أرشيف المقالات

ذنوب تدخل العبد في اللعن

مدة قراءة المادة : 46 دقائق .
2ذنوب تدخل العبد في اللعن

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - عبد الله ورسوله.
 
أما بعد:
فإن اللعن فيه معنى الإقصاء والإبعاد، ذلك أن اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله - عزّ وجلّ[1].
أو - وبعبارة أخرى - بمعنى الطرد من رحمة الله - عز وجل -، والإبعاد من درجة الأبرار ومقام الصالحين[2]، واللعين والملعون: هو من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها، ومنه قيل للشيطان: اللعين، لبعده عن الرحمة، إذًا: فاللعن هو: "الدعاء على الرجل بالبعد"[3]، ومن هنا نعرف معنى قول الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم )): أي: دعا عليهم باللعنة.
 
يقول ابن جرير: " اللعنة: الفَعْلة، من لعنه الله، بمعنى: أقصاه وأبعده وأسْحَقه.
وأصل اللعن: الطرْد، كما قال الشماخ بن ضرار، وذكر ماء ورَد عليه:






ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ
مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ الَّلعِينِ






 
يعني: مقامَ الذئب الطريد.
واللعين: من نعت الذئب، وإنما أراد: مقام الذئب الطريد واللعين كالرَّجل"[4].
 
وبالجملة: فاللعن في العرف إبعاد مقترن بسخط؛ ولذلك جاءت تعريفات اللعن عند العلماء - رحمهم الله - عز جل - متقاربة المعنى، بل تكاد تكون واحدة المضمون، وإن اختلفت عباراتهم في الظاهر.

فقال الجرجاني: " اللعن من الله هو: إبعاد العبد بسخطه، ومن الإنسان: الدعاء بسخطه "[5].

وقال الحرالي: " اللعن إبعاد في المعنى والمكانة والمكان إلى أن يصير الملعون بمنزلة النعل في أسفل القامة يلاقي به ضرر الموطئ "[6].


وقال ابن الكمال: " اللعن من الله إبعاد العبد بسخطه، ومن الإنسان الدعاء بسخطه "[7].


وقال الراغب: " اللعن الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره."[8].
 
اللعن دليل على كبيرة من الكبائر:
ومن هنا كان اللعن على لسان الشارع دليل على أن هذا الذنب الذي استحق فاعله اللعن بسببه كبيرة من كبائر الذنوب، قال شيخ الإسلام: " اللعن لا يكون إلا على معصية بل لا يكاد يلعن إلا على فعل كبيرة إذ الصغيرة تقع مكفرة بالحسنات إذ اجتنبت الكبائر، واللعنة هي: الإقصاء والإبعاد عن رحمة الله؛ ولن يستوجب ذلك إلا بكبيرة، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال[9]: " كل ذنب ختم بغضب أو لعنة أو عذاب أو نار فهو كبيرة".
رواه عنه ابن أبي طلحة[10]"[11]، فأيما نص وجدت فيه لعنًا لصاحبه كان هذا دليل على دخول ذلك الذنب في أبواب الكبائر.
 
خطورة اللعن:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (( أن رجلًا لعن الريح - وقال مسلم: إن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلعنها - فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ))[12].

وشاهدنا منه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه )).

وبهذا تتبين إلى حرمة اللعن، خطورة اللعن - أيضًا - نسأل الله - عز وجل - السلامة والعافية.

 
من الذنوب التي ورد فيها اللعن:
ثم إن من تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله، وأسقط فرائضه بالحيل[13]؛ ولذلك كان القصد من هذا اللعن بيان العقوبة، لتنزجر النفوس بذلك[14]، ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أذكر جملة من الذنوب - مما وقفت عليه - والتي تدخل العبد تحت لعنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم –؛ حتى نحذر منها، ونتواصى بالبعد عنها وهجرها، ومنها:
 
1) لعن الوالد.

2) وتغيير منار الأرض.


3) والذبح لغير الله - عز وجل:
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة - رضي الله عنه - قال: كنت عند علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأتاه رجل فقال: ما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسر إليك؟ قال: فغضب، وقال: (( ما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسر إلي شيئًا يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟! قال: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثًا[15]، ولعن الله من غير منار الأرض[16] ))[17].
 
4) زوارات القبور:
عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زوارات القبور ))[18].
 
5) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه:
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء))[19].
 
وعن عبدالله بن مسعود قال - رضي الله عنه -: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - آكل الربا ومؤكله قال: قلت: وكاتبه وشاهديه؟ قال: إنما نحدث بما سمعنا))[20].
 
6) المحل والمحلل له:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المحل والمحلل له))[21].
 
7) من اتخذ شيئًا - فيه الروح - غرضًا:
عن سعيد بن جبير قال: مر ابن عمر - رضي الله عنه - بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر - رضي الله عنه - تفرقوا فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: (( من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا))[22].
 
8) من يسم في الوجه:
عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( لعن من يسم في الوجه))[23].
 
9) وسْم ذوات الأربع في وجوهها:
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (( مر حمار برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد كوي في وجهه تفور منخراه من دم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: لعن الله من فعل هذا، ثم نهى عن الكي في الوجه، والضرب في الوجه))[24].
 
10) الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله - عز وجل -:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (( لعن الله الواشمات والمتوشمات[25] والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.
فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن هو في كتاب الله.
فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول؟ قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم تر من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتنا[26]))[27].
 
تنبيه:
قول: عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: " وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن هو في كتاب الله ".

قال القرطبي: " وقول ابن مسعود - رضي الله عنه - للمرأة: (( وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم ))؛ دليل: على جواز الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - في إطلاق اللعن على من لعنه النبي - صلى الله عليه وآله سلم - في معين كان أو غير معيَّن؛ لأنَّ الأصل أن النبي - صلى الله عليه وآله سلم - ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك.
غير أن هذا يعارضه قوله - صلى الله عليه وآله سلم -: (( اللهم ما من مسلم سببته، أو جلدته، أو لعنته، وليس لذلك بأهل، فاجعل ذلك له كفارة، وطهورًا )).
وهذا يقتضي أنه قد يلعن من ليس بأهل لعنة.
وقد أشكل هذا على كثير من العلماء، وراموا الانفصال عن ذلك بأجوبة متعددة ذكرها القاضي عياض في كتاب "الشفاء"، وأشبه ما ينفصل به عن ذلك: أن قوله - صلى الله عليه وآله سلم -: (( ليس لذلك بأهل )) في علم الله.
وأعني بذلك: أن هذا الذي لعنه رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم -؛ إنما لعنه لسبب صدر منه يقتضي إباحة لعنه، لكنَّه قد يكون منهم من يعلم الله تعالى من مآل حاله: أنه يقلع عن ذلك السبب، ويتوب منه، بحيث لا يضره، فهذا هو الذي يعود عليه سب رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - إياه، ولعنه له بالرحمة، والطهور، والكفارة.
ومن لا يعلم الله منه ذلك، فإنَّ دعاءه لكون زيادة في شقوته، وتكثير للعنته، والله تعالى أعلم"[28].
وعليه يأتي التنبيه على جملة من الأمور لاحقًا في التنبيهات.
 
11) من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا[29]:
عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي - عليه السلام - فقلنا: هل عهد إليك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئًا لم يعهده للناس عامة؟ قال: لا إلا ما في كتابي هذا، قال: فاخرج كتابًا من قراب سيفه فإذا فيه: (( المؤمنون تكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثًا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ))[30].
 
12) ظلم أهل المدينة وإخافتهم:
عن السائب بن خلاد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:" اللهم! من ظلم أهل المدينة وأخافهم، فأخفهم، وعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا))[31].
 
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل))[32].
 
13) المصور:
عن عون بن أبي جحيفة، قال رأيت أبي - رضي الله عنه - اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك؟ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور))[33].
 
14) سب الصحابة:
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))[34]
 
15) من أخفر مسلمًا.


16) ومن والى قومًا بغير إذن مواليه:
عن علي - رضي الله عنه - قال: (( ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا القرآن، وما في، هذه الصحيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " المدينة حرام: ما بين عائر إلى ثور، فمن أحدث حدثا، أو آوى محدثا؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل، ولا صرف! ذمة المسلمين واحدة؛ يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف! ومن والى قومًا بغير إذن مواليه؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف!))[35].
 
17) الراشي والمرتشي:
عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الراشي والمرتشي ))[36].
 
18) أهل الخمر وهم عشرة:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها، ومتعصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له ))[37].
 
19) من ادعى إلى غير أبيه.


20) ومن تولى غير مواليه[38]:
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ))[39].
 
21) الرجل يلبس لبسة المرأة،

22) والمرأة تلبس لبسة الرجل:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل))[40].


23) المخنثين من الرجال.

24) والمترجلات من النساء:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (( لعن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم.
قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلانًا[41]، وأخرج عمر فلانًا[42]))[43].
 
وعن ابن أبى مليكة قال: قيل لعائشة - رضى الله عنها -: إن امرأة تلبس النعل؟! فقالت: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الرجلة من النساء))[44].
 
25) المتشبهين من الرجال بالنساء.


26) والمتشبهات من النساء بالرجال:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (( لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ))[45].
 
27) السارق:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده ))[46].
 
28) الممتنعة عن فراش زوجها متى دعاها:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ))[47].

 
29) من أشار إلى أخيه بحديدة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه))[48].
 
30) من أتى امرأته في دبرها:
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( ملعون من أتى امرأته في دبرها ))[49].
 
31) السائل بوجه الله - عز وجل -

32) والممتنع عن إجابته:
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من يسأل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأله هجرا))[50].
 
33) أمراء قريش إذا لم يحافظوا على المأمور به:
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: (( قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على باب بيت فيه نفر من قريش، فقام وأخذ بعضاة الباب ثم قال: هل في البيت إلا قرشي؟ قال: فقيل: يا رسول الله! غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال: إن هذا الأمر في قريش ما داموا إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منهم صرف ولا عدل))[51].
 
34) اتخاذ القبور مساجد[52]:
عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))[53].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( اللهم! لا تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ))[54].

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: (( لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )).
لولا ذلك أبرز قبره؛ غير أنه خشي أو خشي أن يتخذ مسجدًا[55].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ))[56].
 
35) تغيير تخوم الأرض
36) الذبح لغير الله
37) لعن الوالدين
38) من كمه الأعمى عن السبيل
39) من وقع على بهيمة
40) من عمل عمل قوم لوط
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (( لعن الله من غير تخوم الأرض، لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه[57]، لعن الله من تولي غير مواليه، لعن الله من كمه أعمى عن السبيل، لعن الله من وقع على بهيمة، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاثًا))[58].
 
تنبيهات:
وفي الختام فهذه تنبيهات مهمة متعلقة بهذا الباب، ومنها:
الأول: لابد من أن يحذر المؤمن من اللعن والإكثار منه، ألا نرى أن هذا اللعن الوارد من الشارعإنما كان في ذنوب محصورة ومعدودة، وفي دوائر ضيقه، وقليلة جدًا، ولذلك نبهنا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - على ذلك يوم قال: (( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ))[59].

يقول ابن القيم معلقًا على هذا الحديث: " قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم –: (( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة))؛ لأن اللعن إساءة بل من أبلغ الإساءة، والشفاعة إحسان، فالمسيء في هذه الدار باللعن سلبه الله الإحسان في الأخرى بالشفاعة، فإن الإنسان إنما يحصد ما يزرع والإساءة مانعة من الشفاعة التي هي إحسان.

وأما منع اللعن من الشهادة؛ فإن اللعن عداوة وهي منافية للشهادة، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد الشفعاء وشفيع الخلائق؛ لكمال إحسانه ورأفته ورحمته بهم"[60].
 
الثاني: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، أو يموت عليه، كأبي جهل، وإبليس[61].
 
الثالث: قال الشيخ تقي الدين: " المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق، لا المعين "[62].
فلا بد من التفريق بين التعميم والإطلاق في اللعن، وبين التعيين[63]، فالأول لا بأس به، والأخر فيه خلاف والراجح أنه ممنوع[64]؛ لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل، وفي حق المعين أذى له وسب، ولأن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين والذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له، كما ذكر ابن المنير[65]، ورجحه السيوطي[66]، واختاره من المعاصرين ابن عثيمين[67]، وشيخنا مقبل[68] وغيرهما، وهو اختيار اللجنة الدائمة[69]، ونسبه الألوسي في تفسيره[70] للجمهور، وكل هذا بضوابطه وشروطه التي نص عليها المحققون.
 
يقول ابن القيم: " يجوز لعن أصحاب الكبائر بأنواعهم دون أعيانهم، كما لعن السارق، ولعن آكل الربا وموكله، ولعن شارب الخمر وعاصرها، ولعن من عمل عمل قوم لوط، ونهى عن لعن عبد الله حمار وقد شرب الخمر ولا تعارض بين الأمرين فإن الوصف الذي علق عليه اللعن مقتض.
وأما المعين فقد يقوم به ما يمنع لحوق اللعن به من حسنات ماحية، أو توبة، أو مصائب مكفرة، أو عفو من الله عنه؛ فتلعن الأنواع دون الأعيان "[71].
 
الرابع: اللعن بالوصف أو الجنس ليس بحرام وهو جائز[72]، فلا بأس منه، كما لعن الله - عز وجل -ولعن رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم.

قال صاحب المفهم: "فرق بين لعن الجنس والشخص؛ لأنَّ لعن الجنس تحقيق وتحذير، ولعن الشخص حسبان وتعيير"[73].
 
وقال النووي: " اتفق العلماء على تحريم اللعن فانه في اللغة: الإبعاد والطرد، وفى الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى؛ فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان، أو كافرًا، أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، أو يموت عليه كأبي جهل وإبليس.


وأما اللعن بالوصف فليس بحرام كلعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين، والظالمين، والفاسقين، والكافرين، ولعن من غير منار الأرض، ومن تولى غير مواليه، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن أحدث في الإسلام حدثًا، أو آوى محدثًا، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان والله اعلم"[74]



[1] أنيس الفقهاء (ص: 162) القونوي، والكشاف (2/ 577).


[2] الكليات (ص: 1278) لأبى البقاء الكفومى.


[3] معجم الفروق اللغوية (ص: 317) للعسكري.



[4] جامع البيان في تأويل القرآن (3/ 254).



[5] التعريفات (ص: 247).


[6] التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 621).


[7] التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 621).


[8] مفردات ألفاظ القرآن (2/ 339).


[9] وقد قال بذلك أو نحوه جمع منهم: سعيد بن جبير، والحسن البصري، ومجاهد، والضحاك، واختاره جمع من المحققين.
انظر: شرح النووي على مسلم (2/ 85)، ونقله الحافظ في الفتح (10/ 410)، وعنه الشوكاني في النيل (9/ 165).


[10] أخرجه ابن جرير (8/ 246)، والبيهقي في الشعب (1/ 460).


[11] الفتاوى الكبرى (6/ 193).


[12] أخرجه أبو داود رقم: (4910)، والترمذي رقم: (1978)، الصحيحة (2/ 51) رقم: (528).



[13] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 189) لابن القيم.



[14] الفتاوى الكبرى (6/ 229).


[15] يأتي التنبيه عليه لاحقًا.


[16] المنار جمع منارة بفتح الميم وهي العلامة، والمعنى: أي علامات حدودها، وظلم غيره فيها، ودخوله في ملكه، مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: في الحديث الآخر: (( تخوم الأرض )) ويأتي معنا تخريجه.
انظر: إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (6/ 223) للقاضي عياض.



[17] أخرجه مسلم رقم: (1978).


[18] أخرجه ابن ماجه رقم: (1574)، وابن أبي شيبة (4/ 141)، والحاكم (4/ 374)، وأحمد (3/ 442)، وسكت عليه الحاكم والذهبي.
وقال البوصيري في الزوائد:" هذا إسناد صحيح رجال ثقات"، والحديث فيه مقال، لكن له شواهد يصح بها؛ ولذلك قال الألباني: "الحديث صحيح لغيره".
انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 233)، وأحكام الجنائز (ص: 185- 186).



[19] أخرجه مسلم رقم: (1598)، وأحمد (3/ 304).


[20] أخرجه مسلم رقم: (1597)، ويأتي معنا - في لعن المصور - حديث أبي جحيفة في البخاري، وهو يشهد لما هنا.


[21] أخرجه الترمذي رقم: (1120)، والنسائي (2/ 98)، والدارمي (2/ 158)، وابن أبي شيبة (7/ 44 - 45)، والبيهقي (7/ 208)، وأحمد (1/ 448 - 462)، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح "، وقال الحافظ في التلخيص (3/ 170):" وصححه ابن القطان، وابن دقيق العيد على شرط البخاري"، وقال الألباني: " وهو كما قالا ".
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/ 307).


[22] أخرجه مسلم رقم: (1958).


[23] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 140)، وقال الألباني: " إسناد صحيح".
السلسلة الصحيحة (5/ 182) رقم: (2149).


[24] أخرجه ابن حبان رقم: (5626)، وقال شعيب الأرناؤوط: " إسناده صحيح".


[25] ويأتي معنا في لعن المصور حديث أبي جحيفة في البخاري، وهو يشهد لما هنا.


[26] أي: ما جامعتها، من الجماع كناية عن إيقاع الطلاق.


[27] أخرجه البخاري رقم: (4604)، ومسلم رقم: (2125).
وانظر: السلسلة الصحيحة (6/ 691) رقم: (2792).



[28] المفهم (17/ 119)، وانظر: فتح الباري (11/ 172) للحافظ، والمستدرك على فتاوى ابن تيمية (1/ 117) جمع: ابن قاسم.


[29] وانظر: حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة - رضي الله عنه - مع علي - رضي الله عنه - فيما تقدم.



[30] أخرجه أبو داود رقم: (4530)، والنسائي (2/ 240)، وأحمد (1/ 122)،.
وقال الألباني: " رجاله ثقات رجال الشيخين".
إرواء الغليل (7/ 267).


[31] أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 271)، وحسنه الألباني لشواهده.
انظر: السلسلة الصحيحة (6/ 372).


[32] أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 53)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 620) رقم: (351).


[33] أخرجه البخاري رقم: (2123).


[34] رواه الطبراني (3/ 174/ 1)، وحسنه الألباني الصحيحة (5/ 446) رقم: (2340).



[35] أخرجه أبو داود رقم: (2036)، والنسائي في الكبرى (2/ 486)، وابن حبان رقم: (3717)، وغيرهم، وصححه الألباني


[36] أخرجه الترمذي رقم: (1337)، وأبو داود رقم: (3580)، وابن ماجه رقم: (2313)، وأحمد في المسند (2/ 164،190،194،212)، والحاكم في المستدرك(4/ 102-103)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 138-139).
قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح"، قال شعيب الأرناؤوط: "إسناده قوي"، وهو حديث صحيح.
وجاء بنحوه عن أبي هريرة أخرجه الترمذي رقم: (1336)، والحاكم في المستدرك (4/ 103)، وابن حبان في رقم: (1196- موارد)، وغيرهم، وعن أم سلمة - رضي الله عنها - عند الطبراني (23/ 398) بلفظ: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( لعن الراشي والمرتشي في الحكم)).
وإسناده جيد؛ كما في الترغيب والترهيب (3/ 143).


[37] أخرجه الترمذي رقم: (1295)، وابن ماجه رقم: (3381).
وصححه الألباني.


[38] ويأتي ما يشهد لهذا الشطر في حديث ابن عباس - رضي الله عنه.



[39] أخرجه أحمد (1/ 328)، وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده قوي على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/ 209).


[40] أخرجه أبو داود رقم: (4100)، والنسائي في الكبرى (9253)، وأحمد (2/ 325)، وابن حبان رقم: (5751)، والحاكم (4/ 215)، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
وقال شعيب الأرناؤوط : "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني.


[41] لعله أنجشة؛ فقد وقع تسميته عند الطبراني وغيره كما قال الحافظ في الفتح (10/ 334) والله أعلم.



[42] هو أبو ذؤيب، قاله الحافظ في الفتح (12/ 159).



[43] أخرجه البخاري رقم: (5547).


[44] أخرجه أبو داود رقم: (4101)، وصححه الألباني.


[45] أخرجه البخاري رقم: (5546).


[46] أخرجه البخاري رقم: (6401)، ومسلم رقم: (1687).


[47] أخرجه البخاري رقم: (3065)، ومسلم رقم: (1436).


[48] أخرجه مسلم رقم: (2616).


[49] أخرجه أبو داود رقم: (2164)، والنسائي في الكبرى (5/ 323)، وأحمد (2/ 444)، وحسنه الألباني.


[50] أخرجه ابن عساكر، وحسنه الألباني الصحيحة (5/ 363) رقم: (2290).



[51]أخرجه أحمد (4/ 396)، والبزار (2/ 229/ 1582)، والحديث فيه كلام لكن له شاهد.
انظر: الصحيحة (6/ 856) رقم: (2858).



[52] قال الألباني: " الاتخاذ إنما هو ثلاث معان:
الأول: الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.
الثاني: السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
الثالث: بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها.
وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء، وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء - صلى الله عليه وآله وسلم ".
انظر: تحذير الساجد (ص: 28 - 29).



[53] أخرجه النسائي (4/ 95)، وأحمد (6/ 252)، وقال شعيب الأرناؤوط: "حديث صحيح"، وابن حبان رقم: (2327) وقال شعيب الأرناؤوط: " إسناده صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني.


[54] أخرجه أحمد (2/ 246) وقال شعيب الأرناؤوط: " إسناده قوي".


[55] أخرجه البخاري رقم: (1324)، ومسلم رقم: (529)، وقوله: ((لولا ذلك أبرز ...
)) من قول عائشة - رضي الله عنها.


[56] أخرجه مسلم رقم: (530).



[57] وفي رواية: " من سب "، وفي آخرى: " عق ".



[58] أخرجه أحمد (1/ 317)، وقال شعيب الأرناؤوط: "إسناده حسن".
والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 272)، والطبراني في الكبير (11/ 218).
وأخرجه الحاكم (4/ 356)، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وانظر له الصحيحة (8/ 8) رقم: (3462).


[59] أخرجه مسلم رقم: (2598) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه.


[60] بدائع الفوائد (4/ 303).



[61] شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 67).


[62] الآداب (1/ 307-309).



[63] وانظر للفائدة: المستدرك على فتاوى ابن تيمية (1/ 115) جمع: ابن قاسم.



[64] قال المعلمي: "ولعل من شدد في المنع منه إنما ذهب إلى سد الذريعة لئلا يتوصل إلى لعن بعض الصحابة ".
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/ 488).



[65] فتح الباري (12/ 76).



[66] الديباج على مسلم (4/ 292).


[67] القول المفيد (1/ 226).



[68] تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب (ص: 83).



[69] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (25/ 374).


[70] فقال: "فالجمهور على أنه لا يجوز لعن المعين فاسقًا كان أو ذميًا، حيًا أو ميتًا، ولم يعلم موته على الكفر؛ لاحتمال أن يختم له أو ختم له بالإسلام، بخلاف من علم موته على الكفر كأبي جهل ".
روح المعاني (26/ 72).


[71] زاد المعاد (5/ 48).


[72] شرح النووي على مسلم (11/ 185).



[73] (15/ 150).



[74] شرح النووي على مسلم (2/ 67).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١