إنّنا لا نبعد في القول إذا قلنا: إنّ التربية هي التحدّي الأكبر الذي يواجه أمّتنا في هذا الزمن، إذ تستبق الأمم القويّة إلى فرض سيطرتها، وبسط هيمنتها، وإحكام قبضتها على من استطاعت من أمم الأرض بأدوات كثيرة، وأساليب شتّى، ومن أهمّها محاولة تفكيك القيم، التي تقوم عليها حياة الأمّة، وتنتظم شئونها، وتؤلّف بين قلوب أبنائها، وترسم صورة هويّتها، وتورّث القيم والمبادئ من الآباء إلى الأبناء، فإذا تحقّق للأمم القويّة ما تريد ذابت الأمم المستضعفة واضمحلّت، وامّحت حضارتها وتلاشت.
وإذا كان بعض الذين يحملون همّ الدعوة ، ويعنون بشئونها يقلّلون من شأن التربية، أو لا يولونها من الناحية العمليّة حقّها، فإلى هؤلاء نقول: التربية أوّلًا.. ثمّ التربية أوّلًا.. لاعتبارات عديدة، لعلّ أهمّها:
1- أنّ الدعوة والتربية في نظرنا وفهمنا خطّان متكاملان مبدءًا وغايةً، وسيلة وهدفًا، إنّهما أوثق اتّصالًا من أن يقال عنهما: إنّهما وجهان لعملة واحدة، ولكنّ التربية هي التأصيل العمليّ لمفاهيم الدعوة، والتحقّق بمبادئها، وبدون ذلك تكون الدعوة فكرة مجرّدة، لا تجد لها موقع قدم في الحياة.
2- ولأنَّ التربيةَ أصبحت همًّا عامًّا، لا يُستثنى منه أحد في المجتمع بحكّامه ومَحكوميه، ورجاله ونسائه، وكباره وصغاره، ومَن يحملون الدعوة وهمومها، أو من يولّون وجوههم شطر مناهج أخرى، متغرّبة عن هوّيّة الأمّة وأصالتها.
وواقع الصراع الفكريّ يشهد أنّ كلّ ذي فكرٍ واتّجاه، يريد للأمّة أن تحذو حذوه، وتنحُوَ نحوه، ولا بدّ لدعاة الإسلام أن يكون لهم في هذا الميدان حضورهم وتأثيرهم، ومبادرتهم وسبقهم.
وعلى ذلك؛ فإنّ التربية الإسلاميّة بمبادئها وأهدافها يمكن أن تكون مدخلًا ممهّدًا للدعوة، يرسّخ أصولها، ويُقيم قواعدها.
3- ولأنّ فينا قصورًا وتقصيرًا؛ نريد أن نتداركه، في ساحة الفكر الإسلاميّ، والفكر الدعويّ على وجه الخصوص، في الاهتمام بالتربية: تأصيلًا وتمحيصًا، وتبويبًا وتصنيفًا، ونقدًا وتقويمًا، ورصدًا لما يملأ ساحة الفكر العالميّ، ويجدُّ عليها.
وقد انتهز هذا الفراغ من لا منهج له، ولا رؤية شَرعيّة تحكمه، ليلبّي الطلب الشديد على الاختصاص في التربية، والحاجة إلى كتبها، فملأ المراكز العلميّة بالمختصّين بالتربية، ولكن بفكر الغرب، ومناهج الغرب، وأغرق السوق بالكتب المترجمة عن الغرب، بلا تقويم ولا تمحيص، ووضع الآباء والمربّين أمام خليط من الفكر التربويّ، الذي لا يخلو من خير، ولكنّ فيه من الاضطراب والتعارض مع مبادئ ديننا وآدابه ما ينذر بأسوأ العواقب على أطفالنا، ومستقبل مجْتمعاتنا.
4- ولأنّ التربية هي البرنامج العمليّ لفكر الدعوة وتوجّهاتها وأهدافهَا، وما لم تتوجّه الدعوة أيّ دعوة إلى بناء الأمّة وتربيتها وِفق الفكر الذي تؤمن به، وتدعو إليه، فإنّ عملها لا يتعدّى الكلام النظريّ، الذي لا يقيم له الواقع أيّ وزنٍ أو اعتبار.
5- ولأنّ الإسلامَ دين علم وعمل، ولا ثمرة للعلم إن تجرّد عن العمل وفارقه، وإذا كانت الدعوة أوثقَ اتّصالًا بالعلم، فإنّ التربية أوثقُ اتّصالًا بالعمل، ولا أظنّ أحدًا يماري أن تفريط أمّتنا بالعمل وتقصيرَها فيه، أضعافٌ مضاعفة عن تفريطها بالعلم، وتخلّفها فيه على كلّ مستوىً، كما أنّ تكاليف العمل وأعباءه أشقّ من تكاليفِ العلم ِ ومعاناته. فكان لا بدّ من تعميق الجهود لتوضيح معالم خطط العمل، ورسم أبعاده ومجالاته.
وأحسبُ أنّ في هذه النقاط الوجيزة غُنيةً وبلاغًا عنِ استقصاء مسهب، وفي الإحساس العميق قبل ذلك داخل كلٌّ مِنَّا بضرورة التربية ما يجعل هذه النقاط وأمثالها من نافلة القول، ولكنّها تبقى عند من لا يعيشون الضرورة ضرورة من ضروراته.
عبد المجيد البيانوني
إنّنا لا نبعد في القول إذا قلنا: إنّ التربية هي التحدّي الأكبر الذي يواجه أمّتنا في هذا الزمن، إذ تستبق الأمم القويّة إلى فرض سيطرتها، وبسط هيمنتها، وإحكام قبضتها على من استطاعت من أمم الأرض بأدوات كثيرة، وأساليب شتّى، ومن أهمّها محاولة تفكيك القيم، التي تقوم عليها حياة الأمّة، وتنتظم شئونها، وتؤلّف بين قلوب أبنائها، وترسم صورة هويّتها، وتورّث القيم والمبادئ من الآباء إلى الأبناء، فإذا تحقّق للأمم القويّة ما تريد ذابت الأمم المستضعفة واضمحلّت، وامّحت حضارتها وتلاشت.
وإذا كان بعض الذين يحملون همّ الدعوة ، ويعنون بشئونها يقلّلون من شأن التربية، أو لا يولونها من الناحية العمليّة حقّها، فإلى هؤلاء نقول: التربية أوّلًا.. ثمّ التربية أوّلًا.. لاعتبارات عديدة، لعلّ أهمّها:
1- أنّ الدعوة والتربية في نظرنا وفهمنا خطّان متكاملان مبدءًا وغايةً، وسيلة وهدفًا، إنّهما أوثق اتّصالًا من أن يقال عنهما: إنّهما وجهان لعملة واحدة، ولكنّ التربية هي التأصيل العمليّ لمفاهيم الدعوة، والتحقّق بمبادئها، وبدون ذلك تكون الدعوة فكرة مجرّدة، لا تجد لها موقع قدم في الحياة.
2- ولأنَّ التربيةَ أصبحت همًّا عامًّا، لا يُستثنى منه أحد في المجتمع بحكّامه ومَحكوميه، ورجاله ونسائه، وكباره وصغاره، ومَن يحملون الدعوة وهمومها، أو من يولّون وجوههم شطر مناهج أخرى، متغرّبة عن هوّيّة الأمّة وأصالتها.
وواقع الصراع الفكريّ يشهد أنّ كلّ ذي فكرٍ واتّجاه، يريد للأمّة أن تحذو حذوه، وتنحُوَ نحوه، ولا بدّ لدعاة الإسلام أن يكون لهم في هذا الميدان حضورهم وتأثيرهم، ومبادرتهم وسبقهم.
وعلى ذلك؛ فإنّ التربية الإسلاميّة بمبادئها وأهدافها يمكن أن تكون مدخلًا ممهّدًا للدعوة، يرسّخ أصولها، ويُقيم قواعدها.
3- ولأنّ فينا قصورًا وتقصيرًا؛ نريد أن نتداركه، في ساحة الفكر الإسلاميّ، والفكر الدعويّ على وجه الخصوص، في الاهتمام بالتربية: تأصيلًا وتمحيصًا، وتبويبًا وتصنيفًا، ونقدًا وتقويمًا، ورصدًا لما يملأ ساحة الفكر العالميّ، ويجدُّ عليها.
وقد انتهز هذا الفراغ من لا منهج له، ولا رؤية شَرعيّة تحكمه، ليلبّي الطلب الشديد على الاختصاص في التربية، والحاجة إلى كتبها، فملأ المراكز العلميّة بالمختصّين بالتربية، ولكن بفكر الغرب، ومناهج الغرب، وأغرق السوق بالكتب المترجمة عن الغرب، بلا تقويم ولا تمحيص، ووضع الآباء والمربّين أمام خليط من الفكر التربويّ، الذي لا يخلو من خير، ولكنّ فيه من الاضطراب والتعارض مع مبادئ ديننا وآدابه ما ينذر بأسوأ العواقب على أطفالنا، ومستقبل مجْتمعاتنا.
4- ولأنّ التربية هي البرنامج العمليّ لفكر الدعوة وتوجّهاتها وأهدافهَا، وما لم تتوجّه الدعوة أيّ دعوة إلى بناء الأمّة وتربيتها وِفق الفكر الذي تؤمن به، وتدعو إليه، فإنّ عملها لا يتعدّى الكلام النظريّ، الذي لا يقيم له الواقع أيّ وزنٍ أو اعتبار.
5- ولأنّ الإسلامَ دين علم وعمل، ولا ثمرة للعلم إن تجرّد عن العمل وفارقه، وإذا كانت الدعوة أوثقَ اتّصالًا بالعلم، فإنّ التربية أوثقُ اتّصالًا بالعمل، ولا أظنّ أحدًا يماري أن تفريط أمّتنا بالعمل وتقصيرَها فيه، أضعافٌ مضاعفة عن تفريطها بالعلم، وتخلّفها فيه على كلّ مستوىً، كما أنّ تكاليف العمل وأعباءه أشقّ من تكاليفِ العلم ِ ومعاناته. فكان لا بدّ من تعميق الجهود لتوضيح معالم خطط العمل، ورسم أبعاده ومجالاته.
وأحسبُ أنّ في هذه النقاط الوجيزة غُنيةً وبلاغًا عنِ استقصاء مسهب، وفي الإحساس العميق قبل ذلك داخل كلٌّ مِنَّا بضرورة التربية ما يجعل هذه النقاط وأمثالها من نافلة القول، ولكنّها تبقى عند من لا يعيشون الضرورة ضرورة من ضروراته.
عبد المجيد البيانوني