أرشيف المقالات

المثقف البرجوازي!!

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
1 يتأكل على مجد ابيه، ويعيش على محتِده الطاهر الشريف، فيلُم ويشجع ويتحكم ويدعم، ويبادر، ولكن ما إنْ يتحدث او يكشف عن مدى وعيه واطلاعه، إلا وتتجلى حقيقته المخفية للناس، وأنه لا يعدو (مجرد محب) ، او (مستثمر)، ما ينبغي له أن يتجاوز مقدار ذلك الحب،.
فيُزري من نفسه، او يُهين كرامتها ،.
والمستحسن له ان يبقى راعيا ومشجعا وداعما،.لأن اكثر البرجوازيين يرجعون الى أسر مرموقة تملك من الأموال والعقار ما لا يملك الآخرون ، (فنهضتهم التاريخية) ومجدهم المحمود هو في تبني تلك المشاهد الثقافية، ودعمها وتهيئة الأمناء والاكفاء لها،.
لا أن يزجوا بنفوسهم، وهم لم يتأهلوا، او يورطوا عقولهم، ولم يتطوروا،.
فذلك مضر بهم وبمكانتهم ،.ويدهشك أنك قد تجد من المحدودين من يتقمص تلكم الشخصية، وهو منها عَري، كما صح في الحديث ( عائل مستكبر ) من الثلاثة المنبوذين يوم المعاد .وسواء كانت تلك المشاركة دعوية او ثقافية او فكرية او إعلامية ،.
ما لم تتأهل، لا تتقدم وتستعجل،.وهذا الحبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، لم يركن لنسبه الشريف، بل انطلق جادا باحثا عن المعرفة والفقه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمره ثلاث عشرة سنة، محتملا المشاق حتى بلغه الله المبلغ، ورقى المعالي، حتى اجتمع الناس عليه، وقال جاره المثبط له أولا( هذا الفتى كان أعقل مني )، حتى اجتمع الناس عليه! والمفاد هنا أن عراقة النسب، لا تدفع خساسة الجهل( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )، ولذلك لا بد من جد وتعب،.والسبب انه لا اجتماع بين حياة العلم والرفاهية الطاغية، ولا التصاق بين الفكر و(عقدة الأنا) والاستكبار،.وإنما يتعلم وينبغ، من تعب وضحى، ولان وافتقر غالبا، كما قال الحبر والبحر عبد الله بن عباس رضي الله عنه في حكمة ذائعة له: ( ذللتُ طالبا فعززت مطلوبا).وقيل:لولا المشقة ساد الناس كلهمُالجود يفقر والإقدام قتالُلايدرك المجدَ الا سيد فطنٌلما يَشق على السادات فعالُ.و قد يوجد في المترفين عباقرة ومبدعون، ولكنهم قلائل بالنسبة لأوساط الناس وعوامهم،.إذ حياة العلم والفكر والصقل الثقافي تستلزم تضحيات وبسالة خارقة ، تدفع بالمزيد والنماء والتحصيل، ولا ترضى بالقليل، كما قيل :قل لمرجّي معالي الأمور ِ!.
بغير اجتهادٍ رجوتَ المحالا!.وقد قال العالم اللغوي النضر بن شُميل رحمه الله :( لا يصير الرجل عالما حتى يجوع وينسى جوعه )وقديماً التصق معنى الفقر وبؤس العيش بالأعلام الفقهاء حتى قال القائل :قلتُ للفقر أين انت مقيمٌقال في عمائم الفقهاءِإن بيني وبينهم لإخاءًوعزيز عليّ قطع الإخاءِ؟وما ذاك الا بسبب التضحية والمعاناة، والتباعد عن الملاذ، او حرمانها،.والأعجب في حال بعض البرجوازيين أنهم إضافة لما سبق، يمارسون الإقطاع الثقافي، كالإقطاع الأرستقراطي القديم ، فيمنحون من شاءوا ويمنعون من شاءوا، ويُحاكمون إظهارا وإخفاء، ورفعاً وخفضاً، ودعما ومحاصرة، وغالب ذلك يدور حول مصالح شخصية صِرفة،.يجعلون من هواهم الثقافي معبرا لهم لممارسة الكبت والاستبداد والسطحية، كيفما شاءوا، وفي الحقيقة هو تثقف مقصود، وتعلم منقوص، وإشعاع باهت، يعيش مرحلة ما قبل الثقافة، ويتماهى مع أدبيات البرجوازية ،.ولذلك أفضل الحلول لشق نسق ثقافي هنا هو امتثال الآتي :١- مد الفضاء الثقافي بلا قيود، وتذليل أفق الإبداع وفق الانضباط الشرعي والأخلاقي .٢- استقطاب جميع الطاقات الإبداعية، بلا تخصيص او محسوبية.٣- الاستثمار الثقافي بحُسن التبني والنشر والطباعة وتأسيس الأندية الفاعلة .٤- حل مشكلات الثقافة والتثقيف وممارسة الذكاء الاجتماعي المحمود، من خلال لجان موقرة، وورش عمل جادة.٥- الإشراف والرعاية ووضع الخطط والحوافز والجوائز التشجيعية، والتي من شانها بث رسالة الوعي والاهتمام ، وان الأمور ليست مرتجلة، بل تسير في سلك النظام المعتبر .٦- دعم المسحوقين من الفئات الثقافية، وإتاحة المجال أمامهم ، ليعبروا عن إبداعاتهم ومشاعرهم الصادقة، وعدم المحاباة لطبقة على حساب اخرى،.واعتقاد أن المساحة تتسع لجميع التوجهات، ما دامت سائرة بالانضباط الشرعي والأخلاقي.ومن الطريف أنه عند فقدان المعايير في التمكين الثقافي، ولعب دواعي اخرى غير سديدة، يحمل الناس على السخرية والتندر كما قال بعضهم:بالجاه تبلغُ ما تُريد وإن تُردرتبَ المعالي فليكن لك جاهُأو ما ترى الزين الدمشقي قد وليدرس الحديث وليس يدري ما هو؟.فيوضع المرء في غير تخصصه، ويمتطي ما لا يحسنه، ويزاحم وهو عديم، ويكافح وهو سليب، مما يعني حيازة الإفلاس وجني العجاج، ولذلك لا بد من حسن التأهيل ، او البقاء في الدور الاشرافي الراعي والداعم والمعين وفق خطة سديدة، والله الموفق،.


شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن