Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
هو الإمام العلامة، الحافظ الكبير المجود، محدث الشام، ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر، الدمشقي الشافعي صاحب (تاريخ دمشق).
من أعيان الفقهاء الشافعية، ومحدث الشام في وقته.
غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، حتى صار أحد أكابر حفاظ الحديث ومن عني به سماعا وجمعا وتصنيفا، واطلاعا وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صاحب الكتاب المشهور (تاريخ دمشق) الذي حاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله، رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، هذا مع ما له في علوم الحديث من الكتب المفيدة، وما هو مشتمل عليه من العبادة والطرائق الحميدة, وله مصنفات كثيرة منها الكبار والصغار، والأجزاء والأسفار، وقد أكثر في طلب الحديث من الترحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الحفاظ نسخا واستنساخا، ومقابلة وتصحيح الألفاظ.
قال الذهبي: "نقلت ترجمته من خط ولده المحدث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: ولد أبي في المحرم سنة 499، وعدد شيوخه الذي في معجمه ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخا بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن معجم صغير سمعناه.
وحدث ببغداد، والحجاز، وأصبهان، ونيسابور, وصنف الكثير, وكان فهما، حافظا، متقنا ذكيا، بصيرا بهذا الشأن، لا يلحق شأنه، ولا يشق غباره، ولا كان له نظير في زمانه.
وكان له إجازات عالية، وروي عنه أشياء من تصانيفه بالإجازة في حياته، واشتهر اسمه في الأرض، وتفقه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، ولازم الدرس والتفقه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن, فمن ذلك تاريخ دمشق في ثمانمائة جزء.
قلت (الذهبي): "الجزء عشرون ورقة، فيكون ستة عشر ألف ورقة", وجمع (الموافقات) في اثنين وسبعين جزءا، و(عوالي مالك)، والذيل عليه خمسين جزءا، و(غرائب مالك) عشرة أجزاء، و(المعجم) في اثني عشر جزءا, و(مناقب الشبان) خمسة عشر جزءا، و(فضائل أصحاب الحديث) أحد عشر جزءا، (فضل الجمعة) مجلد، و(تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري) مجلد، و (المسلسلات) مجلد، و (السباعيات) سبعة أجزاء، (من وافقت كنيته كنية زوجته) أربعة أجزاء، و (في إنشاء دار السنة) ثلاثة أجزاء، (في يوم المزيد) ثلاثة أجزاء، (الزهادة في الشهادة) مجلد، (طرق قبض العلم)، (حديث الأطيط)، (حديث الهبوط وصحته)، (عوالي الأوزاعي وحاله) جزءان, (الخماسيات) جزء، (السداسيات) جزء، (أسماء الأماكن التي سمع فيها)، (الخضاب)، (إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة)، (المقالة الفاضحة)، (فضل كتابة القرآن)، (من لا يكون مؤتمنا لا يكون مؤذنا)، (فضل الكرم على أهل الحرم)، (في حفر الخندق)، (قول عثمان: ما تغنيت)، (أسماء صحابة المسند)، (أحاديث رأس مال شعبة)، (أخبار سعيد بن عبد العزيز)، (مسلسل العيد)، (الأبنة)، (فضائل العشرة) جزءان، (من نزل المزة)، (في الربوة والنيرب)، (في كفر سوسية)، (رواية أهل صنعاء)، (أهل الحمريين)، (فذايا)، (بيت قوفا)، (البلاط)، (قبر سعد)، (جسرين)، (كفر بطنا)، (حرستا)، (دوما مع مسرابا)، (بيت سوا)، (جركان)، (جديا وطرميس)، (زملكا)، (جوبر)، (بيت لهيا)، (برزة)، (منين)، (يعقوبا)، (أحاديث بعلبك)، (فضل عسقلان)، (القدس)، (المدينة)، (مكة)، كتاب (الجهاد)، (مسند أبي حنيفة ومكحول)، (العزل)، (الأربعون الطوال)، (الأربعون البلدية) جزء، (الأربعون في الجهاد)، (الأربعون الأبدال)، (فضل عاشوراء) ثلاثة أجزاء، (طرق قبض العلم) جزء، كتاب (الزلازل)، (المصاب بالولد) جزءان، (شيوخ النبل)، (عوالي شعبة) اثنا عشر جزءا، (عوالي سفيان) أربعة أجزاء، (معجم القرى والأمصار) جزء، وغير ذلك, وسرد له عدة تواليف.
قال: وأملى أبي أربعمائة مجلس وثمانية.
قال: وكان مواظبا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، كان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم يعني: (الحافظ) ويكون حقيقا به سواه.
وقال القاسم: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ ابن عساكر في شأنه أحد، فلو خالط الناس ومازجهم كما أصنع، إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف, وقال لي أبو العلاء يوما: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت (الذهبي): "هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع، حتى في نزهه وخلواته" ثم قال أبو العلاء: ما كان يسمى ابن عساكر ببغداد إلا شعلة نار؛ من توقده وذكائه وحسن إدراكه.
قال أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال لي: لما عزمت على التحديث، والله المطلع أنه ما حملني على ذلك حب الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كل ما قد سمعته، وأي فائدة في كوني أخلفه بعدي صحائف؟ فاستخرت الله، واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطفت عليهم، فكل قال: ومن أحق بهذا منك؟ فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين" كانت وفاة ابن عساكر في الحادي عشر من رجب، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين الأيوبي جنازته ودفن بمقابر باب الصغير، وكان الذي صلى عليه الشيخ قطب الدين النيسابوري.
تجهز الحلبيون لقتال صلاح الدين، فاستدعى صلاح الدين عساكر مصر، فلما وافته بدمشق في شعبان سار في أول رمضان، فلقيهم في عاشر شوال، وكانت بينهما وقعة تأخر فيها السلطان سيف الدين غازي بن نور الدين محمود صاحب الموصل، فظن الناس أنها هزيمة، فولت عساكرهم، وتبعهم صلاح الدين، فهلك منهم جماعة كثيرة، وملك خيمة غازي، وأسر عالما عظيما، واحتوى على أموال وذخائر وفرش وأطعمة وتحف تجل عن الوصف، وقدم عليه أخوه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن، فأعطاه سرادق السلطان غازي بما فيه من الفرش والآلات، وفرق الإسطبلات والخزائن على من معه، وخلع على الأسرى وأطلقهم، ولحق سيف الدين غازي بمن معه، فالتجؤوا جميعا لحلب، ثم سار إلى الموصل وهو لا يصدق أنه ينجو، وظن أن صلاح الدين يعبر الفرات ويقصده بالموصل، ورحل صلاح الدين ونزل على حلب في رابع عشر شوال، فأقام عليها إلى تاسع عشره، ورحل إلى بزاعة، وقاتل أهل الحصن حتى تسلمه، وسار إلى منبج، فنزل عليها يوم الخميس رابع عشر منه.
سار صلاح الدين إلى بزاعة فحصرها، وقاتله من بالقلعة، ثم تسلمها وجعل بها من يحفظها، وسار إلى مدينة منبج فحصرها آخر شوال، وبها صاحب قطب الدين ينال بن حسان المنبجي، وكان شديد العداوة لصلاح الدين والتحريض عليه، والإطماع فيه، والطعن فيه، فحنق عليه صلاح الدين وهدده، ثم ملك منبج، ولم تمتنع عليه إلا قلعتها وبها صاحبها اسمه ينال، قد جمع إليها الرجال والذخائر والسلاح، فحصره صلاح الدين وضيق عليه وزحف إلى القلعة، فوصل النقابون إلى السور فنقبوها وملكوها عنوة، وغنم العسكر الصلاحي كل ما بها، وأخذ صاحبها ينال أسيرا، فأخذ صلاح الدين كل ماله، ثم أطلقه صلاح الدين فسار إلى الموصل، فأقطعه سيف الدين غازي مدينة الرقة.
وقعت يوم عيد الأضحى فتنة ببغداد، بين العامة وبعض الأتراك؛ بسبب أخذ جمال النحر، فقتل بينهم جماعة، ونهب شيء كثير من الأموال، ففرق الخليفة أموالا جليلة فيمن نهب ماله.
ولما فرغ صلاح الدين من منبج سار إلى قلعة إعزاز، فنازلها ثالث ذي القعدة، وهي من أحصن القلاع وأمنعها، فنازلها وحصرها، وأحاط بها وضيق على من فيها ونصب عليها المجانيق، حتى فتحها وقتل عليها كثير من العسكر.
فبينما صلاح الدين يوما في خيمة لأحد أمرائه يقال له جاولي، وهو مقدم الطائفة الأسدية، إذ وثب عليه باطني إسماعيلي فضربه بسكين في رأسه فجرحه، فلولا فضل الله ثم إن المغفر الزند كانت تحت القلنسوة لقتله، فبقي الباطني يضربه في رقبته بالسكين، وكان عليه كزاغند فكانت الضربات تقع في زيق الكزاغند فتقطعه، والزرد يمنعها من الوصول إلى رقبته، فجاء أمير من أمرائه اسمه يازكش، فأمسك السكين بكفه فجرحه الباطني، ولم يطلقها من يده إلى أن قتل الباطني، وجاء آخر من الإسماعيلية فقتل أيضا، وثالث فقتل، ثم لازم حصار إعزاز ثمانية وثلاثين يوما، كل يوم أشد قتالا مما قبله، وكثرت النقوب فيها فأذعن من بها، وسلموا القلعة عليه، فتسلمها حادي عشر ذي الحجة.
لما ملك صلاح الدين إعزاز رحل إلى حلب فنازلها منتصف ذي الحجة وحصرها، وبها الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود ومن معه من العساكر، وقد قام العامة في حفظ البلد القيام المرضي، بحيث إنهم منعوا صلاح الدين من القرب من البلد، لأنه كان إذا تقدم للقتال خسر هو وأصحابه، كثر الجراح فيهم والقتل، كانوا يخرجون ويقاتلونه خارج البلد، فترك القتال وأخلد للمطاولة، وانقضت سنة إحدى وسبعين، ودخلت سنة اثنتين وسبعين، وهو محاصر لها، ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح في العشرين من المحرم، فوقعت الإجابة إليه من الجانبين؛ لأن أهل حلب خافوا من طول الحصار؛ فإنهم ربما ضعفوا، وصلاح الدين رأى أنه لا يقدر على الدنو من البلد، ولا على قتال من به، فأجاب أيضا، وتقررت القاعدة في الصلح للجميع، للملك الصالح، ولسيف الدين صاحب الموصل، ولصاحب الحصن، ولصاحب ماردين، وتحالفوا واستقرت القاعدة أن يكونوا كلهم عونا على الناكث الغادر، فلما انفصل الأمر وتم الصلح، رحل صلاح الدين عن حلب، بعد أن أعاد قلعة إعزاز إلى الملك الصالح، وكان في شروط الصلح أن يطلق صلاح الدين عز الدين جورديك، وشمس الدين علي بن الداية، وأخويه سابق الدين، وبدر الدين.
فسار أولاد الداية إلى الملك الناصر، فأكرمهم، وأنعم عليهم.
وأما جورديك، فأقام في خدمة الملك الصالح، وعلم الجماعة براءته مما ظنوا به.
كان بمكة حرب شديدة بين أمير الحاج طاشتكين وبين الأمير مكثر أمير مكة، وكان الخليفة قد أمر أمير الحاج بعزل مكثر وإقامة أخيه داود مقامه، وسبب ذلك أنه كان قد بنى قلعة على جبل أبي قبيس، فلما سار الحاج من عرفة لم يبيتوا بالمزدلفة، وإنما اجتازوا بها، فلم يرموا الجمار، إنما بعضهم رمى بعضها وهو سائر، ونزلوا الأبطح فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربوهم، وقتل من الفريقين جماعة، وصاح الناس: الغزاة إلى مكة، فهجموا عليها، فهرب أمير مكة مكثر، فصعد القلعة التي بناها على جبل أبي قبيس فحصروه بها، ففارقها وسار عن مكة، وولي أخوه داود الإمارة، ونهب كثير من الحاج مكة وأخذوا من أموال التجار المقيمين بها الشيء الكثير، وأحرقوا دورا كثيرة.
أمر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ببناء السور على القاهرة والقلعة، طوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة وذراعان بالذراع الهاشمي، فتولى ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي، وشرع في بناء القلعة، وحفر حول السور خندقا عميقا، وحفر واديه وضيق طريقه، وكان في مكان القلعة عدة مساجد، منها مسجد سعد الدولة، فدخلت في جملة القلعة، وحفر فيها بئرا ينزل إليها بدرج منحوتة في الحجر إلى الماء.
أمر الناصر ببناء مدرسة صلاح الدين للشافعية عند قبر الشافعي، وجعل الشيخ نجم الدين الخبوشاني مدرسها وناظرها.
كان شمس الدين محمد بن عبد الملك بن المقدم صاحب بعلبك، قد أتاه خبر أن جمعا من الفرنج قد قصدوا البقاع من أعمال بعلبك، وأغاروا عليها، فسار إليهم، وكمن لهم في الشعاري والغياض، وأوقع بهم، وقتل فيهم وأكثر، وأسر نحو مائتي رجل منهم وسيرهم إلى صلاح الدين، وكان شمس الدولة توران شاه، أخو صلاح الدين، وهو الذي ملك اليمن، قد وصل إلى دمشق، وهو فيها، فسمع أن طائفة من الفرنج قد خرجوا من بلادهم إلى أعمال دمشق، فسار إليهم ولقيهم عند عين الجر في تلك المروج، فلم يثبت لهم، وانهزم عنهم، فظفروا بجمع من أصحابه، فأسروهم، منهم سيف الدين أبو بكر بن السلار، وهو من أعيان الجند الدمشقيين، واجترأ الفرنج بعده، وانبسطوا في تلك الولاية، وجبروا الكسر الذي نالهم من ابن المقدم.
لما رحل صلاح الدين من حلب، قصد بلاد الإسماعيلية في مصياف؛ ليقاتلهم بما فعلوه من الوثوب عليه وإرادة قتله، وحصر قلعة مصياف، وهي أعظم حصونهم، وأحصن قلاعهم، فنصب عليها المجانيق، وضيق على من بها، فنهب بلدهم وخربه وأحرقه، فقتل وسبى وحرق، وأخذ أبقارهم، ولم يزل كذلك، فأرسل سنان مقدم الإسماعيلية إلى شهاب الدين الحارمي، صاحب حماة، وهو ابن خال صلاح الدين، يسأله أن يدخل بينهم ويصلح الحال ويشفع فيهم، ويقول له: إن لم تفعل قتلناك وجميع أهل صلاح الدين وأمراءه، فحضر شهاب الدين عند صلاح الدين وشفع فيهم وسأل الصفح عنهم، فأجابه إلى ذلك، وصالحهم، ورحل عنهم، وكان عسكره قد ملوا من طول الحرب، وقد امتلأت أيديهم من غنائم عسكر الموصل، ونهب بلد الإسماعيلية، فطلبوا العود إلى بلادهم للراحة، فأذن لهم، وسار هو إلى مصر مع عسكرها، لأنه قد طال بعده عنها، ولم يمكنه المضي إليها فيما تقدم؛ خوفا على بلاد الشام؛ فلما انهزم سيف الدين، وحصر هو حلب، وملك بلادها، واصطلحوا، أمن على البلاد، فسار إلى مصر.
هو الإمام، قاضي القضاة أبو الفضل كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، الفقيه الموصلي الشافعي، بقية الأعلام.
ولد سنة 491, وكان والده أحد علماء زمانه يلقب: بالمرتضى.
لما قتل عماد الدين زنكي عند قلعة جعبر كان كمال الدين حاضرا في العسكر هو وأخوه تاج الدين أبو طاهر يحيى، فلما رجع العسكر إلى الموصل كانا في صحبته, ولما تولى سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي فوض الأمور كلها إلى القاضي كمال الدين وأخيه بالموصل وجميع مملكته، ثم إنه قبض عليهما في سنة 542 واعتقلهما بقلعة الموصل، ثم إن الخليفة المقتفي شفع فيه وفي أخيه فأخرجا من الاعتقال، وقعدا في بيوتهما وعليهما الترسيم، ولما مات سيف الدين غازي رفع الترسيم عنهما، ثم انتقل كمال الدين إلى خدمة نور الدين محمود صاحب الشام في سنة 550 الذي احتفى به وأكرم وفادته، فأقام بدمشق، ثم فوضه نور الدين محمود في صفر سنة 555، نظر الجامع ودار الضرب وعمارة الأسوار والنظر في المصالح العامة.
واستناب ولده وأولاد أخيه ببلاد الشام، وترقى القاضي كمال الدين إلى درجة الوزارة، وحكم في بلاد الشام في ذك الوقت، واستناب ولده القاضي محيي الدين في الحكم بمدينة حلب، ولم يكن شيء من أمور الدولة يخرج عنه، حتى الولاية وشد الديوان، ولما مات نور الدين وملك صلاح الدين دمشق أقره على ما كان عليه.
وكان فقيها أديبا شاعرا كاتبا ظريفا فكه المجالسة، يتكلم في الخلاف والأصول كلاما حسنا، وكان شهما جسورا كثير الصدقة والمعروف، وقف أوقافا كثيرة بالموصل ونصيبين ودمشق، وكان عظيم الرياسة خبيرا بتدبير الملك، لم يكن في بيته مثله ولا نال أحد منهم ما ناله من المناصب مع كثرة رؤساء بيته، توفي القاضي كمال الدين في السادس من المحرم من هذه السنة، وقد كان من خيار القضاة وأخص الناس بنور الدين محمود، ولما حضرته الوفاة أوصى بالقضاء لابن أخيه ضياء الدين بن تاج الدين الشهرزوري، مع أنه كان يجد عليه؛ لما كان بينه وبينه حين كان صلاح الدين سجنه بدمشق، وكان يعاكسه ويخالفه، ومع هذا أمضى وصيته لابن أخيه، فجلس في مجلس القضاء على عادة عمه وقاعدته.