أرشيف المقالات

نصائح لطلابي في راحتهم الصيفية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2نصائح لطلابي في راحتهم الصيفية


بداية أتوجَّه للجميع بالتحية، تحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
هكذا في كل عامٍ، يسير بنا مركب العملِ والدِّراسة والاجتهاد، لهذا المرفَأ الذي يستوجِبه خطُّ سيرنا منذ البدء في رحلة الدَّرس والعلم والعمل؛ لنسترِيح من عناءِ سفرنا البحري - الإبحار في العلم الرسمي - ولكنَّنا طبعًا لا يمكننا الاستغناء عن متمِّمات تلك الرحلة، وإلاَّ فما حاجتنا للإبحار؟!
 
• نعم، وقد تأملتُ مشهدَ المسافر لعلمِه، والتلميذِ القادم لمعلِّمِه، والطالب الذَّاهب لقاعَتِه ولمدُرِّسِه، فأيقنتُ أنَّ لهذا السَّفر حقوقًا، ومن حقوقه مثلاً لا حصرًا: أن نكمل المسيرةَ، فلا يأكل أحدنا ليجلس في بيته؛ بل ليتقوَّى لأجل عمله، والعمل عبادة، والعمل هنا قسمان: دنيوي، وديني.
 
• وفكَّرتُ في ذلك المسافر فوجدتُه يبحث عن شيء، ويريد تحقيقَ هدفٍ ما، أو غاية بعيدة؛ ولهذا رأيتُه منتبهًا لكلِّ شاردةٍ وواردة، خاصَّة في مجال الدرس والعلم، مبحرًا لا لمنظرةٍ أو نرجسيَّة يطمح لها، بل لسماء صافية يريد أن يتصفَّحها، بعيدًا عن جنون البعثرة الدنيوية، التي لا فائدة منها سوى إزهاق الوقت الثمين ببخسٍ من مال.
 
• ووصلتُ لنتيجة: أنَّه لا بدَّ من حلول فاعلةٍ، لا نظريةٍ فقط؛ لتسمو أفكارنا بعيدًا عن المنزَلقات الاجتماعية، والمصائب الحياتيَّة، بعيدًا عن مفاخرة واهية، أو مُسايرة غاوية، بعيدًا أيها الطلاب - وهنا أخصُّكم - بعيدًا عن اللَّهو في وقتٍ نستعد فيه لحصادٍ جديد؛ لهذا نتوقَّف هنا لدَرْء الغموض الذي ربَّما اكتنف بعضَ الكلمات، وغمضت به.
 
أولاً: أبارِك لجميع الحُصَّاد، وخاصَّة من كان عطاؤه غزيرًا، وبات حصاده وفيرًا، وأصبحَ مقامه كبيرًا، وطالما بقيَ هكذا، لن يمسي أبدًا، بل من صباحٍ إلى رقِي إلى مقامٍ رفيع، حتى يدخلَ الجنَّة طالما اتَّقى اللهَ وأناب.
 
ثانيًا: بهدوء أيُّها الأعلام المستقبليَّة؛ علماء وأطَّباء وأُدباء وغير ذلك، أنتم المستقبَل، ومن يرى المستقبلَ بقلبه، كيف يعمى عنه بفكرِه وعِلمه؟!
 
لهذا وجب التَّنويه، هذه حكمةٌ أصوغها لأجلكم، وأهمس بها في آذانكم: "مَن يُرِدْ بستانًا مُخضَرًّا جميلاً، لا يتركْ رَيَّ زهورِه ونباتاتِه وأشجارِه، لا في إجازةٍ ولا راحةٍ ولا عطلةٍ".

فانتبِه من تَرْكك المسجِد أو الدرس، فالعلم سبيلُ الناجحين، لا أقول: في الدنيا؛ بل والآخِرة، وهي الأرقى والأبقى، والأجدى أن نعملَ ونتعلَّم لأجلها!
 
ثالثًا: بناء على النَّصيحة السَّابقة، كيف لنا أن نحَسِّنَ من بَذْلنا في السنوات التعليمية القادمة؟
 
وهنا أسرد بعضَ الحلول المقترَحة لاستغلال الرَّاحة الصيفيَّة:
1- البدء في متابعة كلِّ مفيدٍ، غيِّر من تفكيرِك، أولويَّاتِك، طموحاتك، مفضَّليَّاتك؛ بدلاً من التفكير في صعوبة المستقبل، فكِّر مثلاً: كيف أجعله سهلاً جميلاً محببًا؟ بدلاً من طموحك بأن تكون عاشقًا ولهانَ لأحد المشاهير، فكِّر أن تصبح مثلَه، لا أعنى شهرة العُصاة والمجاهرين بالعدوان على شَرْع الله؛ بل شهرة المبدِعين في الخير، عالِم شرعِي، طبيب عالمي، مدرِّب كرة قدم، مدرب كاراتيه، مدرِّب تنمية بشرية، قائد عسكري، مهندس كبير، أديب جهبذ، وعلى هذا فقس!
 
2- رمضان مثلاً: شهرُ عبادة وعمَل، العمل عِندك أيها المتعلِّم: الدِّراسة، إذًا هل نحن في مدرسة ندرس منهجيًّا؟ لا، لكنَّنا لن نخرج من طور التعلُّم حتى الموت، فلنتعلَّم أحكامَ تلاوة القرآن الكريم مثلاً، أو نعلِّم غيرنا قراءته، قراءة تفاسِير واضحة وسهلة للقرآن الكريم، لا ننسَ هنا حديثَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((خَيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)).
 
3- صيف حارٌّ، استجمامنا ليس حرامًا بل هو واجب، الذهاب للشَّاطئ يرفع عنك كرباتٍ وهمومًا ويزيل متراكمَات الألَم النفسي، ربَّما يعتبر البحر متنزهًا، لكنَّه في المقام الأول مشفًى نفسي وجسمي، والطبيب هو ذاتُه والتكلِفة زهيدة، لكن علينا اجتناب مناهِي الله في هذا.
 
4- لا تقتل الإبداعَ أيها المتعلِّم، أنت صاحب بستانٍ جديد وجميل، حافظ على شروقاته وازرَع به الأجملَ دائمًا، لا تكثر من حشاش الأرض، فتقتل الجميلَ النَّافِع من شجرك، هكذا لا تكثر ممَّا لا ينفع فيضمحل العلمُ النَّافع لديك ويقل، وربما تقتله.
 
5- لاحِظ كم أنت جَميل، الجمالُ ليس جسديًّا ولا روحيًّا؛ بل هو جمال شعوري، الرُّوح والجسد يشتركان في الشعور، والشعور والفِكر مترادفان تقريبًا، فأنت إن شعرتَ بالفكرةِ فهي تسمَّى فكرة، وإلاَّ فكيف تعلَم بوجود فكرة لديك؟!
 
لهذا تتبَّع ما لدَيك، لو عرفتَ مصدر قوَّة تمتلكه، لا تُخبِر به حسودًا، ولا تفاخِر به ضعيفًا؛ بل ضعه في جَعبتك ليوم النَّفير، متى يوم النَّفير؟ هو اليوم الذي يطلبك النَّاس فيه، إذا كنت شاعرًا، فلا تقل عن نفسك: شاعر، ولا تفاخِر به؛ بل استعمله لنصرة دينِك، وإن طلَب الناس منك فيه خيرًا وعونًا، كالطبيب إن جعل طِبَّه للمفاخرةِ أمسى بالحسَد مسلوبًا، وكذلك العالِم لو كان لأجل مالٍ أو دنيا ذهب بهاءُ العِلم من وجه العالِم، وكذلك القائد لو استغلَّ مكانتَه لدنيا وما شابَه، ضاعَت هيبتُه، وقلَّ أعوانُه، وضاقت حولَه الحلقة، وأصبح محبُّوه تمامًا كحبل المشنقة حول رقبتِه، فقط همُّهم خَنْقه وقَتْل هيبته؛ لهذا في يوم راحتك والإجازة الصيفية، اختبِر أحلامك وكم هي بعيدة، ناوِش أبعادَ فكرك، تفحَّص جرأتك، تعلَّم الإخلاص لله، تبادَل النصائح الإسلامية، صادِق الشدائد؛ ففيها تتعلَّم الحِكمة، ومنها تنمو العلماء كالأشجار الصبورة تنمو في الصحاري ومن صلبِ الصخور!
 
6- أيضًا، وهنا آتي على آخر اقتراحاتي، تركًا للفرصة لكم كي تَأتوا بما ينفع لاحقًا في التعليقات، أنصح بنَزْع الكِبْرِ من قلوبكم؛ لأنَّ الكِبْر فيه يخلص المرء للفساد، ومنه يدخل الرِّياء، وعليه يسخط البسطاء، وعنه ينفضُّ الأتقياء، وإليه ينتهي الشَّقاء، فهو منبع كلِّ وباء!
 
فيا متعلِّمًا، صغيرًا كنتَ أم كبيرًا، أخاطِب عقلَك الكبير على اعتبار ما سيكون، وهذا في البيان مجازٌ مرسل، أرسل لك بإيجاز، مهمتَك مستقبلاً، غير حاصرٍ لما سيكون، ولا قاصرٍ ما كان، ولكن منبهًا لبعض الأشياء.
 
ويا أسرة، انتبهي، ابنك أَمانة، وأنتِ المؤتمَن الأول عليه، كما نحن أيضًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
مقالة جديدة من مقالاتي، أوجِّهها مرشدًا متواضعًا، ووسيلة سهلة، لطالبي وتلميذ العلم الحبيب.
 
مع التحية
أخوكم المحبُّ، والعبد الفقير لله، المعلِّم/ محمد بن نسيم بن عبدالقادر بن محمد بن أحمد آل علي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣