أرشيف المقالات

إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
إن الله فرض فرائض فلا تُضيِّعوها


تخيَّل معي..
عامل بأحد المصانع الكبرى، يعمل ثمانَ ساعاتٍ يوميًّا، هذا هو وقت عمله الأساسي (الواجب عليه)..
تخيل لو وقع منه تقصير ذات مرة في عمله..
الطبيعي أن يوقع عليه صاحب العمل (الجزاء)، فيخصم له من راتبه..
ولكي يعوض هذا العاملُ ذلك الخصم، فعليه أن يجتهد ويتحامل على نفسه ويعمل وقتًا وعملًا إضافيًّا (Over Time)..
لا يُتصوَّرُ في دنيا البشر أن يقول له صاحب العمل: (أدِّ عملك الواجب عليك يوميًّا فقط، ونحن سنعفو عنك ونتجاوز عن تقصيرك، دون عمل إضافي ووقت إضافي، ودون دفع غراماتٍ، ولا أي مقابل).
هذا لا يوجد ولا يُتصور، ولو حدث فإنه ليس مُطَّرِدًا، بل يحدث مجاملةً لقريبٍ أو حبيبٍ..
ولله عز وجل المَثل الأعلى..
فإن هذا لا يُتصور إلا منه جل جلاله، وهذا مِن عجيب رحمته سبحانه!
 
إن كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحُهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفِرُ لهم ما استغفروني))؛ رواه أحمد.
جعل الله أسبابًا كثيرة لمغفرة الذنوب، وهذا من رحمته سبحانه وكرمه، ومِن عجيب رحمته سبحانه أن جعل معظم هذه الفرص للمغفرة ضمن (الفرائض) التي فرضها علينا، والتي نأثَمُ ونستحق العقوبة لو ضيعناها! فيؤدي العبدُ الفرضَ الذي فرضه الله وأوجبه عليه، وفي نفس الوقت يجد الفرصة متاحة أمامه لتُمحَى ذنوبه كأن لم تكن..
 
فالله عز وجل غفورٌ شكور رحيم حليم تواب، يريد أن يتوب علينا ويغفر لنا؛ قال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].
لذلك فقد خفَّف عنا سبحانه، وجعل الكثير من فرص المغفرة وأسبابها مضمنة في الفرائض التي فرضها علينا؛ ولذلك كان أحب أعمالنا إليه أن نؤدي هذه الفرائض، فبذلك نكون قد امتثلنا أمره، وفي نفس الوقت قد تعرضنا لنفحاتِ رحمته ومغفرته؛ قال سبحانه في الحديث القدسي: ((وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضتُ عليه))؛ رواه البخاري.
وانظُرْ وتأمَّل في أمهات الفرائض التي فرضها الله علينا، وكيف أنها تكون سببًا لمغفرة الذنوب إذا حافظ العبد عليها ولم يضيعها..
انظر إلى الصلاة والزكاة، والصيام والحج..
 
ففي شأن الصلاة:
قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]؛ فحسنات الصلوات تُذهِب السيئات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفاراتٌ لما بينهن))؛ رواه مسلم.
أي: كفَّارات للذنوب والخطايا والسيئات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟))، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))؛ رواه مسلم.
والدَّرَن: الوسَخ.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل الصلوات الخمس كمَثَل نهرٍ جارٍ غمر، على باب أحدكم، يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ))؛ رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمٍ يتوضأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلَم ما يقول، إلا انفتل وهو كيومَ ولدَتْه أمه من الخطايا ليس عليه ذنبٌ))؛ رواه الحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الفجرَ غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظُّهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغربَ غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا))؛ رواه الطبراني.
فالذي يحافظ على الصلاة يَبيت ليلتَه مغفورَ الذنب بفضل الله.
 
وفي شأن الزكاة:
قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]؛ أي: تُطهِّرهم وتغسلهم من الذنوب والخطايا.
وقال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].
 
وفي شأن الصيام:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))؛ رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))؛ رواه مسلم.
 
وفي شأن الحج:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ، رجع كما ولدَتْه أمُّه))؛ رواه مسلم.
أي: ليس عليه ذَنْبٌ.
فهذه أمهات الفرائض التي فرضها الله علينا، ضمَّنها الله فُرَصًا لمغفرة الذنوب!
 
ثم إن للفرائض فوائدَ أخرى تعود على العبد، منها:
أنها تنافحُ عن العبد، وتُؤنِسه في قبره حين تأتيه ملائكة العذاب.
وقد جاء في الحديث الطويل الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الميت إذا وُضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يُولُّون عنه، فإن كان مؤمنًا، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعلُ الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رِجْليه، فيؤتى من قِبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبلي مدخلٌ، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبلي مدخلٌ، ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قِبلي مدخلٌ، ثم يؤتى من قِبل رِجليه، فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبلي مدخلٌ ...))؛ رواه ابن حبان.
 
فانظر كيف أن هذه الفرائض تنافح عن العبد وتؤنسه في قبره، وأول ما ينافح عنه: الصلاة، فإذا كان العبدُ مقصِّرًا ومضيِّعًا لهذه الفرائض، لم يحُلْ بينه وبين ملائكة العذاب شيء.
وقد أخبَر النبي صلى الله عليه وسلم عن أسماءِ أربعة أبواب من أبواب الجنة الثمانية مسماة بأسماء فرائض، يُدْعى أهلُ كل فريضة من بابها؛ فمَن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، أي: مَن كان الغالب عليه في طاعته وعمله الصلاة، بأن كان معظمًا وملازمًا لها، محافظًا عليها، مكثرًا من التطوُّع بالنافلة منها، يفعلها تلذُّذًا وتمتعًا لا تخلصًا، وكذلك الشأن في باقي الفرائض - يُدْعى من باب الصلاة، فتقول الملائكة: يا عبد الله، هذا خيرٌ؛ أي: تعالَ وادخل الجنة من هذا الباب؛ فهو خير لك من غيره من الأبواب؛ لكثرة ثوابه ونعيمه لك، فأنت من أهل هذا الباب، وإن كان من أهل فريضتينِ دُعِيَ من بابين، وإن كان من أهل ثلاثة دُعِيَ من ثلاثة أبواب، كلُّ باب تنادي عليه الملائكة منه يقولون: يا عبد الله، هذا خيرٌ!
 
تخيل معي هذا المشهد: أن عبدًا من عباد الله ينادى من أبواب الجنة الثمانية، كل منادٍ على باب من الأبواب يرجو أن يدخل هذا العبد من بابه، يا عبد الله، هذا خير، والباب الآخر يناديه مناديه: يا عبد الله، هذا خير، والباب الآخر، والآخر، وهذا العبد يختار الباب الذي يدخل منه الجنة!
إنه العبد الذي يحافظ على الفرائض، ويكون مِن أهل كل الفرائض.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أنفق زوجينِ في سبيل الله، نودي مِن أبواب الجنةِ: يا عبد الله، هذا خيرٌ، فمَن كان من أهل الصلاة دُعِيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعِيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعِيَ من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعِيَ من باب الصدقة))، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على مَن دُعِيَ من تلك الأبواب من ضرورة - أي: قد سعد ولم تنزل به ضراء مَن دُعِيَ من تلك الأبواب - فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم))؛ رواه البخاري ومسلم.
 
فمَن لم يكن من أهل الفرائض فبأي شيءٍ يُدْعى إلى دخول الجنة؟!
فهنيئًا لكم يا من تحافظون على فرائض ربكم ولا تضيعونها.
قد أفلح مَن حافظ على الفرائض ولم يقصِّرْ فيها.
جاء أعرابيٌّ يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن (فرائض الإسلام)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة))، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطَّوَّع))، قال صلى الله عليه وسلم: ((وصيام شهر رمضان))، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطَّوَّع))، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال الأعرابي: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطَّوَّع))، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بفرائض الإسلام، أدبر هذا الأعرابي وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا، ولا أنقص منه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلَح إن صدَق))؛ رواه البخاري ومسلم.
أي: أفلح إن صدَق ولم ينقص شيئًا مما فرضه اللهُ عليه.
لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ فرض فرائضَ فلا تُضيِّعوها))؛ رواه الدارقطني.
 
إن الله عز وجل غنيٌّ عنا، وعن عبادتنا، وعن أعمالنا التي نتقرب بها إليه، لا تنفعه طاعةُ الطائعين، ولا تضره معصيةُ العاصين؛ قال سبحانه في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا؛ فاستغفِروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخرَكم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا...
يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمَن وجد خيرًا، فليحمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومَنَّ إلا نفسه)
)
؛ رواه مسلم.
نحن المستفيدون من أعمالنا، نحن المحتاجون إلى التقرب إليه سبحانه بهذه القُربات.
نحن المحتاجون إلى المحافظة على الفرائض والواجبات؛ كي تُغفَر ذنوبُنا، وترفع درجاتنا، ونَسلَم مِن ملائكة العذاب في قبورنا، وندعى إلى دخول الجنة من أبوابها.
 
إن الصلاةَ هي الفريضة الوحيدة التي تلازمنا يوميًّا، كل المسلمين مكلَّفون بها، لا تسقط عن أحد من المسلمين، إلا عن المرأة الحائض أو النفساء والمجنون فقط، لا تسقط عن المريض، ولا حتى عن المقاتل المحارب المجاهد، رخَّص الله فيها لذوي الأعذار رُخَصًا تمكنهم من أدائها والمحافظة عليها وعدم تضييعها مهما كانت الظروف، كل هذا رحمةً منه سبحانه وتعالى لنا؛ حتى لا تفوتنا فرص المغفرة ونفحات الرحمة؛ لأنه سبحانه يريدُ أن يتوب علينا.
الصلاة: فريضة السماء، وخير الأعمال التي يُتقرَّب بها إلى الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة خيرُ موضوعٍ))؛ رواه أحمد.
• أي: خير ما وضَعه الله وشرعه لعباده من العبادات والقُربات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالكم الصلاةُ ..))؛ رواه أحمد.
أي: استقيموا على الطريق الحُسنى، ولا تزيغوا عما أُمرتم به، ولن تُطيقوا ولن تُحصوا الاستقامة حق الاستقامة؛ فلا بد للمخلوق مِن تقصير وملال، فإن لم تطيقوا ما أُمرتم به من الاستقامة، فحقٌّ عليكم أن تلزموا بعضها؛ فالزموا خير عمل أمركم الله به ولا تضيعوه، وهو الصلاة؛ فالصلاة جامعةٌ لكل عبادة؛ من قرآن، وذِكر، وإمساك عن كلام البشر، وإمساك عن المفطرات، وهي معراج المؤمن إلى الله، فالزَموها وأقيموها، ولا تضيعوها.
 
تأمَّلْ في قول الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وانظر إلى موضعِ هذه الآية من سورة البقرة.
لقد جاءَتْ هذه الآية في سورة البقرة وسَط آياتٍ لا علاقة لها بالصلاة!
جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن أحكام الأُسرة؛ الإيلاء، الخُلْع، الطلاق، الرَّضاع، عدة المتوفى عنها زوجها، الخِطبة، النكاح، المهر، النفقة...
في سياق الكلام عن مصائبَ وكوارثَ وطوارئَ تصيب البيوت وتداهم الحياة، يكون المصابُ بها في انشغال شديد، وهمٍّ عظيم، امرأة توفي زوجها، رجل طلق امرأته، امرأة طلقها زوجها، مصيبة!
 
في وسَط الكلام عن هذه المصائب والكوارث تأتي هذه الآية: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، كأنها رسالة إلينا؛ أنه مهما كانت الظروف، ومهما نزل من البلاء والمصائب، ومهما كان الانشغال شديدًا - حافظوا على الصلاة، لا تشغَلَنَّكم هذه النوازلُ عن الصلاة!
وليس المقامُ هنا للحديث عن الصلاة وفضلها على وجه التخصيص؛ فأصل الكلام عن الفرائض عمومًا، لكن لأن الصلاة أعظمُ هذه الفرائض، وخير الأعمال والعبادات، ولأنها تلازمنا يوميًّا، والجميع مكلَّفون بها، فلذلك خصَصْتُها في هذا المقال بمزيدِ عناية وإشارة وتوضيح، ولعلي أُفرد مقالًا لها إن شاء الله.
 
ولعلي أفرد مقالًا أيضًا عن النوافل وأهميتها وفوائدها للعبد، وكيف أن المحافظة على الفرائض تُسهِّل على العبد فعل النوافل، وكيف أننا محتاجون إليها؛ لجَبْرِ الخلل والتقصير الواقع منا في أداء الفروض، ومَن منا يخلو من تقصير وسهو وغفلة وملل ونسيان؟! لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ((أفلَح "إنْ" صدَق)).
تأمَّل: إنْ صدَق، إنْ!
 
أحِبَّتي، أداء الفرائض أساس القربات عند الله؛ فالصلوات الخمس في أوقاتها، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا - هذه الفرائض إذا خلَصت فيها النية لله تعالى لا يعدِلها عمل آخر يقرِّب من الله تعالى، أما النوافلُ فترفع من مكانة العبد عند ربه حتى يصطفيَه الله ويجعله من خاصة عباده الصالحين الذين يحبهم ويحبونه؛ قال سبحانه في الحديث القدسي: ((وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه))؛ رواه البخاري.
لذلك أنصَح إخواني الدعاة - وكلُّ أتباع النبي صلى الله عليه وسلم دعاةٌ؛ ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108] - أنصَح كلَّ داعية بأن يجعل أولَ أولوياته في الدعوة: أن يحافظ الناسُ على الفرائض، وألا يتجاوزَ الاهتمام بالفرائض إلى الاهتمام بالسُّنن والنوافل.
فالمحافظةُ على الفرائض رأس مال المؤمن، ومَن ضيَّع رأسَ ماله بارت تجارته!
 
قال محمد بن منازل: لم يضيِّعْ أحد فريضة إلا ابتلاه الله تعالى بتضييع السُّنن، ولم يُبْلَ أحد بتضييع السنن إلا أوشك أن يبتلى بالبدع، نسأل الله العفوَ والعافية!
اللهم إنا نسألك فِعل الخيرات، وترك المنكَرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا.
اللهم أعنَّا على ذِكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢