Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
عصى شمس الدين محمد بن عبد الملك المقدم على صلاح الدين ببعلبك، وكانت له قد سلمها إليه صلاح الدين لما فتحها جزاء له حيث سلم إليه ابن المقدم دمشق، فلم تزل بيده إلى الآن، فطلب شمس الدولة بن أيوب أخو صلاح الدين منه بعلبك، وألح عليه في طلبها، فلم يتمكن صلاح الدين من مخالفته، فأمر شمس الدين بتسليمها إلى أخيه ليعوضه عنها، فلم يجب إلى ذلك، وذكره العهود التي له، وما اعتمده معه من تسليم البلاد، فلم يصغ إليه ولج عليه في أخذها، وسار ابن المقدم إليها، واعتصم بها، فتوجه إليه صلاح الدين، وحصره بها مدة، ثم رحل عنها من غير أن يأخذها، وترك عليه عسكرا يحصره، فلما طال عليه الحصار أرسل إلى صلاح الدين يطلب العوض عنها ليسلمها إليه، فعوضه عنها وسلمها، فأقطعها صلاح الدين أخاه شمس الدولة.
انقطعت الأمطار بالكلية في سائر البلاد الشامية والجزيرة والبلاد العراقية، والديار البكرية، والموصل وبلاد الجبل وخلاط، وغير ذلك، واشتد الغلاء، وكان عاما في سائر البلاد، واستسقى الناس في أقطار الأرض، فلم يسقوا، وتعذرت الأقوات، وأكلت الناس الميتة وما ناسبها، ودام كذلك إلى آخر سنة خمس وسبعين؛ ثم تبعه بعد ذلك وباء شديد عام أيضا، كثر فيه الموت، وكان مرض الناس شيئا واحدا، وهو السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- وكان الناس لا يلحقون يدفنون الموتى، إلا أن بعض البلاد كان أشد من البعض.
سار جمع كثير من الفرنج بالشام إلى مدينة حماة، وكثر جمعهم من الفرسان والرجالة؛ طمعا في النهب والغارة، فشنوا الغارة، ونهبوا وخربوا القرى، وأحرقوا وأسروا وقتلوا، فلما سمع العسكر المقيم بحماة ساروا إليهم، وهم قليل، متوكلين على الله تعالى، فالتقوا واقتتلوا، وصدق المسلمون القتال، فنصرهم الله تعالى، وانهزم الفرنج، وكثر القتل والأسر فيهم، واستردوا منهم ما غنموه من السواد، وكان صلاح الدين قد عاد من مصر إلى الشام في شوال من السنة الماضية، وهو نازل بظاهر حمص، فحملت الرؤوس والأسرى والأسلاب إليه، فأمر بقتل الأسرى فقتلوا.
هو الأمير شهاب الدين، أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي، المعروف بالحيص بيص, ومعنى الحيص بيص: الشدة والاختلاط, قيل: إنه رأى الناس في شدة وحركة، فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فلزمه ذلك.
وكان من فضلاء العالم.
كان قد سمع الحديث، ومدح الخلفاء والسلاطين والأكابر، وشعره مشهور، وله (ديوان) وترسل.
كان فصيحا حسن الشعر, بليغا وافر الأدب، عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والسلجوقية.
كان بديع المعاني، مليح الرسائل، ذا خبرة تامة باللغة والبلاغة والأدب، وله يد في المناظرة, وكان يناظر على رأي الجمهور.
كان لا يخاطب أحدا إلا بالكلام العربي.
تفقه في مذهب الشافعي بالري، وتكلم في مسائل الخلاف.
ذكره ابن السمعاني في «ذيله» فقال: "له باع في اللغة، وحفظ كثير للشعر، وكان إماما في الرأي، حسن العقيدة".
قال عبد الباقي بن زريق الحلبي الزاهد: "رأيته واجتمعت به، فكان صدرا في كل علم، عظيم النفس، حسن الشارة، يركب الخيل العربية الأصيلة، ويتقلد بسيفين، ويحمل حلقة الرمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى في لفظه، ويعقد القاف, وكان أفصح من رأيت".
قال ابن كثير: "لم يكن له في المراسلات بديل، كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا، فلا تواتيه إلا وهي معجرفة، وكان يزعم أنه من بني تميم، فسئل أبوه عن ذلك فقال ما سمعته إلا منه".
توفي يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان من هذه السنة، وله ثنتان وثمانون سنة، وصلي عليه بالنظامية، ودفن بباب التبن، ولم يعقب.
اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم، فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا، فأرسل صلاح الدين فرخشاه، ولد أخيه، في جمع من العسكر إليهم، وأمره إذا قاربهم يرسل إليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه، وتقدم إليه أن يأمر أهل البلاد بالانتزاح من بين يدي الفرنج، فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم، فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه، فاضطر إلى القتال، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، وألقى فرخشاه نفسه عليهم، وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه، فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم، وقتل من مقدمي الفرنج جماعة، منهم همفري، كان يضرب به المثل في الشجاعة والرأي في الحرب، وكان بلاء صبه الله على المسلمين، فأراح الله المسلمين من شره، وقتل غيره من أضرابه، ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس، وكذلك أغار البرنس صاحب أنطاكية واللاذقية على جشير المسلمين- جشير أو دشير: هي الخيل والبقر التي تلازم المرعى ولا ترجع إلى الحظيرة بالليل- بشيزر وأخذه، وأغار صاحب طرابلس على جمع كثير من التركمان، فاحتجف أموالهم- استخلصها وحازها- وكان صلاح الدين على بانياس، فسير ولد أخيه تقي الدين عمر إلى حماة، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه إلى مصر، وأمرهما بحفظ البلاد، وحياطة أطرافها من العدو.