أرشيف المقالات

التقصير في الطاعات والتهاون في تضييع السنن

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2من أسباب الانتكاسة
التقصير في الطاعات والتهاون في تضييع السنن

لهذا السبب مظاهر: فتجده لا يهتم بباطنه فلا عبادة ولا خشوع ولا صدق مع الله ولا نوافل سر، بل استقامة ظاهرية شكلية فهو منتكس الباطن ولا يشعر، يفرط في السنن الراتبة، وربما يتأخر عن صلاة الجماعة، وتمر به الفترات ولم يقم من الليل ولم يخشع في الصلاة ولم يختم القرآن، وهكذا استمرارُ في التراجعات، ثم يستمر في دحرجة التنازلات؛ من ترك الإنكار على ما يسمعه ويراه من منكرات، إلى المشاركة في مشاهدة الحرام أو تعاطيه، إلى إدمان الملاهي والمعاصي والوحشة من فراقها..
ثم إلى الانتكاسة والعياذ بالله، يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد/128 "تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب و الجوارح سببَ الهداية و الإضلال، فيقوم بالقلب و الجوارح أعمالٌ تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه، والمؤثر لأثره، وكذلك الضلال"، إذا أخي في الله هي سلسلة من المترابطات آخذٌ بعضها برقاب بعض!
 
يقول أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري (شذرات الذهب 1/330): لم يُضع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل أحد بتضييع السنن إلا أوشك أن يبلى بالبدع، وقال حسان بن عطية رحمه الله تعالى: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة.
رواه اللالكائي 129 والدارمي98 بسند صحيح.
 
إن من آثار الانتكاسة بل من أشهرها: البدعة بعد السنة، والجهل بعد العلم، والحيرة بعد اليقين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، فقلت: ما شأنهم؟ فقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة أخرى حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلا مثلُ همل ِالنعم" رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة عند مسلم: " فلأقولن أي رب أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم"، أيها الإخوة احذروا التراجعات!!
 
سبيل النجاة:
جاء من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قومٌ يجتهدون في العبادة اجتهادًا شديدًا؛ فقال:" تلك ضرورة الإسلام وشرته، ولكل عملٍ شرة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعمَ ما هو، ومن كانت إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون" رواه الطبراني.
 
يقول شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله:" فتخلل الفترات للسالكين أمرٌ لازم لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه عن فرض ٍ، ولم تدخله في محرم ٍ، رُجي له أن يعود خيرًا مما كان، مع أن العبادة المحببة إلى الله سبحانه هي ما داوم العبد عليها"، مدارج السالكين 3/126.
فلتعلم أيها الفاضل: أن أول خطوة في الانتكاسة هي ما بعد الفتور، لذا دائمًا اجتهد في استحضار حديث عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" رواه الحاكم 1/45 وانظر السلسلة الصحيحة 1585، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: " القلوب أربعة: قلب أجرد كأنما فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل شجرة يسقيها ماء طيب، ومثل النفاق فيه كمثل قرحة يمدها قيح ودم فأيهما غلب عليه غلبه" وجاء عن معاذ رضي الله عنه أنه قال:" اجلسوا بنا نؤمن ساعة، يعني نذكر الله تعالى" وعن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: "امشوا بنا نزدد إيماناً"[1]، يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين 2/ 423 في فضل الذكر: وهي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون وفيها يتجرون وإليها دائما يترددون والذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب، إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتكس وراجع الوابل الصيب/99.
 
ومن أخبار الثابتين في مثل هذه الحوادث:
ما رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلا من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف في زمان التمر، والنخل قد ذللت قطوفه بثمرها فنظر فأعجبه ما رأى من ثمرها ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى؟ فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يومئذ خليفة فذكر له ذلك، وقال: إنه صدقة فاجعله في سبل الخير، فباعه عثمان رحمه الله بخمسين ألفاً، فسمي ذلك المال: الخمسون.
راجع معجم ما استعجم 3 /1087.
 
فلو أنك عرفت من أين تؤتى، لم يأخذك الشيطان على غرة!



[1] و راجع هذه الأثار وغيرها في الإيمان لابن أبي شيبة 104- 107.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢