أرشيف المقالات

الخوف

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
للكاتب الفرنسي جان جاك روسو أحد زعماء الثورة الفرنسية للأديب محمود البكري محمد .

كنت في الريف ملقيا رحلي عند راهب بروتستانتي أسمه السيد (لامبير سيه)، واصطنعت من أبن عمي (برنار) صديقا لي.
.
ولكنه كان جبانا إلى حد يثير الدهشة، ولا سيما حين يجن الليل! وكنت أسخر من خوفه دائما حتى ضاق (لامبير سييه) ذرعا فأراد أن يضع شجاعتي تحت التجربة.
وفي ليلة داجية من ليالي الخريف دفع إلي بمفتاح المعبد.
.
ودعاني إلى أن أذهب إلى المنبر، لأبحث عن الإنجيل الذي كان قد تركه هناك.
وحتى يثير في حب الذات أضاف كلمات لم أستطع معها أن أتراجع.
وانطلقت بلا ضوء.
.
وربما كان شرا أن يكون معي.
.
وكان لزاما أن أمر بالمقبرة، فعبرتها في تسرع، لأني حين أجدني في الهواء الطلق تنطلق تهاويل الدياجي من مشاعري.
.
.
وعندما كنت أعالج فتح الباب سمعت أصداء تنبعث من القبة خيل إلي أنها أصوات.
.
وبدأ ثباتي (الروماني) يتزعزع وانفتح الباب، وهممت بالدخول، ولكني لم أكد أخطو بضع خطوات حتى توقفت، أخذت أتأمل الظلام المطبق في هذا المكان الفسيح.

ورأيتني مشدودا برعب قف منه شعري، فعدت أدراجي، وخرجت ألتف في خوفي.
وفي الردهة بصرت بكلب صغير كان يسمى (سيلتان).
لاطفني فرد إلى بعض الطمأنينة.
واستحيت من رعبي.
.
فعدت من جديد.
.
وتمنيت لو صحبني (سيلتان).
.
ولكنه أبى أن يتبعني! اجتزت الباب مسرعا.
.
ودخلت الكنيسة.
.
ولم أكد أدخل حتى ملأني الفزع، وطار صوابي! ومع أن المنبر كان على يميني وكنت أعرف ذلك حق المعرفة، فكنت أدور بلا وعي، وأبحث عنه كثيرا في الشمال، وأتخبط حائرا بين المقاعد، وما عدت أعرف أين أنا، وما عاد في مقدوري أن أعثر لا على المنبر ولا على الباب، ووقعت في قلق حائر لا يصفه تعبير! وفي النهاية لمحت الباب، فاندفعت إليه، ومرقت منه - كما دخلته - في سرعة، مصمما على ألا أدخله إلا في ضوء النهار.
ورجعت على عقبي إلى المنزل.
.
وهممت بالدخول، ولكن صوت السيد (لامبير سييه) رن في عاصفة من الضحك.
.
وحسبت أن هذه الضحكات مني، وخشية أن يفتضح أمري ترددت في فتح الباب.

وفي هذه اللحظة سمعت ابنة (لامبير سييه) تبدي قلقها علي.
.
وتأمر الخادمة أن تأخذ المصباح - بينما يعارض الراهب - وتصحب معها ابن عمي الشجاع، الذي لن يقصر أحد في تهنئته بهذا الشرف! وفي تلك اللحظة، تلاشت كل مخاوفي، إلا خوفي من أن أصبح مثار الدهشة من رعبي، فجريت وطرت إلى المعبد، لا خائفا ولا ضالا.
.
ووصلت إلى المنبر، وصعدته، وتناولت الإنجيل.
.
ثم هبطت في سرعة، وفي قفزات ثلاث كنت خارج المعبد الذي نسيت أن أقفل بابه، ودخلت مثواي لاهثا، ورميت بالإنجيل على المنضدة مكدودا، إلا أنني كنت مفعم القلب بالسرور لأنني سبقت النجدة التي كانت قد أعدت للبحث عني. محمود البكري محمد

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١