيات ستكون جمة. - خرج الحاكم المستبد بشار الأسد في بداية الثورة زاعمًا أنها حرب طائفية مستهدفًا إشعال الحرب بين الشعب ومحاولًا عسكرة الثورة السلمية ليسهل القضاء عليها مبكرًا. - بثينة شعبان خرجت تخاطب المجتمع الدولي لتبرر جرائم النظام والشبيحة أمام الكاميرات لتروج لرواية الطائفية، رغم أن الثورة وقتها -وحتى بعد العسكرة- لم يظهر في مسيراتها السلمية ما يوحي بالطائفية. - بعد ذلك عزف النظام وآلته الإعلامية الكاذبة على وتر الطائفية والحرب الأهلية والإرهاب، وأن المستهدف نظام الممانعة، ونظر الأسد إلى الثورة بوصفها عدوًا يجب سحقه بأي ثمن، ودعمه حلفائه فى إيران وروسيا والصين. - ارتبك المجتمع الدولي في تعامله مع الثورة وأظهرت واشنطن وحلفاؤها تعاطفًا حذرًا معها، لا سيما أنهم نظروا إليها في سياق (الربيع العربي) الذي أصاب دوائر صنع القرار الغربي بالصدمة، لم يصدق الغرب الدعاية الأسدية وسخر منها، لكنه في الوقت نفسه لم يفعل شيئًا لحماية الشعب السوري الأعزل من وحشية شبيحة الأسد شذاذ الآفاق. - الجامعة العربية والأمم المتحدة عندما شرعتا في التوسط وتم إرسال المندوب تلو الآخر، اتضح أن المجتمع الدولي بدأ يتبنى رواية الحرب الأهلية، ويتعامل مع الأزمة من منظورها، لأنها تريحه وتخفف العبء عن كاهله. - تكرر توصيف الثورة على أنها حرب أهلية في الصحافة الغربية، وأشار إليه مرارًا كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، لأنهما يعرفان أن هذا ما يريده المجتمع الدولي بموازينه المختلة ويريد أن يسمعه. وهكذا تم التضليل عبر وسائل الإعلام وأضفى على الشرعية على رواية الحرب الأهلية والطائفية بعض شيوخ النظام وحلفائه في روسيا وإيران، وهكذا تساوى الجلاد والضحية، وأصبحت عندهم رواية الحرب الأهلية والطائفية في سوريا هي الأصدق، ليستمر نزيف الدم السوري على المذبح الأسدي بسكين الطائفية، وبصمت مخزي من المجتمع الدولي ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. محمود المنير