Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
تأسست حركة الإخوان -وكان مقرها الرئيسي الأرطاوية- على يد الملك عبدالعزيز لخوض المعارك ضد خصومه، وكانوا تستعر داخلهم جذوة الدين وأصبحوا لا يقهرون، وكان شعارهم في الحرب: (هبت هبوب الجنة، أين أنت يا باغيها؟ وكل يبغيها)؛ لذلك فكانوا يحاربون، وقلما ينهزمون، يرون أن الجنة أمامهم والنار خلفهم، فلا يتقهقرون ولا يولون الدبر، فانتشر خبرهم وذاع صيتهم حتى بلغ الدوائر الإنجليزية والشريف حسين الذي هابهم وأبلغ الانجليز عن قلقه منهم وتحريضه لهم للقضاء عليهم والضغط على الملك عبدالعزيز للإلغائهم والتخلص منهم.
تمكن الكولونيل هاملتون خلال رحلة له في الرياض أن يقضي يوما في الأرطاوية في أكتوبر 1917 أحد أهم مراكز الإخوان، ليتعرف عليهم عن كثب فقدر عدد سكان الأرطاوية ب 35 ألف نسمة، وأرسل تقريره إلى جدة ثم القاهرة فانتشر وأثار لديهم فزعا ليس بقليل.
هو السلطان عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد الثاني، السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم.
ولد في 16 شعبان 1258هـ الموافق 21 سبتمبر 1842م، وتولى الحكم عام 1293هـ 1876م.
أبعد عن العرش عام 1327هـ / 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 15 جمادى الأولى 1337هـ الموافق 10 فبراير 1918م.
تلقى السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد تعليمه بالقصر السلطاني، وأتقن من اللغات: الفارسية والعربية، وكذلك درس التاريخ والأدب.
يعرفه البعض، "باولو خاقان" أي "الملك العظيم" وعرف في الغرب باسم "السلطان الأحمر"، أو "القاتل الكبير" بسبب مذابح الأرمن المزعوم وقوعها في فترة توليه منصبه.
رحب جزء من الشعب العثماني بالعودة إلى الحكم الدستوري بعد إبعاد السلطان عبد الحميد عن العرش في أعقاب ثورة الشباب التركي "الاتحاديين".
غير أن الكثير من المسلمين ما زالوا يقدرون قيمة هذا السلطان الذي خسر عرشه في سبيل أرض فلسطين التي رفض بيعها لزعماء الحركة الصهيونية.
تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م، وتبوأ عرش السلطنة يومئذ على أسوأ حال؛ حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء الأوضاع الداخلية أو الخارجية.
دبرت جمعية "الاتحاد والترقي" عام 1908م انقلابا على السلطان عبد الحميد تحت شعارات الماسونية "حرية، عدالة، مساواة".
كان اليهود لما عقد مؤتمرهم الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل 1860م-1904م رئيس الجمعية الصهيونية، اتفقوا على تأسيس وطن قومي لهم يكون مقرا لأبناء عقيدتهم، وأصر هرتزل على أن تكون فلسطين هي الوطن القومي لهم، فنشأت فكرة الصهيونية، وقد اتصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارا ليسمح لليهود بالانتقال إلى فلسطين، ولكن السلطان كان يرفض، ثم قام هرتزل بتوسيط كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلة بالسلطان أو ببعض أصحاب النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيط بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يفلح، وأخيرا زار السلطان عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي) و(عمانيول قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقدمات مفعمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدموا له الإغراءات المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالا طائلة مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالف سياسي يوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا.
لكن السلطان رفض بشدة وطردهم من مجلسه، وقال: " إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا، فلن أقبل؛ إن أرض فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع، وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوما يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل"، ثم أصدر أمرا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.
عندئذ أدرك خصومه الصهاينة أنهم أمام رجل قوي وعنيد، وأنه ليس من السهولة بمكان استمالته إلى صفها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه ما دام على عرش الخلافة فإنه لا يمكن للصهيونية العالمية أن تحقق أطماعها في فلسطين، ولن يمكن للدول الأوروبية أن تحقق أطماعها أيضا في تقسيم الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان؛ لذا قرروا الإطاحة به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والدونمة، والجمعيات السرية (الاتحاد والترقي)، وحركة القومية العربية، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولعب يهود الدونمة دورا رئيسا في إشعال نار الفتن ضد السلطان إلى أن تم عزله وخلعه من منصبه عام 1909، وتم تنصيب شقيقه محمد رشاد خلفا له.
وتوفي السلطان عبد الحميد الثاني في المنفى في 15 جمادى الأولى 1337هـ 10 فبراير 1919م.
عقد المجلس الأعلى للحلفاء اجتماعا في سان ريمو في إيطاليا في نيسان 1920م وغايته وضع اتفاقية خاصة بتركيا غايتها تصفية الخلافات الفرنسية الإيطالية؛ لهذا قررت منح فرنسا منطقة أضنة على أن تضع إيطاليا يدها على ما تبقى من أراضي جنوبي الأناضول، بما في ذلك أزمير، وولاية قونيا، ومتصرفيات أضاليا، وبقية أراضي الأناضول غربا.
هو السلطان محمد الخامس رشاد بن عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني.
ولد سنة 1844 باستانبول، وهو السلطان الخامس والثلاثون للدولة العثمانية، تولى الحكم بعد خلع أخيه عبد الحميد الثاني 1909م، وكان عمره 65 عاما.
أعيد تفعيل الدستور بعد تنصيبه، وسيطر الاتحاديون على جميع مقاليد الحكم، ولم يبق للخليفة من الحكم إلا اسمه، وأعلن السلطان محمد رشاد الجهاد الإسلامي على الحلفاء رغما عنه بأمر من الاتحاديين، وهزمت الدولة العثمانية في الحرب بجانب ألمانيا، وتوفي قبل أن تستسلم الدولة في الحرب العالمية الأولى بعدة أشهر من هذا العام، بعد أن أمضى في الخلافة الصورية قرابة الثماني سنوات، ثم تولى بعده أخوه محمد السادس وحيد الدين.
احتل الجيش العثماني التاسع، الذي يقوده نوري باشا، مدينة باكو في أذربيجان أثناء الحرب العالمية الأولى، وأعلن نوري باشا أن تدخل قواته حدث بطلب من الحكومة الأذربيجانية، وتمكن الجيش من الوصول إلى حدود بحر الخزر، لكن هذا الوضع لم يستمر طويلا؛ فقد اضطرت القوات العثمانية إلى الانسحاب بموجب معاهدة موندروس.
استطاعت كل من القوات الفرنسية والإنجليزية التمكن من السيطرة على بلاد الشام من الدولة العثمانية بما يتفق مع اتفاقية سايكس بيكو، وقامتا بتحريض الأمير فيصل بن الحسين على ارتكاب مذبحة ضد الجنود العثمانيين المنسحبين نحو الشمال.
مع ما تمتع به الإخوان من بسالة وبطش بالأعداء ورغبة في الجهاد، لكن بدا منهم جفاء وغلظة مع من يخالفهم في طريقتهم من الحضر عموما، والبدو خصوصا، ممن لم يلحق بهم في الهجر، وصاروا يتهمونهم بالضلال، وربما رموهم بالكفر، فانتشر من جراء هذا الأمر الفوضى في البلاد، وكاد ينقطع حبل الأمن والسلام، فعقد السلطان عبد العزيز ابن سعود مؤتمرا في الرياض في هذا العام للنظر فيما استحدث الإخوان من تهم وأحكام حضره كبار الرؤساء والعلماء وقرروا بعد البحث ستة أمور: 1- الكفر لا يطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.
2- لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة إذا كان معتقدهم واحدا.
3- لا فرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الآخرين.
4- لا فرق بين ذبيحة البدوي الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين.
5- لا حق للمهاجرين أن يعتدوا على الناس الذين لم يهاجروا؛ كأن يضربوهم، أو يتهددوهم، أو يلزموهم بالهجرة.
6- لا يحق لأحد أن يهجر أحدا بدويا كان أو حضريا بغير أمر واضح، وكفر صريح، وبدون إذن من ولي الأمر أو الحاكم الشرعي.
أخذت اليمن استقلالها عن الدولة العثمانية مبكرا، وذلك منذ قيام الإمام محمد بن يحيى سنة 1307هـ ثم ابنه يحيى؛ حيث حاربوا الجيوش العثمانية وأخرجوها من اليمن بعد حروب مريرة حتى سميت البلاد مقبرة الأناضول، ولما ضاق العثمانيون ذرعا من الحرب في اليمن عقدوا صلحا مع الإمام يحيى سنة 1329هـ نال فيه اليمن الاستقلال الذاتي، ثم لما خسر العثمانيون في الحرب العالمية الأولى سنة 1336هـ جلت بقايا الحاميات العثمانية عن البلاد، فوجدت اليمن نفسها مستقلة، واعترفت تركيا بهذا الاستقلال في معاهدة لوزان.
تدهورت الأوضاع العسكرية للدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، وسيطر البريطانيون على العراق والشام، واحتل الفرنسيون شمالي بلاد الشام، وسيطر الحلفاء على استانبول والمضايق التركية، ولما رأى قادة الاتحاد والترقي هذه الهزائم قدم طلعت باشا رئيس الوزراء استقالة وزارته، فتألفت وزارة جديدة برئاسة أحمد عزت باشا، وهرب كل من طلعت باشا وأنور باشا وغيرهما إلى ألمانيا.
وأرسلت الحكومة الجديدة وفدا وزاريا إلى مدينة مدروز في بحر إيجة بين اليونان وتركيا لمفاوضة الإنجليز على شروط الهدنة، وأرجأ الإنجليز الاجتماع النهائي لمدة أسبوعين حتى تتمكن قواتهم من احتلال الموصل وحلب.
وعقدت هدنة مدروز في 25 من محرم 31 من أكتوبر، ونصت على استسلام الدولة العثمانية دون قيد أو شرط، وهو ما لم يحدث بالنسبة لألمانيا، وبدأت القوات العثمانية في إلقاء سلاحها، وبدأت عمليات الاحتلال طبقا للاتفاقيات، ووقعت الأستانة تحت الاحتلال المشترك للحلفاء تحت قيادة الأميرال البريطاني "كالثورب".
واستيقظ المسلمون على هذا الفاجعة المدوية، وزاد من كآبة هذه الفاجعة سعي الأقليات الدينية لخدمة مصالحها، خاصة الأرمن واليونانيين، وجرت مذابح ضد المسلمين، وظهرت روح بغيضة من التشفي ضد المسلمين؛ فالجنرال اللنبي قال حين دخل القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، وبعد هدنة مدروز وصل الجنرال اللنبي القائد الإنجليزي إلى استانبول، وطلب من الحكومة التركية تعيين مصطفى كمال قائدا للجيش السادس بالقرب من الموصل.
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وإعلان هدنة مودروس؛ وصل الجنرال اللنبي قائد الإنجليز استانبول وطلب من الحكومة التركية تعيين مصطفى كمال قائدا للجيش السادس بالقرب من الموصل حيث تهم هذه المنطقة إنجلترا، وأثناء انسحاب مصطفى كمال من حلب اقترح تشكيل وزارة جديدة برئاسة عزة باشا الأرناؤوط؛ لتخلف وزارة الاتحاديين برئاسة طلعت باشا، وعلى أن يتولى هو في هذه الوزارة الجديدة وزارة الحربية.
تشكلت وزارة جديدة برئاسة الأرناؤوط وضمت عددا ممن رشحهم مصطفى كمال لمناصب وزارية، أما هو فلم يوافق عليه الخليفة العثماني.
فأخذ مصطفى يتقرب من حزب أنصار الحرية والائتلاف الذي كان يتعاون مع سلطات الاحتلال، لكن الحزب لم يهتم به، ثم خطب مصطفى صبيحة بنت الخليفة العثماني وحيد الدين، فرفض طلبه مباشرة، كانت سلطات الاحتلال تقبض على كل من يعود من القادة الأتراك من الجبهات، ثم ينفى إلى مالطة إلا مصطفى كمال فقد تركوه وشأنه.
كان الخليفة وحيد الدين ورئيس وزرائه فريد باشا يحسنان الظن بمصطفى كمال، فكلفاه سرا بالقيام بثورة في شرق الأناضول، لعل هذه الثورة تسهم في الحد من شروط الصلح القاسية التي فرضت على الدولة.
قبل مصطفى بالمهمة وزوده الخليفة بالمال ومنحه منصب مفتش عام على الجيوش، ولما بلغت الحكومة العثمانية من الحلفاء بأن الجيش اليوناني سينزل أزمير، وعلى الحكومة عدم مقاومته، فبعد نزول اليونانيين بيومين نزل مصطفى في ميناء أزمير من سفينة إنجليزية بشكل مفاجئ للجميع، ثم أعلن الثورة على الدولة العثمانية، وتمرد على السلطان العثماني، وانزعجت الحكومة من تصرفاته، واحتج الحلفاء في استانبول على الأعمال التي يقوم بها مصطفى كمال في الأناضول؛ لإعطائه صفة الوطنية والإخلاص لأمته، فظهر كمال كمنقذ للأمة، وتبعه وأيده كثير من الأتراك، ثم طلب الحلفاء من الحكومة استقدامه إلى استانبول ووضعه تحت الرقابة، فدعي من قبل الوزارة، لكنه لم يستجب، فهدد الحلفاء بإعادة الحرب، فاضطرت الحكومة إلى إقالة مصطفى من منصب المفتش العام، فقابل الإقالة بالاستقالة من الجيش، واتصل سرا بالإنجليز، ثم دعا إلى عقد مؤتمر في أرضروم، فانتخب مصطفى رئيسا له، ثم دعا مصطفى إلى مؤتمر أوسع يشمل تركيا كلها، فعقد مؤتمر سيواس في 13 ذي الحجة 1337هـ، وكانت الحكومة في استانبول ترى إلغاء المؤتمر واعتقال أعضائه، والحلفاء يؤيدون الحكومة في رأيهم لإعطاء مصطفى كمال مزيدا من القوة، وجعله زعيما وطنيا يقاوم المحتل.
عقد المؤتمر وانتخب مصطفى رئيسا له وشكلت فيه جمعية تعنى بالدفاع عن كامل الوطن، وانتخبت هيئة تمثيلية بقي أعضاؤها في سيواس.
غادر مصطفى كمال سيواس إلى أنقرة التي اتخذها مقرا له.
احتل الإنجليز باسم الحلفاء استانبول بشكل كامل في جمادى الآخرة 1338هـ / آذار 1920م، وبدأت الاعتقالات في صفوف المؤيدين لمصطفى كمال، ثم نفوا إلى مالطة؛ لإظهار خلافهم مع مصطفى، وفرضت الحكومة الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، وراقب الإنجليز الوزارة وطلبوا بطاعة أوامر الخليفة؛ لينفر منه الشعب ويتعلق أكثر بمصطفى كمال الذي يعمل فيما يبدو للناس ضد الإنجليز المحتلين، وأنه لم يتحرك ضد الخليفة إلا لأنه مؤيد من قبل المحتلين، وهذا ما جعل الأتراك يرتبطون بكمال ويؤيدونه ويسيرون وراءه.
في رجب 1338هـ حل المجلس النيابي وشكل مجلس جديد برئاسة فريد باشا صهر الخليفة بطلب من الإنجليز وضغط منهم؛ ليظهر للناس أن الخليفة وحكومته يسيران برأي الأعداء، فيتجه الناس أكثر إلى مصطفى كمال الذي يبدو أنه على خلاف مع المحتلين، وأنه عدوهم الأول، فلما استبد فريد باشا بحكمه تضايق السكان وأحبوا الخلاص منه، وليس لهم من طريق سوى مصطفى كمال.
جرت انتخابات ونجح مصطفى غيابيا عن أنقرة، فعقد مؤتمر ونصب نفسه رئيسا للمجلس وللهيئة التنفيذية، ثم أظهر التدين ولبس شعاره، وأعلن أن أول جلسة ستفتتح بعد صلاة الجمعة في هذا اليوم المبارك في أنقرة، وعندما ألقى الخطبة الافتتاحية أكثر من مدح الخلافة، وأن كل ما فعله في الأناضول وانتقاله إليها كان بمعرفة الخليفة وأمره.
أصدر شيخ الإسلام في استانبول فتوى ضد مصطفى كمال فضعف مركزه، وسير الخليفة حملة إلى كردستان فانضمت لها كل أجزاء الأناضول باستثناء أنقرة التي أرسل إليها الخليفة حملة لإخضاعها لسلطانه، وكادت أوراق مصطفى كمال تتساقط وينتهي أمره، لولا تدارك أسياده الإنجليز بإعلان معاهدة سيفر المجحفة بأسلوب إعلامي مثير، فهاج الشعب ضد الخليفة الذي وقع عليها هو وحكومته برئاسة فريد باشا، وإن كانا مكرهين، فعاد الناس إلى تأييد مصطفى كمال ورجال الحملة التي وجهها الخليفة إلى أنقرة انقلبت من ضد كمال لتصبح معه، حتى أصبح مصطفى يفكر في الهجوم على العاصمة استانبول، فالأمر في غاية الوضوح أن الخليفة والحكومة مع الإنجليز في الظاهر، وهما أعداء لها واقعا, ومصطفى كمال يهاجم الإنجليز في الظاهر ويتفق معهم في الحقيقة.
جاء إعلان معاهدة سيفر في الوقت المناسب، فانتصر مصطفى كمال على حملة الخليفة في أنقرة، وعلت مكانته وأرادت إنجلترا أن تقطف ثمار تخطيطها؛ فقد غدا صنيعتها في موقف يؤهله لتسلم المنصب الأول، فدعت بريطانيا إلى عقد مؤتمر في لندن لحل المسألة الشرقية مع تركيا، فوجهت دعوة لحكومة استانبول الحكومة الشرعية، وهي المعنية بالتفاوض بشأن الصلح، كما أن الإنجليز وجهوا دعوة كذلك لحكومة مصطفي كمال في أنقرة، وهذا اعتراف منهم ضمنيا بحكومة أنقرة، وبلغ من جرأة حكومة أنقرة أنها رفضت دعوة حكومة استانبول؛ لأنها هي الممثل الوحيد للشعب التركي والمدافع عن حقوقه.
حضر في لندن ممثلون عن الحكومتين، وحرصا على وحدة الصف ترك وفد استانبول الحديث لوفد أنقرة، وفشل المؤتمر لكن ظهرت حكومة أنقرة كممثل رئيس للشعب التركي.
اتصل مصطفى كمال بالفرنسيين واعترف لهم بحقهم في سوريا ولبنان، فكسب رضاهم واعترفوا به كممثل لدولة تركيا الحديثة، ثم اتصل بروسيا الشيوعية وعقد معهم معاهدة في رجب 1339هـ / 16 آذار 1921م تنازل لها عن منطقة آجاريا فرضيت عنه واعترفت بحكومته في أنقرة، على أنها تمثل الدولة الحديثة للأتراك، واتصل بإيطاليا التي اعترفت بحكومته وتنازل لها عن منطقة أضاليا التي دخلتها أثناء الحرب، فاتجهت الأنظار إلى مصطفى كمال كمنقذ لتركيا وممثل لدولة تركيا الحديثة، وأغلقت كل القنوات أمام الخليفة وبهذا نجحت اللعبة الدولية التي حبكتها إنجلترا مع دول الحلفاء؛ وفي 17 ربيع الأول أقيلت حكومة السلطان في استانبول بضغط من إنجلترا، وتنازل السلطان وأبعد عن البلاد، ثم بحثت إنجلترا مع حكومة أنقرة موضوع إلغاء السلطنة وإعلان تركيا دولة علمانية، وهو شرط اعتراف الحلفاء بدولة تركيا الحديثة، فأعلنت حكومة أنقرة إلغاء السلطنة، وفصل الدين عن الدولة، فسر الحلفاء بهذا الإعلان، ودعوا حكومة أنقرة إلى لوزان؛ لإعادة النظر في بنود معاهدة سيفر، وكان مصطفى كمال يشكل حكومات بدون برامج، ويعين من يشاء ويعزل من يشاء حسب مزاجه الخاص، أو ما يقدم له من خدمات.
تشكل الوفد إلى مؤتمر الصلح في لوزان من وزير الخارجية عصمت إينونو، ووزير الصحة، وخبير مالي، وجاء الحلفاء، وهم: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، واليونان، والولايات المتحدة الأمريكية، وكان الأمر كله بيد إنجلترا، وتم تعديل بنود معاهدة سيفر بعد جولتين تمت بين الأطراف بعد أن أعد البنود الجديدة كبير حاخام اليهود في الدولة العثمانية حاييم ناعوم، ومستشار إيطاليا ماتر سالم -يحمل جنسية عثمانية- مع الوفد التركي إلى لوزان، وكان إلغاء الخلافة وترك الموصل شرطين أساسيين لاستقلال تركيا.
اجتمع المجلس النيابي في أنقرة بن20 ربيع الأول 1342هـ/ 30 أكتوبر 1923م وقرر إلغاء السلطنة وإعلان الجمهورية، وانتخب مصطفى كمال رئيسا للجمهورية، وبعد يومين وقع الصلح في لوزان، وأطلقت المدافع في تركيا؛ ابتهاجا بهذا التوقيع.
انتهت الحرب العالمية الأولى وخرجت إنجلترا ومن معها منتشين بالنصر، وكانت تمني المصريين بمنحهم الاستقلال فور انتصارهم في الحرب، ولما كان الاحتلال مكلفا أكثر من إبقاء الدولة تابعة لها بوضع أناس يخضعون إدارتها، فتحصل على ما تريد دون خسائر بشرية ولا خسائر اقتصادية، فأظهرت اللين وأبدت الاستعداد لفكرة الاستقلال، وهيأت أشخاصا مناسبين لها لهذا العمل الجديد، فأوحت لسعد زغلول بالتحرك، فدعا لاجتماع في صفر تمخض عن المطالبة بالاستقلال وتشكيل وفد للسفر إلى باريس لعرض القضية على مؤتمر الصلح، وتشكل الوفد من سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وعبد العزيز فهمي، ولكن الأمر لا بد له من ضجة وضوء ليبدو طبيعيا، فقامت إنجلترا بمنع الوفد من السفر وقبضت على سعد زغلول وغيره، ونفي إلى مالطة فأصبح بطلا وطنيا!! وقامت المظاهرات، ومنها المظاهرة النسائية المشهورة في ميدان التحرير، التي قادتها هدى شعراوي، وخلعت فيها الحجاب وأحرقت صفية فهمي -زوجة سعد زغلول- حجابها، وفعل بعض الساذجات المغفلات مثلهن، وكأن الحجاب فرضته إنجلترا حتى يكون هذا مظهرا من التنديد بالاستعمار!!! وقامت المظاهرات بالتخريب والتدمير بلا هدف ولا مبرر، ليس إلا التقليد الأعمى، فهم يدمرون بلادهم هم لا بلاد العدو، بل وسمي هذا الميدان فيما بعد "ميدان التحرير"!! واستقالت الوزارة واندلعت الثورة في أرجاء مصر، واعترفت أمريكا بالحماية الإنجليزية على مصر، ثم رفع الحظر على السفر، وأطلق سراح المنفيين في مالطة، فتألف وفد جديد ضم سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وسينوت حنا، وجورج خياط، وغيرهم، وفي 11 رجب 1337هـ / 11 نيسان 1919م غادر الوفد البلاد ووصل باريس، وبدأ الاتصال بالمسؤولين في مؤتمر الصلح، غير أن الأمور كانت مرتبة وجاهزة كما يريد الصليبيون، وحدثت اضطرابات بمصر، واتفقت كلمة شعب مصر أن الرأي للمفاوضين في باريس ولهم القرار، ورفض أي منهم المفاوضة داخل مصر بغياب الوفد المصري، فسافرت لجنة ملنر التي جاءت إلى مصر للمفاوضة إلى لندن، ودعت المفاوضين للسفر من باريس إلى لندن للمفاوضة معهم، وتبين أن أعضاء الوفد متفاوتون في درجة رضوخهم للمفاوضات وشروطها، فرجع البعض لمصر وبقي البعض، منهم سعد زغلول، وبقيت الأمور بين أخذ ورد، وكل ذلك إنجلترا تصر على إبقاء حامية إنجليزية في مصر، وفشلت المباحثات.
ثم جرى اتفاق بين المعتمد البريطاني في القاهرة وبين عبد الخالق ثروت، وعدلي يكن، وإسماعيل صدقي، وذلك في 14 جمادى الأولى 1340هـ / 12 كانون الثاني 1922م، نص الاتفاق على تأليف وزارة برئاسة عبد الخالق ثروت؛ شريطة موافقة الحكومة البريطانية على نقاط، منها إلغاء الحماية والاعتراف بمصر مستقلة، وإلغاء الأحكام العسكرية، وحماية المصالح الأجنبية وغيرها.