Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73


لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بقباء بضع عشرة ليلة، وأسس فيها المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته من قباء فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل».

ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد، ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول، وهو ينقل اللبن: "هذا الحمال لا حمال خيبر، هذا أبر ربنا وأطهر.

ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخره، فارحم الأنصار، والمهاجره" وعن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف.

فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار، فجاءوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بني النجار فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا».

قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله.

فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خرب وفيه نخل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: «اللهم لا خير إلا خير الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره».

 قال عبد الله بن عمر، " إن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل.


كان من آثار هجرته صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة تلك المؤاخاة التي حدثت بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، حتى كان يرث بعضهم بعضا في أول الأمر.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: {ولكل جعلنا موالي} قال: «ورثة»: {والذين عاقدت أيمانكم} قال: " كان المهاجرون لما  قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه؛ للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت: {{ولكل جعلنا موالي} نسخت".

ثم قال: {والذين عاقدت أيمانكم} «إلا النصر، والرفادة، والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له».

وعن أنس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنإ حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم».

وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي  زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها.

قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع.

قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوجت؟».

قال: نعم.

قال: «ومن؟»، قال: امرأة من الأنصار.

قال: «كم سقت؟»، قال: زنة نواة من ذهب -أو نواة من ذهب- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أولم ولو بشاة».


غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بدر الأولى حتى بلغ وادي سفوان؛ حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره يطلب كرز بن جابر الفهري، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان أبيض، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وكان كرز قد أغار على سرح المدينة -الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة- فاستاقه، وكان يرعى بالحمى، فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ واديا يقال له: "سفوان" من ناحية بدر، وفاته كرز ولم يلحقه، فرجع إلى المدينة.


كان سببها أنه لما قتل أصحاب بئر معونة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو، فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.
.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين، وكانت منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها.

قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة: ثم خرج رسول الله إلى بني النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري؛ للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما.
.
.
.

فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه.

ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم، فقال: أنا لذلك.

فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة.

فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم.

ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها.

فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟! وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي بن ابن سلول، ووديعة، ومالك بن أبي قوقل، وسويد، وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، إلا الحلقة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وخلوا الأموال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت لرسول الله خاصة)، وقد ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجلى بني النضير.

وفيهم نزلت سورة الحشر.


كانت غزوة دومة الجندل -موضع على طرف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة- في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة.

وسببها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بدومة الجندل جمعا كثيرا من القبائل، وأنهم يظلمون من مر بهم، وينهبون ما معهم، وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة لمهاجمتها؛ فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من المسلمين، فكانوا يسيرون الليل، ويكمنون -يستترون- النهار، ومعه صلى الله عليه وسلم دليل له من بني عذرة يقال له: (مذكور)؛ فلما دنوا من دومة الجندل، هجموا على ماشيتهم ورعاتهم، فأصابوا ما أصابوا منهم، وهرب من هرب في كل وجه؛ فلما علم أهل دومة الجندل تفرقوا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا؛ فأقام بها أياما وبث السرايا وفرقها، فرجعت ولم تصب منهم أحدا، وأخذ منهم رجل؛ فسأله رسول الله عنهم، فقال: هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم؛ فعرض عليه الإسلام فأسلم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا.


هي من أعمال المدينة، تقع شمالي نجد وهي طرف من أفواه الشام، بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة.

أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنو إلى أداني الشام، وقيل له: إن ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعا كبيرا وأنهم يظلمون من مر بهم، وكان لها سوق عظيم وهم يريدون أن يدنوا من المدينة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: مذكور، هاد خريت.

فلما دنا من دومة الجندل، أخبره دليله بسوائم بني تميم، فسار حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد فيها أحدا، فأقام بها أياما، وبث السرايا ثم رجعوا، وأخذ محمد بن سلمة مسلمة رجلا منهم فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى الغمر -ماء لبني أسد- في أربعين رجلا، فيهم: ثابت بن أقرم، وشجاع بن وهب؛ فخرج سريعا ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم، ووجد ديارهم خلوفا -أي: أهلها غائبون-، فبعث شجاع بن وهب طليعة؛ فرأى أثر النعم، فتحملوا فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فأمنوه، فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها، فاستاقوا مائتي بعير؛ فأرسلوا الرجل، وساقوا النعم إلى المدينة، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بقديد، وكان بنو الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سويد، فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر، فشنوا الغارة في الليل فقتلوا من قتلوا، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل عظيم حال بين الفريقين.

ونجح المسلمون في بقية الانسحاب.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ذات أطلح بقيادة كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلا إلى بني قضاعة؛ حيث كانت قد حشدت جموعا كبيرة للإغارة على المسلمين، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، وأرشقوهم بالنبل حتى قتلوا كلهم إلا رجلا واحدا، فقد ارتث من بين القتلى.


كانت بنو هوازن قد مدت يد المعونة لأعداء المسلمين مرارا, فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلا، وهم بالسي, ناحية ركبة, من وراء المعدن, وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره أن يغير عليهم, فكان يسير الليل ويكمن النهار, حتى صبحهم وهم غارون، وقد أوعز إلى أصحابه ألا يمعنوا في الطلب، فأصابوا نعما كثيرا وشاء, ولم يلقوا كيدا, واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة, واقتسموا الغنيمة, فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل, وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وكان مغيبهم خمس عشرة ليلة.


اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، حتى اشتد وجعه وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».

واستغرق مرضه عشرة أيام، قال ابن حجر: (واختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما، وقيل بزيادة يوم، وقيل بنقصه، وقيل: عشرة أيام.

وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح)
.

ثم توفاه الله تعالى يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد تم له من العمر 63 سنة، وكفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه أرسالا، ودفن في مكان موته في حجرة عائشة رضي الله عنها، وجزاه الله تعالى عن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته.


توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينص على الخليفة من بعده صراحة - وإن كانت هناك إشارات ودلالات من النبي صلى الله عليه وسلم على تولية أبي بكر -والله أعلم- ثم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا رجلا منهم، وهو سعد بن عبادة، فحضر المهاجرون إليهم، وأخبرهم أبو بكر أن هذا الأمر يجب أن يكون في قريش، فهم أوسط العرب نسبا ودارا، ثم رشح عمر، أو أبا عبيدة للخلافة؛ ولكن عمر أبى إلا أن يبايع لأبي بكر، مبينا فضله وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.

فبايعه عمر، ثم بايعه أهل السقيفة، ثم بايعه الناس في اليوم الثاني البيعة العامة، أما تخلف علي عن البيعة في السقيفة فكان لانشغاله بتجهيز وتكفين النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما يقال من أنه تأخر عن البيعة حتى وفاة فاطمة رضي الله عنها فليس له مستند صحيح، ويبعد أن يبقى ستة أشهر غير مبايع له وهو الذي أعانه وكان تحت إمرته كل تلك الفترة، وخاصة في حروب الردة، بل إن البيعة الثانية من علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنهم كانت تأكيدا للبيعة الأولى وحسما لمادة الفتنة.


كان زيد بن حارثة قد استشهد في مؤتة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو تلك الجهات جهز جيشا وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يصل إلى البلقاء، فتجهز الجيش وتعبأ، ولكن هذا الجيش لم ينفذ بسبب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تولى أبو بكر الخلافة كان أول شيء فعله هو إنفاذ جيش أسامة وإرساله كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن أبا بكر قد أشاروا عليه بعدم إرساله لكنه أبى إلا إنفاذ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه، وشيعهم أبو بكر بنفسه ماشيا، وأوصى الجيش، وكان من آثار هذا الفعل من أبي بكر دلالة على بقاء قوة المسلمين وارتفاع معنوياتهم.


قامت وقعة الولجة بين الفرس والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، والولجة مكان في العراق، وسميت المعركة باسمه لوقوع الأحداث فيه, لما وقع الخبر بأردشير بمصاب قارن وأهل المذار، جند الملك جيشا عظيما من قبيلة بكر بن وائل والقبائل الأخرى الموالية له, تحت قيادة قائد مشهور منهم يدعى الأندرزغر, وكان فارسيا من مولدي السواد.

وأرسل بهمن جاذويه في إثره ليقود جيوش الملك, وحشر الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر ومن عرب الضاحية, فلما اجتمع للأندرزغر ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه، وأجمع السير إلى خالد، ولما بلغ خالدا وهو بالقرب من نهر دجلة خبر الأندرزغر ونزوله الولجة، نادى بالرحيل، وخلف سويد بن مقرن، وأمره بلزوم الحفير، وتقدم إلى من خلف في أسفل دجلة، وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة، وترك الاغترار، وخرج خالد سائرا في الجنود نحو الولجة، حتى نزل على الأندرزغر بالولجة، فاقتتلوا بها قتالا شديدا، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ خالد كمينه، وكان قد وضع لهم كمينا في ناحيتين، عليهم بسر بن أبي رهم، وسعيد بن مرة العجلي، فخرج الكمين في وجهين فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم، وكانت الهزيمة كاملة؛ ففر الفرس وفر العرب الموالون لهم, بعد أن قتل وأسر منهم عددا عظيما, ومضى الأندرزغر منهزما, فمات عطشا في الفلاة, وبذل خالد الأمان للفلاحين؛ فعادوا وصاروا أهل ذمة, وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم.


كتب هرمز إلى أردشير وشيرى بخبر مسير خالد إليه من اليمامة، فأمده بقارن بن قريانس، فخرج قارن من المدائن حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة، فعسكر قارن وفلول الفرس بالمذار بالقرب من نهر دجلة، واستعمل على مجنبته قباذ وأنوشجان، ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفيء على من أفاءه الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبي بكر.

ثم خرج خالد سائرا حتى نزل المذار على قارن في جموعه، فالتقوا وخالد على تعبيته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى فابتدراه، فسبقه إليه معقل فقتله، وقتل عاصم بن عمرو الأنوشجان، وقتل عدي بن حاتم قباذ, وقتلت فارس مقتلة عظيمة، فركب الفرس السفن، ومنعت المياه المسلمين من طلبهم، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفيء، ونفل من الأخماس أهل البلاء، وبعث ببقية الأخماس،  وقيل: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق، ولولا المياه لأتي على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة.

ثم أخذ خالد يسبي ذراري المقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوا، وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء، فأجابوا وتراجعوا، وصاروا أهل ذمة، وصارت أرضهم لهم.

وكان في السبي حبيب أبو الحسن -يعني أبا الحسن البصري- وكان نصرانيا.


كان الآزاذبة مرزبان الحيرة, فلما أخرب خالد أمغيشيا علم الآزاذبة أنه غير متروك، فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد، لما توجه خالد إلى الحيرة وحمل الرحال والأثقال في السفن أرسل الآزاذبة ابنه ليقطع الماء عن السفن, فتعجل خالد في خيل نحو ابن الأزاذبة فلقيه على فرات بادقلى، فقتله وقتل أصحابه، وسار نحو الحيرة، فهرب منه الآزاذبة، وكان قد بلغه موت أردشير وقتل ابنه، فهرب بغير قتال، فتحصن أهل الحيرة فحصرهم في قصورهم.

دخل خالد الحيرة، وأمر بكل قصر رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فعهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بدعوته إحدى ثلاث، فإن قبلوا قبلوا منهم، وإن أبوا أن يؤجلوهم يوما، وقال: لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر، ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم.

فلما دعوهم أبوا إلا المنابذة, فنشب القتال وأكثر المسلمون القتل فيهم، فنادى القسيسون والرهبان: يا أهل القصور، ما يقتلنا غيركم.

فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا واحدة من ثلاث، فادعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالدا.

فخرج قائد من كل قصر، فأرسلوا إلى خالد، مع كل رجل منهم ثقة، ليصالح عليه أهل الحصن، فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون الآخرين، وقد حاور خالد بن الوليد أحد رؤسائهم وهو عمرو بن عبد المسيح ابن بقيلة، وكان مع خادمه كيس فيه سم، فأخذه خالد ونثره في يده وقال: لم تستصحب هذا؟ قال: خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، فكان الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي.


لما أصاب خالد يوم الولجة ما أصاب من نصارى بكر بن وائل الذين أعانوا الفرس غضب لهم نصارى قومهم، فكاتبوا الفرس، واجتمعوا على أليس وعليهم عبد الأسود العجلي وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه يأمره بالقدوم على نصارى العرب بأليس، فقدم بهمن جاذويه جابان إليهم، فاجتمع على جابان نصارى العرب من أهل الحيرة.

وكان خالد لما بلغه تجمع نصارى بكر وغيرهم سار إليهم ولا يشعر بدنو جابان.

فلما طلع جابان بأليس قالت العجم له: أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم، ثم نقاتلهم؟ فقال جابان: إن تركوكم فتهاونوا بهم.

فعصوه وبسطوا الطعام، وانتهى خالد إليهم وحط الأثقال، فلما وضعت توجه إليهم، وطلب مبارزة عبد الأسود وابن أبجر ومالك بن قيس، فبرز إليه مالك من بينهم، فقتله خالد وأعجل الأعاجم عن طعامهم.

فقال لهم جابان: حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام، فإن ظفرتم فأيسر هالك، وإن كانت لهم هلكوا بأكله.

فلم يفعلوا، واقتتلوا قتالا شديدا، والمشركون يزيدهم ثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم.

فانهزمت فارس فنادى منادي خالد: الأسراء الأسراء، إلا من امتنع فاقتلوه.

فأقبل بهم المسلمون أسراء، ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة.

فقال له القعقاع وغيره: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، فأرسل عليها الماء تبر يمينك، ففعل فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين: قد نفلتكموه، فتعشى به المسلمون، وجعل من لم ير الرقاق يقول: ما هذه الرقاق البيض؟


لما رأى المسلمون مطاولة الروم لهم بالشام استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم وبالحث، وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني، ولا يأخذن من فيه نجدة إلا ويترك عند المثنى مثله، وإذا فتح الله عليهم رجع خالد وأصحابه إلى العراق.

اتجه خالد من العراق إلى الشام وفتح عددا من المدن، وصالح بعضها، وصل شرقي جبل حوران، ثم تدمر، ثم القريتين من أعمال حمص، ثم قاتل غسان في مرج راهط وانتصر عليهم، ثم سار إلى بصرى الشام وكانت أول مدينة افتتحها من بلاد الشام حتى بلغ جموع المسلمين في اليرموك، وكان مما مر به خالد مع جيشه مفازة بين قراقر وسوى لا ماء فيها ولا كلأ، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، لكن خالدا استعان بدليل يقال له: رافع بن عميرة الطائي، ساعده على تجاوز المفازة بسلام مع جيش قوامه تسعة آلاف مقاتل.


لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة -مسالح الفرس قريبة من الأبلة- كتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه نزوله إياها، وأنه لابد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم، فكتب إليه: اجمع أصحابك في موضع واحد وليكن قريبا من الماء والرعي، واكتب إلى بصفته.

فكتب: إليه إني وجدت أرضا كثيرة القصبة -أي كثيرة الحصبة- في طرف البر إلى الريف، ودونها مناقع ماء فيها قصباء.

فلما قرأ الكتاب قال: هذه أرض نضرة، قريبة من المشارب والمراعي والمحتطب، وكتب إليه: أن أنزلها الناس.

فأنزلهم إياها، فكان عتبة هو أول من مصر البصرة.