أرشيف المقالات

هم العدو فاحذرهم

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
هم العدو فاحذرهم


بعد حمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله وسائر رسله الكرام، ورضي الله تعالى عن أصحابه ومن تبعهم بإحسان، وبعد:
• ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4].
يخادعون الله وهو خادعهم، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا، كفروا بعد إسلامهم، فلا تعجبك أولادهم ولا أموالهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، هم المفسدون ولكن لا يشعرون، يتربصون بنا الدوائر، ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبدًا، ولا تقم على قبره.
 
• فمَن هؤلاءِ؟
إنهم أصحاب حضارة عارية عن الأخلاق، تتهاوى الفضيلة تحت أقدامهم، أفاعٍ متنكرة في ثياب ملائكة، فإذا كان من الناس من يستطيع أن يتصيَّد الأفاعي الحيوانية، فأنَّى لنا بمن يستطيع أن يتصيَّد الأفاعي البشرية؟
• هؤلاءِ الذين انتشروا في المجتمعات الإسلامية، في هذه الأيام العِجاف، فلا يخلو منهم نادٍ ولا وادٍ ولا مجتمع، تظاهروا بالإسلام وتمسَّحوا به وليسوا من أهله، بل هم - والعياذ بالله - من جند الشيطان لا من حزب الرحمن، مُلِئَت قلوبهم بالكِبْرِ، ذكرهم لله تعالى قليل ولدنياهم كثير، أمام الناس ينشطون، وإذا خلوا إلى أنفسهم يتكاسلون.
• هُم كالشاة العائرة لا تدري أين تتجه، كالحرباء المتلوِّنة، يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم.
• هم العَدُوُّ حقًّا، يأمنهم المرء، وهم يكيدون له في الخفاء، فيطعنونه طعنة قاتلة.
• يَسْخرون من الإسلام والمسلمين، ويركبون كل صعب وذلول من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيئة الحقيرة.
• ألسنتُهم عَذْبة، ومَنطِقُهم جميل، وقلوبهم تَقطُر غِلاًّ وحِقْدًا وقَطِرانًا أسود على أهل الإسلام والعاملين به.
• قلوبهم عن الخيرات لاهية، والفاحشة في فجاجهم فاشية، إذا سمعوا الحق كانت قلوبهم عن سماعه قاسية، إذا حضروا الباطل وشهدوا الزُّورَ انفتحت أبصار قلوبهم وكانت آذانهم واعية [1].
• جهادهم وبغضهم من أعظم الطاعات والقربات.
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 9].
 
• ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾:
كنت أظنها نزلت في شياطين الجنِّ، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60]، أو الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [النساء: 101]، أو غيرهم، ولكني وجدتها نزلت في المنافقين، فقد جمع أهل النِّفاق صفات المشركين واليهود، وقاموا بالدور الأساسي الذي يقوم به شياطين الجن، فاستحقوا أن يكونوا: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾ [المنافقون: 4].
• فأعداء المسلم الذين يجب أن يعرفهم، ويحذر منهم، ولا يأمَن لهم، ولا يتخذَهم بطانة له، أشدُّهم هُم هؤلاء الثلاثة: (المنافقون، والكافرون، وشياطين الجن)، والأول والثاني يمثلان (شياطين الإنس).
• بليَّة الإسلام بهم شديدة جدًّا، لأنهم إليه يُنسَبون، وهم في الحقيقة أعداء أخفياء، يهدمون الإسلام من داخل حصونه.
• فيا لله! كم من معقل للإسلام قد هدَّموه!
وكم من حصن له قلعوا أساسه وخرّبوه!
وكم من عِلْم له قد طمسوه!
وكم من لواء للإسلام كان مرفوعًا فوضعوه!
فلا يزال الإسلام منهم في مِحْنة وبليَّة، ولا يزال يطرقه من شُبههم سرية بعد سرية، لأنهم يعملون في الخفاء، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون.
 
• يظهرون عندما تنتصر الدعوات ويرتفع شأنها وتعلو كلماتها، وتصبح هي سيدة الموقف والأمر بيدها، ويضحي الحل والعقد بيد أهلها.
حينئذ يُقبل هؤلاءِ أصحابُ النفوس الضعيفة، وذوو الأطماع والشهوات لنيل أطماعهم، والحصول على مآربهم، وإرضاء شهواتهم الخسيسة، فيندسُّون بين صفوف المؤمنين، ويستترون تحت ثياب المجاهدين..
يظهرون للناس في أثواب المنقِذين والمخلِّصين، في أثواب ملائكية طاهرة تخفي تحتها نفوسًا شيطانية متمرِّدة.
• يَبدون في مظهر الأبرار، ويعملون عمل الأبالسة الأشرار.
• انطوت سريرتهم على الحقد لدعاة الإسلام، وللدعوة وأهلها، لا يجدون فرصة للكيد لهم إلا اقتنصوها.
• أولئك ما يكادون يشعرون بانتصار الدعوة وجنودها حتى يرتموا في أحضانها، ويتوافدوا على أعتابها، لا انتصارًا لها، ولا فرحًا بعُلُوِّ كلِمتها..
إنما يبغون بذلك السلامة لأنفسهم بالانضمام إلى صفوفها، واللحاق بركبها..
ثم يتخذون من ظلام الليل أستارًا لتدبير مكائدهم..
يُظهِرون الإيمان ويُبطِنون بغضه وبغض أهله، انطوت سريرتُهم على الحقد والكيد.
قال الله فيهم: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].
 
• ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾ [المنافقون: 4]
إنهم موضوع رسالتنا، إنها (قصة المنافقين في كل زمان ومكان).
حيث: (التعريف بهم، وبيان خطورتهم، وبيان صفاتهم وعلاماتهم، وكيفية التعامل معهم، وكيفية دعوتهم إلى التوبة والإصلاح والإخلاص حتى يكونوا مع المؤمنين...)، وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا.
 
إن الحديث عن المنافقين له فائدتان:
الأولى: معرفة القلاقل والآلام التي أصابت الإسلام والمسلمين من شرِّهم ومكائدهم.
الثانية: إنارة السبيل أمام المؤمنين، والتعريفُ بهم، وسدُّ الطريق أمام تلك الأفاعي البشرية لكفِّ سمومها عن الأمة المسلمة.
لأن مِحنة النِّفاق أخطر محنة يُصابُ بها المؤمنون، غير أنها أقدر مِحْنة على تخريج الرجال العاملين [2].
﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]

[1] صفات المنافقين، لابن القيم رحمه الله، ص (22).

[2] وجدير بالذكر أنني قد استفدت كثيرا في هذا البحث من مؤلف كتاب (شُعَب النفاق) حفظه الله، وأسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناته، وأن يحفظنا جميعًا من النفاق وآفاته.

شارك الخبر

المرئيات-١