أرشيف المقالات

حتى تكون عبادتك مقبولة عند الله تعالى

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2حتى تكون عبادتك مقبولةً عند الله تعالى

ما الحكمة من خلق الإنسان والجان؟ هذا السؤال قديمًا كان لا يخلو منه درسٌ أو حلقة علمٍ، أو فصل مدرسة، ويتكرر باستمرار حتى تشرَّبت أذهانُ تلك الأجيال بالجواب العلمي والعملي الذي نصَّ عليه قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، إنها العبادة، نعم العبادة، أنت لم توجد على هذه البسيطة إلا لعبادة الله التي هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة[1].
 
إذا تقرَّر هذا، فمتى تكون العبادة مقبولة عند الله تعالى؟ إذ العملُ غير المقبول من الهباء المنثور، ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
 
إنها آيةٌ مخيفة حقًّا أن يعمل ويَجتهد ويكدح، ثم يكون عملُه هباءً منثورًا، أخوف منها قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية: 2 - 4]، فهي تعمَل بل تتعب وتنصب، وفي النهاية خسارةٌ، بل عقاب شديدٌ؛ لأنها افتقرت إلى شروط صحة العبادة.
 
يُشترط كما قرَّر أهل العلم لصحة العبادة شرطان أساسيان:
الأول: الإخلاص لله تعالى، وهو مقتضى لا إله إلا الله، فيعمَل العمل لا يعمله إلا لله وحده: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وجماع الدين "أصلان" ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرَع لا نعبده بالبدع؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]"[2] اهـ.
 
روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدَّجال، فقال: ألا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من الدجَّال؟ قلنا: بلى، فقال: الشِّرك الخفي أن يقوم الرجل يُصلي، فيُزين صلاته لما يُدرك من نظر رجل"[3].
 
الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله، فيحب أن يكون العمل موافقًا لما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ"[4]، ومعنى رد: أي مردود عليه غير مَقبول.
 
قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: "إنما الأعمال بالنيَّات" ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كلَّ عملٍ لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثوابٌ، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمرُ الله ورسوله، فهو مَردودٌ على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به اللهُ ورسوله، فليس من الدين في شيءٍ[5]؛ اهـ.
 
فانظُر يا رعاك إلى كل عبادةٍ تعملها هل تحقَّق هذان الشرطان فيها أم لا؟
فمتى ما تخلَّف الشرط الأول "شرط الإخلاص"، وقع المتعبد بالشرك أصغرَ كان أم أكبرَ على حسب مخالفته! ومتى ما تَخلَّف الشرط الثاني "شرط المتابعة"، وقَع المتعبد بالبدعة مُكفرة كانت أم مُفسِّقة على حسب مخالفته!



[1] التعريف لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ انظر: العبودية، ص44.


[2] مجموع الفتاوى، 10 /234.


[3] رواه ابن ماجه 2 /1406 برقم4204، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1 /509 برقم 2607.


[4] صحيح مسلم 3 /1343 برقم 1718.


[5] جامع العلوم والحكم 1 /176

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢