أرشيف المقالات

ليبيا: فرنسا والغرب ومعركتهم اليائسة لتنصيب حكومة موالية - عامر عبد المنعم

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
  دخول الثوار الليبيين بيت العزيزية والسيطرة على كامل طرابلس وإنهاء حكم العقيد القذافي ليس هو نهاية الحرب في ليبيا؛ بل هناك معركة جديدة أكثر تعقيدًا تقودها قوى أخرى متربصة لن تقل ضراوة عن المعارك مع كتائب القذافي؛ إنها معركة فرنسا ودول الغرب للهيمنة على عملية تشكيل النظام السياسي الجديد والعمل على إيجاد نظام حكم موالٍ يخدم المصالح الغربية.

وعلى الرغم المحاولات المستميتة من فرنسا وأمريكا وبريطانيا للعب دور محوري في صناعة القرار داخل المجلس الانتقالي فإن الأوضاع على الأرض تشير إلى أن السعي الغربي لن يحقق أهدافه كما يرجو؛ فالقادة العسكريون في بنغازي وطرابلس شخصيات إسلامية معروفة يصعب احتواؤها، والشعب الليبي شعب مسلم يرفض التبعية، ولم يخرج في ثورته ليستبدل نظام القذافي بنظام عميل تابع لفرنسا والغرب.

فرنسا لا تملك وحدها الأوراق التي تؤهلها للتحكم في الشأن الليبي ولا الولايات المتحدة ولا بريطانيا (منفردين أو مجتمعين) ولذلك عقدت فرنسا فور دخول الثوار طرابلس والسيطرة عليها مؤتمراً دولياً في قصر الإليزيه بباريس باسم (أصدقاء أمريكا) حضره قيادات من 60 دولة، كان الهدف منه تدويل الشأن الليبي والحصول على مشروعية دولية لإدارة الشأن الليبي وفرض هذا التدخل على المجلس الانتقالي.

أبرز محاور التحرك الغربي للسيطرة على ليبيا، التي كشف عنها مؤتمر فرنسا، ما يلي:

1- محاولة إغواء المجلس الانتقالي لتنفيذ الأجندة الغربية بالمال والإعلان عن الاستعداد لفك تجميد 15 مليار دولار من الأموال الليبية المجمدة.

2- استخدام الأمم المتحدة واجهةً للدول الغربية في إدارة الشأن الليبي، وإرسال بعثة مفوضة من مجلس الأمن للبقاء في ليبيا بزعم إصلاح نظام الشرطة والقضاء، والإشراف على عملية الانتخابات، وأن تقوم بعثة الأمم المتحدة بممارسة الحكم فعليًا من خلال الإشراف على أوجه الإنفاق من الأموال الليبية التي سيتم رفع التجميد عنها؛ حيث سيشرفون على صرف رواتب الموظفين في الدولة والعاملين في الشرطة وكل المؤسسات القائمة.

3- السيطرة على المجلس الانتقالي من خلال توسيعه بضم عناصر جديدة وتلميع بعضهم القريب من الغرب وتجاهل العناصر التي تشكل عوائق أمام المشروع الغربي.

4- التحريض ضد الإسلاميين والمطالبة باستبعادهم من المناصب القيادية، وربط فك تجميد الأموال بتحقيق تقدم في استبعاد الشخصيات المغضوب عليها من الغرب.

5- إغواء دول العالم بالمنافع الاقتصادية، بالمشاركة في عمليات الإعمار واقتسام النفط الليبي، وضمان عدم معارضة هذه الدول للتخطيط الفرنسي البريطاني الأمريكي.

في المقابل فإن الوضع على الأرض يغلق الطرق أمام الطموحات الغربية، ولم يعد أمام الدول الغربية بدائل أخرى للتعامل مع تطورات الوضع الليبي والتحكم فيه.

ويمكن تلخيص العقبات التي تواجه التخطيط الغربي في الآتي:

1- العناصر الموالية للغرب في المجلس الانتقالي ليست أغلبية، وحتى بعد توسيع المجلس فإنه لن يستطيع أن يتخذ قرارات صادمة للشعب الليبي الرافض للهيمنة الغربية.

2- الذين قادوا العمل العسكري وأجهزوا على نظام القذافي ينتمون للحركة الإسلامية فالقائد العسكري للثوار في بنغازي إسماعيل الصلابي الإسلامي البارز وهو الذي حرر شرق ليبيا، وقائد المجلس العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة، وهو الذي أنهى حكم القذافي وحرر العاصمة.

كذلك فإن قادة مجموعات الثوار في غرب ليبيا من الإسلاميين غير المعروفين إعلاميًا.
وهؤلاء القادة وجنودهم يصعب احتواؤهم في مشروع معادٍ للأمة؛ بل إن عبد الحكيم بلحاج له خصومة مباشرة مع المخابرات الأمريكية التي اعتقلته في تايلاند وقامت بتعذيبه ثم سلمته للقذافي الذي سجنه وعذبه.

3- ليس للغرب طابور خامس له أهمية في ليبيا يعتمد عليه؛ فالقذافي كان هو خادم الغرب؛ خاصة بعد استسلامه عقب إعدام صدام حسين وتسليم برنامجه النووي لأمريكا، ومع زواله ونظامه خسر الغرب أهم أعوانه.

4- البيئة الليبية التي تغلب عليها القبلية أكبر ضامن ضد التغريب؛ فهذه البيئة التي تغلب عليها الفطرة تستعصي على المغرِّبين.

5- بعض العناصر المنفصلة عن دينها من الليبيين التي يراهن عليها الغرب الذين عاشوا وتعلموا في الغرب ليس لديهم تأييد محلي يمكِّنهم من لعب دور مؤثر في المرحلة القادمة.

6- ليس من مصلحة الغرب أن تطول فترة عدم الاستقرار حتى وإن خسروا ليبيا؛ فهناك مخاوف غربية من اتساع دائرة القلاقل في الدول المجاورة بسبب السلاح الليبي الذي قد يتسبب في تغييرات إستراتيجية كبيرة في المنطقة المحيطة خاصة في منطقة الصحراء.

7- الغرب لن يستطيع فرض سياسته بالقوة طالما أنه لا يملك قوات برية على الأرض الليبية، وواضح أن أمريكا تابت وأنابت بعد انكسار جيوشها في العراق وأفغانستان كما أن حلف الناتو لم يعد مُستعدًا للتضحية بأبناء الأوروبيين مرة أخرى في أراضي المسلمين.
كما أن فرنسا التي تراودها أحلام الزعامة الغربية ليس لديها الموارد الاقتصادية والإمكانات العسكرية التي تساند هذه الأوهام.

إن إسقاط نظام القذافي ليس نهاية المعركة في ليبيا؛ فالمعركة من أجل الاستقلال تحتاج إلى وقت، ومعركة ليبيا ليست منفصلة عن تطورات الأوضاع بالمنطقة؛ وإنما هي نموذج يجب أن ندرسه ونستفيد منه لنعلم حقيقة المكر المعادي لتنبيه الليبيين وباقي الشعوب الثائرة التي تبحث عن الخلاص.

إن الغرب بعد الصدمة التي أربكته في ثورة تونس ومصر أراد أن يستعيد زمام المبادرة في ثورات ليبيا واليمن وسوريا؛ ذلك ليضمن أن تستمر هذه البلاد في التبعية وتخضع الحكومات الجديدة للهيمنة.
وفرنسا ومن معها هم من أطالوا أمد الحرب بين الثوار وكتائب القذافي بحثًا عن العناصر التي تعينهم على تشكيل الحكم الذي يحافظ على مصالح الغرب، لكن الوقت لم يسعفهم وأجهز الثوار على المخطط المعادي باقتحام باب العزيزية؛ ولهذا لم يسمع مجاهدوا ليبيا للدعوات التي طالبتهم بتأخير اقتحام باب العزيزية، كما لم يسمعوا للدعوة التي صدرت أثناء مؤتمر باريس وطالبت الثوار في طرابلس بالعودة إلى مدنهم.

الثوار وحدَهم هم أصحاب القرار في ليبيا الآن، والثوار ومعهم الشعب سيبنون ليبيا الجديدة، وكل محاولات الغرب ستنتهي -بإذن الله- إلى لا شيء.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن