أرشيف المقالات

الكتب

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 وميض الأدب بين غيوم السياسة لصاحب المعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا بقلم الأستاذ أحمد أحمد العجمي معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا وزير المواصلات ورئيس جامعة أدباء العروبة علم من أعلام الشعر والأدب والسياسة، وهو بشخصه العظيم وأدبه الرفيع في غنى عن الإشادة بذكره والتنويه بفضله.
وآخر الدلائل على علو منزلته في الشعر والنثر، ورسوخ قدمه في النقد والتحليل، كتابه القيم (وميض الأدب بين غيوم السياسة). ولعل السبب الأول في نشر هذا الكتاب حب المؤلف للشعر حباً سافراً متوقداً يجعله يقول عن القصائد: (وقد أكبر بعضها فأقرؤها واقفاً عند الوثبات التي تتخلل الشعر.

والشعر سحر وفتنة، وقد افتتنت به؛ وفيه خيال، وفي الخيال تسلية ولذة؛ وهو موسيقي، وفي الموسيقى طرب وترويح وبهجة؛ وهو مناجاة تتصل بالروح فتستولي على الشعور وتملك الوجدان.
وأعتقد أن الذي لا يهتز لجيد الشعر جاهل أو بليد، أما الجاهل فلا شأن لنا به، وأما البليد فله عذره، لأنه لم يخلق نفسه، على ألا يلوم غيره، وويل للشجي من الخلي)
. بهذا الكلام الجميل، وبهذا الشعور العميق، وبهذا القلم الصناع تناول المؤلف في كتابه أكثر الشعراء والكتاب المعاصرين، فتحدث عن حافظ إبراهيم في موضعين حديثاً ألم فيه بميلاده ونشأته ونواحي نبوغه وذيوع شعره وما كان بين حافظ وبين (بني أباظة) من ود وإعجاب.
ثم كتب عن شوقي فصلاً صور فيه سحره وعبقريته وجمعه بين الثقافتين العربية والغربية، وتوفيقه البارع في نظم رواياته الشعرية خاصة (مجنون ليلى) التي كان المؤلف يحفظها عن ظهر قلب.
وسجل لأحمد محرم أكبر نصر ظفر به حين قال عنه: إنه شاعر الإسلام غير منازع في عصرنا هذا، وأشاد بالإلياذة الإسلامية ورجا من معالي وزير المعارف طبعها. وكتب عن خليل مطران بك شاعر القطرين وأبدى إعجابه بتقدير الناس له وكيف انعقد الإجماع على حبه، ونوه بتجديده وبشعره الرقيق في الغزل وقال: إنني مولع بشعر مطران كل الولع. ثم كتب المؤلف مقدمته الخالدة لديوان الدكتور إبراهيم ناجي (ليالي القاهرة) فأفاض في الحديث عن الجديد والقديم، وعن اللفظ والمعنى، وعن طرق تعبير المدرسة الحديثة في الشعر، وكيف قوبلت هذه المدرسة بالحرب العوان، وكيف انتصرت هذه المدرسة التي يمثلها ناجي.
وأشار إلى الفروق الدقيقة بين المدرسة القديمة والمدرسة الحديثة في الشعر والتفكير، وإلى شخصية ناجي وطابعه الواضح وعاطفته المتأججة في كل أشعاره الطريفة، وقال عنه: إنني لأحب هذا الشاعر كل الحب، ولا أعتقد أن حبي طغى على تقديري له، فهو شاعر رقيق تصل معانيه إلى قلبك قبل أن تصل إليه ألفاظه في طلاوة وسهولة.
وقال: إن ديوانه يمثل نهضة الشعر المعاصر وتطوره.
ولعل هذا الفصل أبدع وأروع فصول الكتاب. ثم أبدى المؤلف إعجابه بالأستاذ محمود غنيم وقال: إن ديوانه (صرخة في واد) صرخة الأدبالرفيع سيرن صداها على مدى الأجيال بين آفاق العروبة.
ونوه بخصائص الأستاذ العوضي الوكيل في ديوانه الجميل (أصداء بعيدة) وأظهر خصائصه قدرته على سرعة النظم سرعة تكاد تكون ارتجالاً، وإجادته في الربيعيات خاصة في ديوانه (أغاني الربيع)، ونظم الشعر الرائع في أسرته وأولاده حتى أعد ديواناً كاملاً سماه (عالمي الصغير).
وقال المؤلف عن الشاعر: فأنا إذ أقدمه إلى قراء الشعر العربي الحديث أقدم موضوعاً كاملاً من الأدب العالي والفن الرفيع. وقص علينا كيف لقي الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي في (غزالة) لأول مرة في مقدمته لديوانه (أحلام الفجر) - وسيصدر قريباً - وقال عنه: إنه شاعر تنبض العاطفة الجياشة في كل ما يصادف القارئ من قصائده ومقطوعاته، وشبه ديوانه بالمعرض الفني العظيم، وعلل كيف يراه بحترياً متنبياً في آن، أو شوقيَّ عقاديَّا معاً. ويمتاز ما كتبه الناقد العبقري صاحب (وميض الأدب) في الشاعرين: العوضي والغزالي بقوة التحليل ودقة التعليل وبراعة التدليل والربط بين الشاعرين وأشعارهما برباط محكم لصلتهما به منذ زمان طويل. وفي وميض الأدب كلمة عن الأستاذ الصاوي شعلان صدر بها كتابه (حكمة الشرق) وبين فيها مقدرته على الترجمة ومعرفته كثيراً من اللغات وفي الكتاب نص الكلمة القيمة التي نشرت في صدر الرسالة منذ شهور بعنوان (أدباؤنا المعاصرون) يليها نموذج رائع من شعر الشاعر الكبير دسوقي باشا بعنوان (مصر والصين) وهو شعر جدير بوزير.
ولابد من التنويه هنا بأبحاث عظيمة في الكتاب مثل (لماذا حاربنا الصهيونية) و (من مهرجان العروبة) وقصيدة العقاد في تكريم المؤلف، وهي قصيدة قيمة، ومقدمة ضافية للعقاد في صلة الأباظية بالأدب وحبهم له، ومنزلة الدسوقي باشا وفضله على الأدب والأدباء، وفي آخر الكتاب كلمة مناسبة للناشرين. هذا عرض سريعلفصول الكتاب الذي وفق فيه معالي إبراهيم دسوقي أباظة باشا ودل على مقدرة بارعة وإحاطة واسعة بوفرة ما تمثل به من أشعار الشعراء، وكان اختياره الحسن دليلا ناطقاً وبرهاناً صادقاً على ذوقه الرفيع. ولم يخل الكتاب من مناقشات طريفة لبعض آراء كبار الأدباء، كمناقشة المؤلف رأي الأستاذ عباس محمود العقاد في الشاعر المجدد خليل مطران، ومناقشته رأي الدكتور طه حسين بك في مرائي الشاعر الخالد حافظ إبراهيم للأباظيين، ومناقشته رأي أستاذ الجيل لطفي السيد باشا في شوقي وحافظ، والمؤلف يبدي آراءه ويدلي بحجج قوية ناصعة تخالف هؤلاء الأعلام، والرجوع إليها في الكتاب أفضل من تلخيصها في كلمات. وللمؤلف تعبيرات جديدة محكمة كقوله: لغة الشعر غير لغة القاموس؛ وتعبيرات سديدة حاسمة كقوله: في رأيي أن الشاعر المجدد تعنيه الفكرة ويتصباه الموضوع، وربما أبعده هذا عن جمال الأسلوب وإشراق الديباجة وحلاوة التعبير؛ وتعبيرات لغوية دقيقة كقوله: أمسى اليتيم لطيما (واليتيم من مات أبوه واللطيم من مات أبواه والعجي من ماتت أمه) وتعبيرات ساخرة لاذعةكقوله: فليسمح لي الدكتور طه المعجب بالفيلسوف ديكارت القائل بنظرية الشك أن أشك في إسنادههذا الرأي لأستاذنا الكبير لطفي السيد باشا؛ وتعبيرات لطيفة ظريفة مرحة كقوله في التعليق على قول مطران: أقسمتُ ما أشركتُ فيكِ ولم يكن ...
لي في الهوى دينٌ سوى التوحيد بهذا البيت اعترف المطران بالإسلام دين التوحيد فاشهدوا عليه!! وتعبيرات أخرى يخفى مدلولها على كثير من القراء كقوله: هل يكون الشاعر الأول - بين شعراء الشباب - إبراهيم ناجي أم أبا فاشا أم غنيما أم العوضي الوكيل أم أحمد الغزالي أم مخيمرا أم حماما؛ وكتابة الأسماء بهذا الشكل الملفوف فيها ترتيب مقصود إلا في اسم أو اسمين. وفي الكتاب بعض آراء تقبل المناقشة، ولا خير في كتاب أدب وشعر ونقد ليس فيه آراء تقبل المناقشة، كقول أديبنا الكبير في شوقي: (تستدبر الأجيال ألف عام حتى تعثر على من يقف في صفه ويصح أن يقارن به، شاعر واحد بعد ألف عام لك أن تفاضل بينه وبين شوقي - إنه المتنبي) هذا كلام يمليه حب شديد لشوقي يوشك أن يكون غلواً أو تعصُّباً، والمتنبي يفوق شوقي بقدر ما بينهما من عدد السنوات!! وقد فضل المؤلف قصيدة خليل مطران على قصيدة حاقظ إبراهيم في رثاء البارودي، وهي القصيدة المشهورة التي مطلعها: ردوا عليّ بياني بعد محمود ...
إني عييتُ وأعيا الشرر مجهودى بسبب بيت واحد في قصيدة مطران هو: على الشمس أن تهدي المبصرين ...
وليس على الشمس أن تبصرا! والبيت رائع جداً ولكن قصيدة حافظ أفضل بالرغم من أنها لاصقة بالشعر القديم، وإن كان مطران أعظم من حافظ مع كراهيتي الشديدة تفضيل شاعر على شاعر فلكل فنان مزاياه. ويقول المؤلف: محمود غنيم شاعر مرموق المكانة يقف في طليعة الرعيل الأول من شعرائنا المعاصرين وليس في بلاد العرب من لا يعترف له بذلك! ويبدو أنني - بحق وصدق - من بلاد العجم، لأنني لا أعترف بأن (محمود غنيم) في طليعة الرعيل الأول من شعرائنا المعاصرين مع إعجابي بفنه الرفيع. بقيت كلمة في أسلوب صاحب الكتاب، وقد قدمت منه نماذج كثيرة، وهو أسلوب ناصع اللون، واضح الجرس والرنين، جزل سهل متين النسج، أقرب إلى الطبع من الصنعة، وأدنى إلى السحر من الشعر، وإنه لسحر مبين. أحمد أحمد العجمي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن