مصطفى كامل بمناسبة تمثال

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
له وجدان.
! للسيدة وداد صادق عنبر حضرتني اليوم حاضرة من الخواطر المستمدة من فيض عاطفة لها دافع قوي، وذلك لأنني استلهمتها ميراثًا عن أبي الراحل؛ وكأنني منها في صدد واجب مقدس ألقته علي فجاءت كتحية قصيرة للزعيم الخالد مصطفى كامل باشا بمناسبة إزاحة الستار عن تمثاله. فإذا كان قد قيل بالأمس إن الأبوة في هوى الأبناء، فإني أعود فأنم ذلك القول بأن النبوة أيضًا في هوى الآباء. فإلى الزعيم الخالد أرسل هذه الكلمات، إلى صديق أبي العزيز أرسلها تحية خالصة: على روحك الطاهرة التي ترسل نور العظمة يشعُّ في عين كل مصري عرف ما لمصطفى من أيادٍ على الوطن على وجدانك الحي، وكم من حيٍّ ليس له وجدان، أو ميت مات وجدانه قبل موته على ذلك القلب الذي طالما نبض بحب مصر على طيفك الذي كان أمنًا للوطن وعصمه وقلمك الذي ما أسال إلا كل حجى وحكمة عليك أيها المثل الأعلى الذي جاهد حتى بلى في جهاده سلام هذه الأمة وأبنائها أي مصطفى.
هذا هو الوطن الذي كان كل أملك النهوض به أبدًا في مراقي التقدم درجات حيَّا أصبحت أنت كل ذكره ميتًا وهذه هي الأمة التي ألقت أعباءها على عاتقك بالأمس تحمل ذكراك في قلبها اليوم وما هذا وتلك إلا شهود فضلك وشواهد إخلاصك وهكذا كنت واليوم ذكراك تكون.
وهكذا ظللت تكافح وتجادل، حتى إذا استنفدك الكفاح، ولم يدع من قوتك الجدال، هويت في أرض الميدان.
فإذا كانت حياتك عظمة للموتى، فإن موتك أيضًا عظمة للأحياء ولكن، أين هم الذين يقدرون فضل المجاهد وحق المناضل الناهض برقي أمته المدافع؟؟ وأخيرًا، أجيب نفسي: كيف أتساءل وهم كثيرون؟ هاهم أولاء يقفون أمام تمثالك مهللين مكبرين بعد وفاتك بأعوامٍ عدة.

.
وهاهو أولاء يسيرون في الشارع الذي أطلق عليه اسمك العظيم بعد اختفائه سنين طوالًا أجل، لقد عرفوك وذكروك وعظموك بتلك الأكاليل المعقودة من الحمد على مفرقك عرفانًا لفضلك وإقرارًا لمجهودك.
وهاهم أولاء يهرعون إلى التمثال لينثروا حوله آيات الذكرى الطيبة يا مصطفى: حسبك فخرًا أنك يوم ظهرت لم يكن في مصر سوى مصطفى واحد.
ثم حسبك أنك نبغت حين كانت مصر تضرب من اليأس في ظلمات بعضها فوق بعض، وقد تظاهر عليها عنت السياسة وفقدان العون وخذلان القدر؛ فكنت الأمل الساطع الذي محا هذه الظلمات فصيرها نورًا من المجد والإسعاد.
وكانت القوة الهادية السارية على ذلك الضعف الذي زال.
بل وكان عملك بعد ذلك نظامًا دار عليه فلك التاريخ المصري دورة جديدة فما كان أنشط كاهلك وما كان أثقل ما عليه من الأعباء، وما كان أشق المهمة التي سهلها عليك مضاء عزيمتك وقوة ثباتك بل ما كان أقصر المدة وأبعد المدى ثم حسبك فخرًا يا مصطفى أن كل مصري كاد يكون مصطفى في عقيدته وحسبك أن مبادئك ملء النفوس وذكراك مقترنة بتاريخ مصرنا العزيزة وإذا كنا اليوم نرى ثمرة الجهاد دانية فحري بنا ألا ننسى من غرسها وتعهدها بالسقيا حتى أينعت الأثمار.
ونحن بعد قد قطعنا وهي بأيدينا شوطًا بعيدًا متفائلين ببشراها التي يعتذر لنا بها الدهر في كل حين يا مصطفى: الآن وقد آن لك أن تعود إلينا لا حيَّا تقام لاستقباله المواكب وتنظم لتحيته الكواكب.
بلى ولكن لتعود تمثالًا ومثالًا أعلى لمجاهد في سبيل وطنه الآن وقد عدت إلينا - وشتان بين العودتين - عدت إلينا مثلا حيًا وفكرًا دائمًا فإليك تحية الوطنيين إليك أيتها القوة الوطنية التي رفعت رأس مصر عاليًا إلى العزيمة المصرية التي أضحى بها مجد الوطنيين حاليًا إلى المقدام البصير الذي أغلى قدر وطنه فأمسى في الأقدار غاليًا إليك أيها المجاهد تحية أمتك أولًا وآخرًا وإنك لحي دائمًا بذكراك - حي بآثارك - حي في وطنك الذي يبكيك وتاريخه الذي يذكرك ويناجيك - حي بمواقف الصدق التي وقفتها ووطنيتك الصادقة وجهودك التي ضحيت لوطنك بها وبذلتها فليحي ذكرك الذي لم يكد يخرجك لنا من الدنيا جسدًا هامدًا حتى أرجعك إلينا فكرًا خالدًا ولتحي ذكراك حياة تكافئ جهادك المضني في سبيل الحياة وداد صادق عنبر

شارك المقال

روائع الشيخ عبدالكريم خضير
. . .
فضلًا انتظر تحميل الصوت