أرشيف المقالات

رفقاء السوء وأثرهم في الصد عن سبيل الله

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2رفقاء السوء وأثرهم في الصد عن سبيل الله

كان المشركون إذا أراد أحدهم الدخول في الإسلام، أو حدث نفسه بذلك ثبطه أقرانه، وعادوه، وأثاروا حمية الجاهلية في نفسه، بتعييره بمخالفة الآباء والأجداد، وقد كان ذلك سببا في وفاة أبي طالب على ملة الكفر، فقد روى الإمام البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على عمه لما حضرته الوفاة، فقال: ((أي عمّ، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله))، فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية - قبل إسلامه رضي الله عنه: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب)[1].
 
وعند الإمام مسلم رحمه الله أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك)[2].
 
ومما يدل على أثر الرفقة السيئة في الصد عن سبيل الله، جواب حويطب بن عبد العزى -من مسلمة الفتح- رضي الله عنه لمروان بن الحكم[3]، وقد ولي المدينة، لما دخل عليه، فقال له مروان: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث.
فقال حويطب: والله لقد هممت بالإسلام غير مرة، كل ذلك يعوقني أبوك، عنه وينهاني، ويقول: تضع شرف قومك ودين آبائك لدين محدث، وتصير تابعه.
فأُسكت مروان، ثم قال حويطب: أما كان أخبرك عثمان ما لقي من أبيك حين أسلم، فازداد مروان غما.
 
ودار بينهما حديث كان منه: ولقد شهدت بدرا مع المشركين، فرأيت عبرا، رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض، فقلت: هذا رجل ممنوع، ولم أذكر ما رأيت أحدا، وانهزمنا راجعين إلى مكة[4].
 
هذا الحديث يبين أثر الرفقة السيئة في الصد عن سلوك طريق الهدى، والتنكيل بمن دخل في الإسلام حتى لو كان صاحب مكانة وشرف كعثمان رضي الله عنه، وفي ذات الوقت يخشى المرء من إذاعة ما أراه الله من البراهين خوفا من مخالفة رفاقه.
 
ومن استجاب لهذا الداعي الوهمي غرر به وأضله، وتحسر يوم القيامة، ولات حين مندم، ويصدق فيه قوله تعالى ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [5]، مما قيل في سبب نزول الآيات أن عقبة بن أبي معيط أسلم، أو كاد فصده أمية بن خلف -وكان خليلا له-عن ذلك فكفر[6].
 
والإنسان بطبعه يتأثر بمن حوله من الناس، وقد تتسلل الشبهات عن طريق هذه الرفقة، وذلك مما يوسوس به الشيطان، كما قال الإمام ابن حزم رحمه الله: (لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته، إحداها: اعتذار من أساء، بأن فلانا أساء مثله، والثانية: استسهال الإنسان أن يسيء اليوم، لأنه قد أساء بالأمس)[7].



[1] صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب 4 /247.


[2] كتاب الإيمان باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع...الخ 1 /55 ح 24


[3] هو مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي القرشي، أبو عبد الملك، من كبار التابعين وقيل: له رؤية، ولد بمكة وهو أصغر من الزبير بأربعة أشهر، قربه عثمان رضي الله عنه فنقم منه الناس لذلك، قاتل يوم الجمل أشد القتال، ثم جرح واختفى فأمنه علي رضي الله عنه، كان ذا شهامة وشجاعة ودهاء، استولى على الشام ومصر، وعقد لولديه عبد الملك وعبدالعزيز، حكم تسعة أشهر، مات خنقا، وقيل: مات بالطاعون سنة 65ه.
بتصرف، سير أعلام النبلاء 3 /476.


[4] جزء من حديث طويل رواه الإمام الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب معرفة الصحابة 3 /492، وسكت عنه، وسكت عنه الذهبي.


[5] سورة الفرقان الآيات من 27- 29.


[6] بتصرف، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 19/8، ولباب النقول في أسباب النزول ص 163.


[7] الأخلاق والسير في مداواة النفوس ص 31.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١