أرشيف المقالات

هؤلاء كلاب!

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
8 للأستاذ الحوماني (ليعلم أعيان الأدب والعلم في مصر االتنفس منهم يثير كل عربي في كل قطر عربي) يسألني السيد كرد علي، ونحن في وقاعة المجمع العلمي بالشام، وحوله قلة من زملائه: ما وراءك في مصر؟؟ فقلت: أن إخوانك في مصر يعتبون عليك بقسوة إذ لم تحسن ذكرهم في مؤلفك الأخير (المذكرات) فقال: أن هؤلاء كلاب.
. تلك هي الجملة التي صدمني بها وهو مزهو يتميز في كرسيه ثم يدور به إلى الجهة اليسرى ليقابل جاره وهو يقول: (الأستاذ الحوماني يأتينا من مصر بأخبار طريفة، بينما يعود إلينا الأستاذ المغربي من القاهرة وكأنه علينا من الصين) كنت ارقب ولو كلمة من هؤلاء الذين يحدقون بالسيد كرد علي كما تحدق البطالة متهمين مكانته شاخصين إلى وجهه حتى كأنه أرض المعبود، ولم نشأ صراحتي التي فطرت عليها أن اسكت، ثم لم يشأ لي الحق الذي ناديت عليه منذ كثبت وخطبت أن افر هذا الرئيس على زلته التي لا يتسع لها صدر الحر، ولا يجمل برجال المجمع العلمي أن يحدث مثلها في قاعة مجمعهم وهم شهود ثم يسكتون عليها - من اجل ذلك قلت له: ليس مثل هذا القول جديراً بإخوانك المصرين وفيهم من نحن مدينون لهم في علمنا وأدبنا وسياستنا؛ ولعل مصر وجهتنا الأولى وفي كل ما نتقوم به من عناصر الحياة. فأعاد القول محتفظاً بنفس الجملة وزاد عليها: انهم لا يريدون إلا التهويش.
ثم يقفل الباب ويتجه صوب السيد الهندي عباس إقبال يخوض معه في حديث كان ختام طعنه على مصر وأدباء مصر. وكنت حريصاً على أن أتفرس في وجوه القوم لعلي أرى منهم ما يشير إلى تذمر إنكار فإذا بهم صموت يتهامسون فيما لا يمت إلى حديث رئيسهم بصلة ما، وأذ بي لا أرى شافياً لنفسي غير أن أغادر مجلسهم هذا. وأعود إلى دأبي من الطواف على مجالس دمشق وأنديتها ومن أتوسم فيه الأدب والعلم والفن من رجالها، وعلى كل سمع ألقي هذا الحديث فإذا هم جميعاً ينكرون على (كرد علي) ما بدر منه، وإذا على كل لسان منهم شيء يصمونه به وإنه أصبح في الدور الأرذل من عمره حتى طلب إلى أديب فاضل أن أشفق على هذا الرجل، وأحبس قلمي عنه لأنه في دور يستحق الإشفاق. أما أنا فلم أر من كل ما دار هذا الحديث في مجالس هؤلاء الأساتذة: من وحوار ينتهي أكثره إلى أن هذا الرجل قد خرف، وإن هذه الزلة ليست الأولى منه. أقول: لم نجد في كل ذلك مكفراً عن سيئات هذا الرجل، وحائلاً دون أن اعلق على مجالسه بما يستحقه من تعليق: هؤلاء السادة، ومنهم من هو صميم المجمع، يقرون أنه اصبح ضعيف العقل، وأن أقواله ليست من المنطق بحيث يحاكم عليها، وانه إذ يقول فيزل، اخلق بإشفاق السامع الحكيم وتغاضيه من أن يحاسبه على قوله، ويعاقبه على زلته، هؤلاء السادة يقرون ذلك ثم جلسوا إليه ويحدقون ويخشعون ولا ينكرون عليه شيئاً مما يقول، فهل هم في ذلك مخلصون له ولمجمعهم ثم لأنفسهم من وراء ذلك كله؟ قد أعجب ويعجب القارئ معي أن كلامنا ينكر على الحكيم أن يكون مرؤوساً للسفيه وهو قادر على تحرير نفسه من رئاسته، وهل هم أعضاء المجمع أو الحكماء منهم يقرون بسفاهة رئيسهم ثم لا يفكرون في تحرير نفوسهم من سفاهته.
ولعلهم يفتخرون في انتسابهم إلى مجمع هذا رئيسه، ويحاسبون كل صحيفة تنشر أقوالهم غفاً من هذا الانتساب. ما أسفه الناس إذ يضعون حداً للمناظرة في العوم والآداب، والمناظرة نوع من الأدب المطلق الذي يكبر عن التحديد، فكم يعجبني قول الأمام علي، هو يوصى بالتواضع ويبالغ في الحث على التخلق به حتى قال: التكبر على المتكبر هو عين التواضع) فإذا صدق في عرف أمام البلغاء أن التكبر قد يكون تواضعاً حيناً ما، فلم لا يصدق على السفاهة في الأدب أن تكون عين الحكمة حينا ما؟؟ فلنخاطب كرد علي بنفس المنطق الذي يخاطب به الناس، أفليس أدبيا في عرف المستخذين له، فإذا خاطبناه بمنطقه لم نخرج في عرف هؤلاء المستخذين عن حدود الأدب، والسيد كرد على، إذ يعلم أركان مجلسه وأعضاء مجمعه أن الأدب رهن بمثل هذا المنطق، خليق بان يناظر فيه، لأنا نسيء إليه والى المجمع العلمي إذ نتجاوز عنه فيحسب أنه على حق ويتمادى في غيه فنكون أداة لتضليه فيما يقول. لنسأل هذا (الأديب) عن أي المصريين من علماء وأدباء يستحق لقب الكلب في منطقة؟؟ ثم يستحق هذا المصري أن ينزه رئيس المجمع بهذا اللقب في ندوة المجمع وهي مشاع لأعيان العلم والأدب في الشام التي تؤاخي مصر، وعلى مسمع من أناس لا يرون في مصر إلا العلم والأدب اللذين هما علم الشام وأدبه، ثم لا يروني مجمع العلم المصري إلا أخوانا يتضافرون معهم على أحياء التراث العربي وتغذية هذا التراث بما يعززه وينميه على التاريخ؟؟ لقد زرت مصر وزرت فيها منتدى لجنة التأليف والترجمة والنشر اكثر من مرة يجتمع أعضاء هذه اللجنة على رأس كل أسبوع فإذا هم مجمع علمي أدبي يضم أعيان العالم العربي اليوم أمثال أحمد أمين وأحمد حسن الزيات وأحمد موسى وتوفيق الحكيم وعبد المنعم خلاف ومحمد فريد أبو حديد ومحمد عبد الله عنان ومحمد عوض محمد وعبد الوهاب عزام وحسين مؤنس ومحمود الخفيف وإبراهيم المازني وزكي نجيب محفوظ وكثير غيرهم؛ وكانت مجامهم هذه تفيض بالحوار العبقري حول ما يضطرب له العالم من مشكل سياسي وأدبي واجتماعي، فكنت والله اذكر بمجالسهم ما نقرأ عنه في عهد المأمون من مرابد ومعاهد، فهل في هذا المجلس من يستحق ما ينبره كرد علي به من تلك الألقاب؟ ينقل إلى السيد أنور العطار: إن كرد علي هذا عندما رجع من مصر كان داعية كبرى لهؤلاء انفر أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر (وإنهم بالغوا في الحفاوة به، وانهم بعد تكريمه ادخلوه حجرة راعه منها شكل هرم كبير مكون من الكتب التي أخرجتها هذه المؤسسة من عالم الخط والعجمة إلى عالم الطباعة والتعريب، وقد كان هذا الهرم معداً ليهدى إلى رئيس المجمع العلمي العربي الذي يطلق بعد الإهداء على لمهدين لفظ الكلاب.
!! وزرت دار الأهرام فجلست إلى أسرتها التي تتألف من الأساتذة زكي عبد القادر وكامل الشناوي وأحمد الصاوي وعزيز ميرزا ومحمد الكاظم وغير هؤلاء ممن نقرأ لهم في الأهرام أم الصحافة في العالم العربي وفي غيرها من مؤلفات وصحف، فهل في هؤلاء من يلمزهم السيد كرد علي فيصدق عليهم لفظ كلاب؟؟ وزرت إدارة الثقافة بوزارة المعارف مراراً وفيها من أعيان الأدب والفن أمثال الأستاذ مفيد الشوباشي وزملائه الأدباء كامل محمود حبيب وأنور المعداوي وعباس خضر وأحمد عطيه وبدران والمنفلوطي وغيرهم من أعيان مصر، وكانت لهم في هذه الدار جولات في الأدب والسياسة والفنون تغذى العام العربي كله، فهل هؤلاء الذين ينهم أبو (طريف) بقوله: انهم كلاب؟؟ وكنت أزور المجمع اللغوي فاجتمع فيه إلي ثلثه من أهل العلم والأدب أمثال عباس العقاد وعبد الوهاب خلاف ومحمد الخضر حسين وعلى الجارم ولطفي السيد وكثير من أمثالهم يتناجون قبل البحث في ما يهذب اللغة العربية اليوم من تراثها المنسي وفيهم الحكمة والنضج والتفكير الذي يسود أقوالهم.
فهل في هؤلاء من يعينهم أبو (الخطط) بقوله: انهم كلاب؟ وزرت ندوة (الرسالة) وفيها يأتمر أعيان الأدب مساء كل اثنين من كل أسبوع فيحتدم بينهم ساعات يختمر فيها الفكر بما يدور عليه الحوار، وعلى رأس المؤتمرين شيخ الأدباء أبو علاء صاحب الرسالة التي سلخت ثمانية عشر عاماً من حياته وهو يعالج بها أدواء الأمة في علمها وأدبها حتى وشكت أن تأكل كبده، وتذهب بنصره في هؤلاء من يستحق لقب الكلب على لسان التالد أبي طريف؟؟؟ من أهم الكلاب أيها الرجل وأي الرجل هم هؤلاء الذين تصمهم بما أنت فيه؟ في الجامع الأزهر عند الأساتذة فريد وجدي وعبد اللطيف دراز وعبد المجيد سليم؟؟ أم في الندوة الأدبية عند علوية باشا وأحمد فهمي العمروسي وكامل الكيلاني ومصطفى الماجي وأمين حسونة والعوامريأم في دار الهلال عند أباظه والطناحي ومؤنس؟؟ بلى.

لعلك تعنى بلمزك النقر القائم على تهذيب الأمة في جامعت فؤاد وفاروق تفيضان عل الأمة العربية بخير؟ يا لله الذين يقبضون على زمام الحكم فيها وهم زعانف الأمة، عنيت بالحكم حكم أدب لا السياسة، هذا هو أحد الحكام فيها يجلس إلى منصته ثم يتلفت فيرى حوله إخلاصا من الناس يحسب نفسه السيد فيهم، فيتنحنح ويقول: أن في مصر أناسا يعدهم الناس أعيان علم وأدب وليسوا في الحقيقة إلا كلاباً لا تريد إلا التهويش. ولماذا؟ لأنهم لم يعطوه حقه فيما كتب؟ وماذا كتب!؟ رحم الله رضا الركابي إذ كان يقول: (الغريب في هذه الأمة العربية كيف تستخذى للأمر دون أن تفكر في كنهه؟؟ أن جل أهل الرأي من العرب يعلمون أن محمد كرد على إنما اخذ مكانته فيهم بعمله للفرنسي وهو إلى جانب التركي يتملق له، ثم يعلمون أنه وهو يعمل للتركي كان يفتئت على العربي؛ فعمله (الصالح) أذن كان مزدوجا، ومع هذا كله اقروه على مكانته التي كانت وليدة هذا الازدواج). ويقول عندما اخرج كرد علي كتابه (الخطط) إذا لم يمكن إحراق كرد فلا اقل من إحراق كتابه هذا لما فيه من خلط يعود بأسرة على أمة التي أقرت كونه رئيساً للمجمع العلمي فيها، والخلط في كتابه هذا مائل بين حملاته البهتانية على أهل بيت الرسول باسم الدين وكلنا يعرف منزلته من الدين.
وبين طعنه على الأتراك اليوم، وقد أخر كتاباً بمدحهم فيه بالأمس، وبين كذبه في أن الشام خرجت بأسرها لاستقباله يوم عوده من منفاه، بينما كنت في الشام وعفنت الذين استقبلوه هم بضعة نفر من آذانه وأذناب المستعمر. هذا حديث أفضى به إلى حد أعضاء المجمع العلمي ورجائي آن اكتم اسمه إذ لا يرى من الضرورة التصريح به حتى إذا لزم هذا التصريح كان مستعداً للتصديق على ما يقول.
وينقل إلى فاضل آخر من آل أبي الشامات، ونحن في مجلس الأستاذ نهاد القاسم في دمشق فيقول: (لقد عرض جمال باشا السفاح على أبي توقيع عريضة يثبت فيها صحة الحكم بإعدام الحسين بن علي أبي فيصل من طريق الشرع فآبى والدي هذه الفتوى.
ثم زاره السفاح مرة أخرى على انفراد وقال له: أنا اعلم أن السبب في عدم توقيعك انك طلبت من أنور باشا إعفاء السيد رشدي الشمعة من الإعدام فلم يشفعك فيه.
تم اخرج السفاح من جبينه خطاً بتوقيع كرد علي يخاطب فيه السفاح بقوله: إذا لم تعدم رشدي الشمعة فليس في هؤلاء المحكومين من يستحق الإعدام. ويقول هذا الفاضل: زار المستشرق الفرنسي ماسنيون دمشق ثم قصد المجمع ليأخذ من كرد على، وكان غائباً فقلت للمستشرق أن الذي تحاول النقل عنه كذاب)
فقال: وما يهمنا من ذلك ما دام أفكارنا وسياستنا.
ويقول الناقل: إن السيد أمين سعيد كان شاهد هذا الحديث. تلك هي سيرة هذا الرجل في بلده واقبح من ذلك أنه لم يتورع في ختام (خططه) عن الطعن الشائن الذي وجهه للمرحوم الدكتور رضا سعيد مؤسس لجامعة السورية ورئيسها ثم لا يندى جبين زملائه الحافين به خجلاً حين يقرون هذا الطعن وهم يرون بأم أعينهم مئات الشباب المثقف يتخرجون من الجامعة السورية بفضل فقيدها على رأس كل عام ولم تتحرك في واحد منهم عاطفة نبيلة تدفعه للدفاع عن الحق وراء بهتانه هذا. تلك هي أثار كرد على: كتاب الخطط يطعن فيه أعيان الأمة قديمهم وحديثهم، ومذكراته المحشوة بالبهتان على أعيان مصر علماء وأدباء وما عدا ذلك حديث يليه في ندوة المجتمع كل يوم ينال فيه من قوم نحن مدينون لهم في كلما نعتز من حياة، فعلى أي عذر نقيمه في كل ذلك؟؟ وبأي منطق نناقشه الحساب، وهو في مكانه هذا من رجال الأمة؟؟ هل يفيد معه أدب في المنطق المهذب؟؟ أم يكون المنطق غير سلم معه الدعوة إلى لحن بالحكمة والموعظة الحسنة؟ فأي منطق يستقيم في تأديبه وهو يبز أخبار أمة أعلامها أمثال لطفي السيد باشا وأحمد أمين وأحمد الزيات وطه حسين وعباس العقاد وأحمد بدوي وعبد الرزاق السنهوري ومحمد علي علوبه ومحمد فريد وجدي، أقول: أي منطق يستقيم في تهذيب كرد على نحت سماء المجمع العلمي بالحكمة والموعظة الحسنة وهو ينبز هؤلاء بالكلاب؟؟ دمشق الحوماني صاحب مجلة العروبة

شارك الخبر

المرئيات-١