أرشيف المقالات

الباكستان

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
8 للأستاذ أبو الفتوح عطيفة دولة طاهرة نقية أنقذها الله من براثن الرجس والوثنية، أولى الدول الإسلامية إذ أنها أكثرها سكانا وأوسعها مساحة لعلها أكثرها رقيا وتقدما وخامسة دول العالم كله؛ فترتيبها من حيث تعداد السكان كما يلي: الصين، والهندستان، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الباكستان دولة الغد المأمول والأمل المشرق، ولدت فكان ميلادها أمنا وسلاما لإخواننا المسلمين من أبناء القارة الهندية.
دولة خلقت لتعيش وستعيش بإذن الله تلك هي دولة الباكستان، وقد كان من طبعي أن أبدأ الكتابة عنها تحقيقاً للرغبة الكريمة التي أبدتها الأديبة الفاضلة بهيجة المنشاوي والتي نشرت في العدد 976 من مجلة الرسالة الغراء حاملة لواء الفكرة الإسلامية وقد كان من جميل المصادفات أنني حين أردت الكتابة عن الباكستان تناولت كتابا من أحدث ما كتب عنها وكانت صيغة الإهداء فيه هي ما يلي: إلى الفتاة العربية التي ينتظر الغد منها أن تحمل التبعة في سبيل تنشئة جيل جديد قوي يتذكر مجد الماضي فيمحو عار الحاضر ويحسن بناء المستقبل فالمؤلف يهدي كتابه إلى الفتاة العربية وأنا اكتب تحقيقاً لرغبة الأديبة الفاضلة، وهدفنا جميعاً إقامة كتلة إسلامية قوية ينعم أبناؤها في ظلها بالكرامة والحرية، وتكون الميزان الدولي للسلام العالمي الموقع: الباكستان ثانية دولتين تقومان في شبه القارة الهندية التي تقع في جنوب آسيا وتطل على البحر العربي من الغرب وخليج البنغال من الشرق والمحيط الهندي من الجنوب، وفي شمالها تقع جبال الهمالايا والمرتفعات الوسطى بآسيا وفي غرب الباكستان تقع أفغانستان وإيران.
وتضم الباكستان الولايات الإسلامية من شبه القارة الهندية ولكنها لم تستطع أن تضم جميع مسلمي الهند إليها فما زال كثير منهم يقيم في أرض الهندستان.
وتبلغ مساحتها 360 مليون كيلو متر مربع وعدد سكانها حوالي مائة مليون نسمة وهي تنقسم إلى قسمين: الباكستان الشرقية وتتكون من إقليم البنغال الذي يتكون من المنطقة الواقعة عند مصب نهر الكنج والباكستان الغربية وتتكون من حوض السند وبلوخستان ويفصل بين القسمين مسافة لا تقل عن ألف ميل.
وهناك منطقتان ما يزال النزاع قائما بين الباكستان والهندستان عليهما: الأولى مقاطعة حيدر آباد ومساحتها حوالي 82 مليون كيلو مترا مربعا وعدد سكنها 16 مليون نسمة، والثانية مقاطعة جمو وكشمير وسنتحدث عن مشكلة المقاطعتين بالتفصيل فيما بعد قصة الباكستان وأحب قبل أن أتحدث عن الباكستان من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن احدث القراء عن قصة قيام الباكستان تلك الدولة التي نشأت منذ خمس سنوات فقط دخلت بلاد السند وبلوخستان في دائرة العالم الإسلامي منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان.
وفي أوائل القرن السابع عشر الميلادي كانت جميع بلاد الهند في يد المسلمين وكان يحكمها المغول ولكن منذ عصر النهضة الحديثة وعصر الاستكشاف بدأت تنتاب الشعوب الأوربية حمى الاستعمار وبدأت إنجلترا تنسج شباكها حول الهند فأنشأت معها علاقات تجارية، ثم كان من الطبيعي أن يقوم النزاع بين شركات التجارة وبين حكومة الهند وانتهى الأمر باستيلاء إنجلترا على الهند.
وفي 1763 طردت إنجلترا الفرنسيين من معظم المراكز التجارية التي كانت لهم الهند وأصبحت الهند الدرة اليتيمة في التاج البريطاني.
ومنذ ذلك التاريخ والسياسة الإنجليزية تحرص تماما على سلامة الهند، والمقصود سلامة الهند معناه قطعا عدم خروج الهند من يد بريطانيا إلى يد دولة أخرى، ومعناه أيضا الوقوف في وجه الهند ومنعها من تحقيق استقلالها.
وأكثر من هذا لقد كان الحرص على سلامة الهند محور السياسة الإنجليزية.
استمع إلى قول وارن هستنجس حاكم الهند 1800 (منذ نزول الفرنسيين أرض مصر (1798) لم يغمض لي جفن)، وانظر إليه وهو يدفع حكومته دفعا حتى ترسل عدة حملات 1801 ساهمت في طرد الفرنسيين من أرض مصر وساعدت الأتراك والمصريين على إجلائهم عنها لماذا كل هذا الاهتمام بالهند؟ يرجع السر في ذلك إلى عاملين خطيرين: 1: إن الهند مورد عظيم من المواد الخام والمواد الغذائية اللازمة للشعب الإنجليزي وللصناعة الإنجليزية 2: إن الهند سوق كبيرة لتصريف المصنوعات الإنجليزية هذا من ناحيةإنجلترا، أما من ناحية الهنود فقد حاولوا التخلص من نير الاستعمال الإنجليز وقامت ثورة كبيرة 1858 ولكنها لم تنجح.
وبرغم هذا فقد تكون حزب المؤتمر 1885 وكان ينادي بأن تنال الهند استقلالا ذاتيا وتبقى ضمن دائرة مجموعة الشعوب البريطانية.
وقد اشترك كثير من المسلمين البارزين في هذا الحزب الذي كان يرمي إلى تحرير الهند نوعا من الاستعباد البريطاني ولكن المسلمين بدءوا يشعرون بأن إنجلترا والهندوكيين يأتمرون بهم ويبيتون لهم الغدر والشر، ولذلك قاموا في 1906 بتأسيس الرابطة الإسلامية ومضى الزمن والهنود يجاهدون في سبيل حرياتهم، وجاءت الحرب العالمية الأولى فوقفوا مسلمين وهندوكيين بجانب بريطانيا وحلفائها حتى تحقق لهم النصر، ومات كثير من أبناء الهند في مختلف ميادين القتال.
وانتهت الحرب واعتقد الهنود أن حريتهم ستكون مكافأتهم على تضحياتهم، ولكن إنجلترا خيبت أملهم واكتفت بالقيام ببعض إصلاحات لا قيمة لها أدى موقف إنجلترا هذا من قضية الهند إلى قيام الثورة الهندية المعروفة بحركة العصيان المدني والتي تزعمها المهاتما غانديسنة 1921.
وقد وقف المسلمون وكان يقودهم مولاناشوكت علي ومولانا محمد علي بجانب غاندي، وقاموا بنصيب موفور من الجهاد مما اغضب الإنجليز فاخذوا يسلطون عليهم سياط التعذيب من قتل وسجن، إلى سلب ونهب، فامتلأت بهم السجون والمعتقلات وتحملوا في سبيل الكفاح الكثير من الخسائر.
ومع هذا تحمل المسلمون صابرين، وبدأ مركز إنجلترا يتزعزع لجأت إنجلترا إلى سياستها التقليدية وهي إيقاع الفرقة في صفوف الآمة، فبدأت تتقرب من الهندوس وتتآمر معهم ضد المسلمين، وأخذ بعضهم يعلن ما بيتوا على رؤوس الأشهاد.
قال سافاركان أحد قادتهم: إن الهند لن تستطيع أن تكون بلدا موحد ولا أمة موحدة، إن فيها أمتين: الهندوس والمسلمين وفي عام 1925 نشر هارديال أحد كبار الصحافيين مقالا جاء فيه: (إنني أعلن أن مستقبل الجنس الهندوكي في الهندستان والبنجاب (إسلامية) يجب أن يقوم على أربعة أسس: الوحدة الهندوكية، الحكم الهندوكي، تمجيس المسلمين ثم احتلال الأفغان ومناطق الحدود الجبلية، وإلا كان مستقبل الأمة الهندوكية كلها في خطر) وهكذا وضح للعيان أنه لا يمكن أن تقوم في الهند دولة موحدة، والواقع أن الخلاف بين المسلمين والهندوكيين كان كبير جدا: إن المسلمين يعبدون الله ولا يشركون به، وقد احل لهم أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم وأن ينحروا البقر، والبقرة حيوان مقدس لدى الهندوس بل هي إحدى معبوداتهم من أجل هذا كنا نتوقع دائما عند قدوم عيد الأضحى أن نسمع عن مذابح الهند، فقد كان المسلمين ينحرون البقر وسرعان ما تقوم المعارك بينهم وبين الهندوس ويسقط فيها آلاف القتلى ورب قائل يقول: لماذا عمد الهندوس إلى اقتراف تلك الجرائم في عهد الاستعمار؟ وأنا أذكره بأن المسلمين كانوا سادة الهند وحكامها قبل هذا العصر، فمن الطبيعي أن تكفل لهم سيادتهم وأمنهم وسلامتهم.
أما وقد زال سلطانهم على يد الإنجليز وبدأت الهند تتحرر، فقد أخذ الهندوكيون بتحريض إنجلترا يرتكبون تلك الفظائع ويعملون على (تمجيس المسلمين) أو إهلاكهم وقد أدى كل ذلك إلى اعتقاد مسلمي الهند بأنه لا نجاة لهم إلا إذ قامت لهم دولة مستقلة، وقد تزعم هذه الحركة المباركة القائد المخلص محمد علي جناح وقد كان أول مؤتمر رسمي اشترك فيه المسلمون بصفتهم الرسمية هو مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد في لندن 1932 وفي 1937 أعلن البانديت جواهر لال نهرو - رئيس وزراء الهند الحالي - أن هناك من الهند حزبين: الحكومة الإنجليزية وحزب المؤتمر.
حينئذ اضطر محمد علي جناح أن يقول: بل إن ثمة حزبا ثالثا هو الأمة الإسلامية وفي هذا الوقت كان قيام دولة إسلامية مستقلة طيفا يداعب خيال المسلمين، ولكن الله جلت قدرته قد حقق هذا الحلم بأسرع مما كانوا يظنون ففي 1939 قامت الحرب العالمية الثانية وتحرج مركز إنجلترا وطلبت من الهنود الإخلاد إلى السكينة وترك قضية التقسيم جانبا حتى تنتهي الحرب، ولكن القائد الأعظم محمد علي جناح قال: إننا نوافق على الهدنة في كفاحنا السياسي إذا رضيت بريطانيا بشرطين: 1 - أن تعلن الحكومة البريطانية إعلاناً صريحاً بأنها لا تتبنى دستوراً لحكم الهند في زمن الحرب أو بعد الحرب من غير موافقة سابقة من جانب المسلمين 2 - أن يكون للمسلمين نصيب مساو لنصيب غيرهم من السيادة وفي مراقبة أمور الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية وقد رضيت إنجلترا بذلك ووافقت عليه وأعلنت في 1940 أنها لن توجد في الهند شكلا من أشكال الحكم لا ترضى عنه عناصر كثيرة العدد قوية الأثر قبل المسلمون هذا التصريح ولكن الهندوس رفضوه وقاموا بحركة عصيان ضد إنجلترا ولكنها فشلت لعدم اشتراك المسلمين فيها وفي عام 1944 اجتمع غاندي بمحمد علي جناح في بومباي وحاول أن يتفق معه على عدم تقسيم الهند، ولكن محمد علي جناح رفض رأي غاندي لأنه كان ضد رغبة المسلمين.
وربما يبدو هذا الموقف غير سليم أمام من ينتصرون للقومية، ولكن أمام هؤلاء أضع الحادث التالي على سبيل المثال: في عام 1947 كان يسكن بلدة أمتسار خمسمائة ألف نسمة منهم مائتا ألف مسلم وفي يومين أثنين قضى الهندوس على هذا العدد الضخم بالقتل والذبح والتشريد.
كيف يمكن مع مثل هذا أن يطمئن المسلمون على أنفسهم؟ إن السبيل الوحيد هو إقامة دولة إسلامية مستقلة وانتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وبدأت إنجلترا تعالج مشكلة الهند.
وفي أوائل 1946 أجريت الانتخابات في الهند وقد نجح أعضاء حزب الرابطة الإسلامية في إحراز المقاعد الثلاثين المخصصة للمسلمين في المجلس التشريعي المركزي، وهؤلاء هم أنصار قضية الباكستان.
وأصبح واضحا تماما أنه لا يمكن إغفال رغبات مائة مليون من السكان واعترافا بالأمر الواقع قرر البرلمان البريطاني في 1947 ما يأتي: (ابتداء من الخامس عشر من أغسطس عام 1947 يقوم في الهند حكومتان باسم الهند وباسم باكستان) وهكذا تحقق حلم إخواننا المسلمين وقامت دولة الباكستان أكبر دولة إسلامية، تلك الدولة التي خلقت لتعيش وستعيش بإذن الله. باكستان زنده باد! للبحث صلة أبو الفتوح عطيفة

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣