Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
اختلفت الأقوال في عمر النبي صلى الله عليه وسلم وعمر خديجة حين زواجهما، فقيل: كان خمسا وعشرين.
وقيل: سبعا وعشرين.
وقيل: ثلاثين.
وقيل: غير ذلك، وأما عمر خديجة فكذلك تضاربت الأقوال بين خمس وثلاثين وأربعين وغير ذلك، لما سمعت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأمانته و أخلاقه الكريمة، فقد جاء في رواية: أن أخت خديجة قد استكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريكه، فلما قضوا السفر بقي لهم عليها شيء، فجعل شريكه يأتيهم ويتقاضاهم، ويقول لمحمد (صلى الله عليه وسلم): انطلق.
فيقول: اذهب أنت، فإني أستحيي.
فقالت مرة -وقد أتاهم شريكه-: أين محمد لا يجيء معك؟ قال: قد قلت له، فزعم أنه يستحيي، فذكرت ذلك لأختها خديجة، فقالت: ما رأيت رجلا قط أشد حياء، ولا أعف ولا.
.
.
.
.
.
من محمد (صلى الله عليه وسلم).
فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: ائت أبي فاخطب إليه.
فقال: أبوك رجل كثير المال وهو لا يفعل.
قالت: انطلق فالقه وكلمه، ثم أنا أكفيك.
وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثيب.
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا "الأمين"؛ لما تكامل فيه من خصال الخير، قال له عمه أبو طالب: "يا ابن أخي، أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرانها، فيتجرون لها في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك، وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك، وإن كنت لأكره أن تأتي الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد من ذلك بدا".
وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام، فتكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم المال مضاربة، وبلغ خديجة ما كان من صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، فأرسلته في تجارتها، فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له: نسطورا، فاطلع الراهب إلى ميسرة -وكان يعرفه-؛ فقال: "يا ميسرة، من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟"، فقال ميسرة: "رجل من قريش من أهل الحرم".
فقال له الراهب: "ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي".
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته -يعني: تجارته- التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة؛ فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به بأضعف أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وما رأى من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت نفسها عليه رضي الله عنها، وكانت أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها.
كان معاوية بن أبي سفيان قد ألح على عمر بن الخطاب أن يغزو البحر ولكنه أبى ذلك، ثم في زمن عثمان طلب ذلك فوافق عثمان بشرط ألا يجبر أحدا على ركوب البحر؛ بل يخيرهم، من أراد الغزو معه فعل وإلا فلا، ففعل ذلك، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي، ثم غزا قبرص وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار كل سنة، وقد ساعد في ذلك الغزو أهل مصر بإمرة ابن أبي السرح، وكان معاوية على الناس جميعا، وكان بين الغزاة عدد من الصحابة ومن بينهم أم حرام زوجة عبادة بن الصامت التي توفيت في قبرص ودفنت فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بشرها بأنها تكون ممن يغزو البحر كالملوك على الأسرة.
هو أبو محرز الجهم بن صفوان الترمذي من موالي بني راسب, نشأ الجهم في سمرقند وقضى فترة من حياته في ترمذ، كان بارعا في علم الكلام, ثم انتقل إلى الكوفة وبها التقى بالجعد بن درهم ومنه أخذ مقالة التعطيل، والجبر، وفناء الجنة والنار، ونفي الصفات، وأن الإيمان هو مجرد المعرفة ثم القول بخلق القرآن، واشتهر الجهمية بنفي الصفات عن الله تعالى زاعمين تنزيهه عن مشابهة المخلوقين، فعندهم ليس لله صفة إلا الذات، وينفون كل الصفات التي وردت في الكتاب والسنة، وكان قد خرج مع الحارث بن سريج الذي تمرد على الدولة الأموية فقتله سالم بن أحوز بمرو.
سبب ذلك أن موسى بن موسى كان من أعيان قواد عبد الرحمن، وهو العامل على مدينة تطيلة، فجرى بينه وبين القواد تحاسد سنة سبع وعشرين، فعصي موسى بن موسى على عبد الرحمن بن الحكم، فسير إليه جيشا واستعمل عليهم الحارث بن يزيغ والقواد، فاقتتلوا عند برجة، فقتل كثير من أصحاب موسى، وقتل ابن عم له، وعاد الحارث إلى سرقسطة، فسير موسى ابنه ألب بن موسى إلى برجة، فعاد الحارث إليها وحصرها فملكها وقتل ابن موسى، وتقدم إلى أبيه فطلبه فحضر، فصالحه موسى على أن يخرج عنها، فانتقل موسى إلى أزبيط، وبقي الحارث يتطلبه أياما ثم سار إلى أزبيط، فحصر موسى بها فأرسل موسى إلى غرسية، وهو من ملوك الأندلسيين المشركين، واتفقا على الحارث، واجتمعا وجعلا له كماين في طريقه، واتخذ له الخيل والرجال بموضع يقال له بلمسة على نهر هناك، فلما جاء الحارث النهر خرج الكمناء عليه، وأحدقوا به، وجرى معه قتال شديد، وكانت وقعة عظيمة، وأصابه ضربة في وجهه فلقت عينه، ثم أسر في هذه الوقعة، فلما سمع عبد الرحمن خبر هذه الوقعة، عظم عليه، فجهز عسكرا كبيرا واستعمل عليه ابنه محمدا، وسيره إلى موسى في شهر رمضان من سنة تسع وعشرين ومائتين، وتقدم محمد إلى بنبلونة، فأوقع عندها بجمع كثير من المشركين، وقتل فيها غرسية، وكثير من المشركين، ثم عاد موسى إلى الخلاف على عبد الرحمن، فجهز جيشا كبيرا وسيرهم إلى موسى، فلما رأى ذلك طلب المسالمة، فأجيب إليها وأعطى ابنه إسماعيل رهينة، وولاه عبد الرحمن مدينة تطيلة، فسار موسى إليها فوصلها وأخرج كل من يخافه، واستقرت تطيلة في عمالته.
أول من بناها المعتضد بالله في هذه السنة، وهو أول من سكنها من الخلفاء إلى آخر دولتهم، وكانت أولا دارا للحسن بن سهل تعرف بالقصر الحسني، ثم صارت بعد ذلك لابنته بوران زوجة المأمون، ثم أصلحت ما وهى منها ورممت ما كان قد تشعث فيها، وفرشتها بأنواع الفرش في كل موضع منها ما يليق به من المفارش، وأسكنته ما يليق به من الجواري والخدم، وأعدت بها المآكل الشهية وما يحسن ادخاره في ذلك الزمان، ثم أرسلت مفاتيحها إلى المعتضد، فلما دخلها هاله ما رأى من الخيرات، ثم وسعها وزاد فيها وجعل لها سورا حولها، وكانت قدر مدينة شيراز، فبنى المعتضد فيها الميدان، ثم بنى فيها قصرا مشرفا على دجلة، ثم بنى فيها المكتفي التاج، فلما كان أيام المقتدر زاد فيها زيادات أخرى كبيرة وكثيرة جدا، ثم بعد هذا كله خربت حتى كأن لم يكن موضعها عمارة، وتأخرت آثارها إلى أيام التتار الذين خربوها وخربوا بغداد، وقال الخطيب البغدادي: والذي يشبه أن بوران وهبت دارها للمعتمد لا للمعتضد؛ فإنها لم تعش إلى أيامه, وقد تقدمت وفاتها".
كان بنو شيبان قد أفسدوا في الأرض وأخذوا يغيرون على الموصل وينهبون ويسلبون، فتصدى لهم الخوارج وأهل الموصل إلا أنهم هزموهم, فسار إليهم المعتضد، وقصد الموضع الذي يجتمعون به من أرض الجزيرة، فلما بلغهم قصده جمعوا إليهم أموالهم، فأغار عليهم وأوقع بهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق كثير في الزابين – فروع أنهار حول الفرات- وأخذ النساء والذراري وغنم أهل العسكر من أموالهم ما أعجزهم حمله، وأخذ من غنمهم وإبلهم ما كثر في أيدي الناس حتى بيعت الشاة بدرهم والجمل بخمسة دراهم، وأمر بالنساء والذراري أن يحفظوا حتى يحدروا إلى بغداد، ثم مضى المعتضد إلى الموصل، ثم إلى بلد، ثم رجع إلى بغداد فلقيه بنو شيبان يسألونه الصفح عنهم وبذلوا له الرهائن، فأخذ منهم خمسمائة رجل فيما قيل، ورجع المعتضد يريد مدينة السلام.
كان يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، يقيم بالمدينة المنورة، فجاءه وفد من اليمن يدعوه للمقام في بلادهم وأن يقوم لهم بأمرهم، فسافر إليهم في هذا العام، غير أنه لم يجد ما كان يتوقعه، فعاد للمدينة، فجاءه وفد آخر فاعتذر إليه مما كان ووعدوه بالنصر فرجع إليهم، وأقام في صعدة، ثم بدأت الدولة تتأسس وتقوى، وكانت بينهم وبين بني يعفر حروب على مدى السنوات.
كان ابتداء القرامطة بناحية البحرين أن رجلا يعرف بيحيى بن المهدي قصد القطيف فنزل على رجل يعرف بعلي بن المعلي بن حمدان، مولى الزياديين، وكان مغاليا في التشيع، فأظهر له يحيى أنه رسول المهدي، وكان ذلك سنة 281، وذكر أنه خرج إلى شيعته في البلاد يدعوهم إلى أمره، وأن ظهوره قد قرب، فوجه علي بن المعلي إلى الشيعة من أهل القطيف فجمعهم، وأقرأهم الكتاب الذي مع يحيى بن المهدي إليهم من المهدي، فأجابوه، وأنهم خارجون معه إذا أظهر أمره، ووجه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك فأجابوه، وكان فيمن أجابه أبو سعيد الجنابي.
كان يبيع للناس الطعام، ويحسب لهم بيعهم، ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة، ثم رجع ومعه كتاب يزعم أنه من المهدي إلى شيعته، فيه: قد عرفني رسولي يحيى بن المهدي مسارعتكم إلى أمري، فليدفع إليه كل رجل منكم ستة دنانير وثلثين، ففعلوا ذلك.
ثم غاب عنهم، وعاد ومعه كتاب فيه أن ادفعوا إلى يحيى خمس أموالكم، فدفعوا إليه الخمس.
وكان يحيى يتردد في قبائل قيس، ويورد إليهم كتبا يزعم أنها من المهدي، وأنه ظاهر، فكونوا على أهبة.
وحكى إنسان منهم يقال له إبراهيم الصائغ أنه كان عند أبي سعيد الجنابي، وأتاه يحيى، فأكلوا طعاما، فلما فرغوا خرج أبو سعيد من بيته، وأمر امرأته أن تدخل إلى يحيى، وألا تمنعه إن أرادها، فانتهى هذا الخبر إلى الوالي، فأخذ يحيى فضربه، وحلق رأسه ولحيته، وهرب أبو سعيد الجنابي إلى جنابا، وسار يحيى بن المهدي إلى بني كلاب، وعقيل، والخريس، فاجتمعوا معه ومع أبي سعيد، فعظم أمر أبي سعيد.
أرسل خمارويه أمير مصر طغج بن جف إلى غزو الروم، فتوجه من طرسوس حتى بلغ طرابزون، وفتح ملورية في جمادى الآخرة، ودامت الحرب بين المسلمين والروم اثني عشر يوما، فظفر المسلمون وغنموا غنائم كثيرة ثم عادوا.
كانت دار الندوة عامرة بالحرم تجاه الكعبة في مكة المكرمة من الجهة الشمالية الغربية، وكان ينزل بها الخلفاء والأمراء في حجهم في صدر الإسلام، ولكنها أهمل أمرها في منتصف القرن الثالث الهجري فأخذ يتهدم بناؤها.
فكتب في ذلك إلى الخليفة المعتضد العباسي، فأمر بها فهدمت في هذا العام وجعلت مسجدا وفيها قبلة إلى الكعبة، ثم بني له قبة عالية.
خرج المعتضد إلى الموصل، قاصدا حمدان بن حمدون التغلبي؛ لأنه بلغه أن حمدان التغلبي مال إلى هارون الشاري الخارجي، ودعا له، فلما بلغ الأعراب والأكراد مسير المعتضد تحالفوا أنهم يقاتلون على دم واحد، واجتمعوا وعبوا عسكرهم، وسار المعتضد إليهم في خيله، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلق كثير.
ثم تابع المعتضد سيره إلى الموصل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد، وقاتل من فيها يومه ذلك، فلما كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يا ابن حمدان, فأجابه، فقال له: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها، ثم وجه خلف ابن حمدون، وطلب أشد الطلب، وأخذت أموال له، ثم ظفر به المعتضد بعد عودته إلى بغداد.
كان خمارويه في دمشق في قاسيون، وكان قد بلغه أن جارية له قد اتخذت خصيا له كالزوج لها، فلما علم بذلك وأراد أن يقتله تمالأ الخدم على قتله فقتلوه وهو في فراشه ذبحا، ثم أخذ الخدم وقتلوا وكانوا أكثر من عشرين، وقيل غير ذلك في سبب قتله، ثم حمل في تابوت إلى مصر ودفن فيها، وتولى الحكم بعده ابنه جيش بن خمارويه
خلف المعتضد بالموصل نصرا القشوري يجبي الأموال ويعين العمال على جبايتها، فخرج عامل معلثايا - معلثايا قرية غرب مدينة دهوك- إليها ومعه جماعة من أصحاب نصر، فوقع عليهم طائفة من الخوارج، فاقتتلوا إلى أن أدركهم الليل وفرق بينهم، وقتل من الخوارج إنسان اسمه جعفر، وهو من أعيان أصحاب هارون، فعظم عليه قتله، وأمر أصحابه بالإفساد في البلاد، فكتب نصر القشوري إلى هارون الخارجي كتابا يتهدده بقرب الخليفة، فلما قدم المعتضد، جد في قصده، وولى الحسن بن علي كورة الموصل، وأمره بقصد الخوارج، وأمر مقدمي الولايات والأعمال كافة بطاعته، فجمعهم، وسار إلى أعمال الموصل، وخندق على نفسه، وأقام إلى أن رفع الناس غلاتهم، ثم سار إلى الخوارج، وعبر الزاب إليهم، فلقيهم قريبا من المغلة، وتصافوا للحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا، وانكشف الخوارج عنه ليفرقوا جمعيته ثم يعطفوا عليه، فأمر الحسن أصحابه بلزوم مواقفهم، ففعلوا فرجع الخوارج وحملوا عليهم سبع عشرة حملة، فانكشفت ميمنة الحسن، وقتل من أصحابه، وثبت هو، فحمل الخوارج عليه حملة رجل واحد، فثبت لهم وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه.
فلما رأى أصحابه ثباته تراجعوا إليه وصبروا، فانهزم الخوارج أقبح هزيمة، وقتل منهم خلق كثير، وفارقوا موضع المعركة، ودخلوا أذربيجان.
وأما هارون فإنه تحير في أمره، وقصد البرية، ونزل عند بني تغلب، ثم عاد إلى معلثايا ثم عاد إلى البرية، ثم رجع عبر دجلة إلى حزة، وعاد إلى البرية.
وأما وجوه أصحابه، فإنهم لما رأوا إقبال دولة المعتضد وقوته، وما لحقهم في هذه الوقعة، راسلوا المعتضد يطلبون الأمان فأمنهم، فأتاه كثير منهم، يبلغون ثلاثمائة وستين رجلا، وبقي معه بعضهم يجول بهم في البلاد، إلى أن قتل سنة 383هـ، حيث لاحقه الحسين بن عبدان التغلبي حتى قبض عليه وأرسله للمعتضد الذي قتله وصلبه.
كان الفداء بين المسلمين والروم، فكان جملة من فدي به من المسلمين؛ الرجال والنساء والصبيان، ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس.
في هذه السنة سارت الصقالبة (البلغار) إلى الروم، فحصروا القسطنطينية، وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وخربوا البلاد، فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصا، جمع من عنده من أسارى المسلمين، وأعطاهم السلاح، وسألهم معونته على الصقالبة، ففعلوا وكشفوا الصقالبة وأزاحوهم عن القسطنطينية، ولما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه، فردهم وأخذ السلاح منهم، وفرقهم في البلاد؛ حذرا من جنايتهم عليه.
كان الخليفة المعتضد قد عزل رافع بن هرثمة من ولاية خراسان وأعطاها لعمرو بن الليث، وذلك عام 279هـ، فأعلن رافع العصيان، وانضم إلى محمد بن زيد العلوي بطبرستان، فجهز جيشا وتوجه إلى خراسان لاستردادها، فخرج إليه عمرو بن الليث بجيش واقتتل الطرفان في معركة قرب طوس، فهرب رافع إلى خوارزم فتعقبه عمرو إلى أن قبض عليه وقتله، وأرسل رأسه إلى المعتضد.
هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، مولى آل المنصور, أصله رومي يوناني، شاعر زمانه مع البحتري، ولد سنة 221.
كان من كتاب الدواوين، غلب عليه الشعر فلم يعرف إلا به، كان مر الهجاء، قيل توفي مسموما بأمر القاسم بن عبيدالله وزير المعتضد؛ لأنه أكثر من هجائه وأفحش، توفي في بغداد عن 62 عاما.
وقيل: مات سنة 284.
خرج جماعة من قواد حاكم مصر جيش بن خمارويه، وجاهروا بالمخالفة، وقالوا: لا نرضى بك أميرا فاعتزلنا حتى نولي عمك الإمارة.
وكان سبب ذلك أنه لما ولي وكان صبيا قرب الأحداث والسفل، وأخلد إلى استماع أقوالهم، فغيروا نيته على قواده وأصحابه، وصار يقع فيهم ويذمهم، ويظهر العزم على الاستبدال بهم، وأخذ نعمهم وأموالهم، فاتفقوا عليه ليقتلوه ويقيموا عمه، فبلغه ذلك فلم يكتمه بل أطلق لسانه فيهم، ففارقه بعضهم، وخلعه طغج بن جف أمير دمشق.
وسار القواد الذين فارقوه إلى بغداد، وهم محمد بن إسحاق بن كنداجيق، وخاقان المفلحي وبدر بن جف، أخو طغج، وغيرهم من قواد مصر، وقدموا على المعتضد، وبقي سائر الجنود بمصر على خلافهم ابن خمارويه، فسألهم كاتبه علي بن أحمد الماذرائي أن ينصرفوا يومهم ذلك، فرجعوا فقتل جيش بن خمارويه عمين له، وبكر الجند إليه، فرمى بالرأسين إليهم، فهجم الجند على جيش بن خمارويه فقتلوه ونهبوا داره، ونهبوا مصر وأحرقوها، وأقعدوا أخاه هارون بن خمارويه في الإمرة بعده، فكانت ولايته تسعة أشهر.
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري المنبجي القحطاني، صاحب الديوان المعروف، شاعر كبير يقال لشعره سلاسل الذهب، كان أحد أشعر أهل عصره، ولد بمنبج إحدى قرى حلب عام 206ه وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم: هو، والمتنبي، وأبو تمام، قيل إن أبا تمام لما سمع شعره قال: نعيت إلي نفسي، رحل البحتري إلى العراق متكسبا بشعره، فكان يمدح ويهجو على حسب ذلك، اتهم بالبخل وقلة الوفاء؛ بسبب ذلك التقلب بالمديح والهجاء، أما شعره فغلب عليه الوصف وسهولة التراكيب، مع براعة في الوصف والخيال، اعتزل في آخر أيامه في مدينة مولده منبج، حتى مات فيها عن 78 عاما.
كان سبب الفتنة أن راغبا مولى الموفق ترك الدعاء لهارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون، ودعا لبدر مولى المعتضد، واختلف هو وأحمد بن طوغان، فلما انصرف أحمد بن طوغان من الفداء سنة 283 ركب البحر ومضى، ولم يدخل طرسوس، وخلف دميانة غلام بازمان بها للقيام بأمرها، وأمده ابن طوغان، فقوي بذلك، وأنكر ما كان يفعله راغب، فوقعت الفتنة، فظفر بهم راغب، فحمل دميانة إلى بغداد، ثم في هذه السنة قدم قوم من أهل طرسوس على المعتضد يسألونه أن يولي عليهم واليا، وكانوا قد أخرجوا عامل ابن طولون، فسير إليهم المعتضد ابن الإخشيد أميرا.
عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- على المنابر، فحذره وزيره عبد الله بن وهب، وقال له: إن العامة تنكر قلوبهم ذلك، وهم يترحمون عليه ويترضون عنه في أسواقهم وجوامعهم، فلم يلتفت إليه، بل أمر بذلك وأمضاه، وكتب به نسخا إلى الخطباء بلعن معاوية، وذكر فيها ذمه وذم ابنه يزيد بن معاوية وجماعة من بني أمية، وأورد فيها أحاديث باطلة في ذم معاوية وقرئت في الجانبين من بغداد، ونهيت العامة عن الترحم على معاوية والترضي عنه، فلم يزل به الوزير حتى قال له فيما قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الصنيع لم يسبقك أحد من الخلفاء إليه، وهو مما يرغب العامة في الطالبيين وقبول الدعوة إليهم، فوجم المعتضد عند ذلك؛ تخوفا على الملك.
ظهر اختلال حال هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون بمصر، واختلفت القواد، وطمعوا فانحل النظام، وتفرقت الكلمة، فأقاموا له أحد أمراء أبيه يدير الأمور ويصلح الأحوال، وهو أبو جعفر بن أبان، وكان عند والده وجده مقدما كبير القدر، فأصلح من الأحوال ما استطاع، وكان من بدمشق من الجند قد خالفوا على أخيه جيش بن خمارويه، فلما تولى أبو جعفر الأمور سير جيشا إلى دمشق عليهم بدر الحمامي، والحسين بن أحمد الماذرائي، فأصلحا حالها وقررا أمور الشام، واستعملا على دمشق طغج بن جف واستعملا على سائر الأعمال، ورجعا إلى مصر والأمور فيها اختلال، والقواد قد استولى كل واحد منهم على طائفة من الجند وأخذهم إليه، وهكذا يكون انتقاض الدول، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد لحكمه، وهو سريع الحساب.
غزا راغب الخادم مولى الموفق بلاد الروم ففتح حصونا كثيرة، وأسر ذراري كثيرة جدا، وقتل من أسارى الرجال الذين معه ثلاثة آلاف أسير، ثم عاد سالما مؤيدا منصورا.
غزا ابن الإخشيد بأهل طرسوس بلاد الروم، ففتح الله على يديه حصونا كثيرة، ولله الحمد.
هو إمام النحو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي الثمالي المعروف بالمبرد، النحوي البصري.
ولد بالبصرة عام 210 إمام في اللغة العربية، أخذ ذلك عن المازني وأبي حاتم السجستاني، وكان إماما علامة، جميلا وسيما، فصيحا مفوها، ثقة ثبتا فيما ينقله, كان المبرد مناوئا وزميلا لأبي العباس أحمد بن يحيى المشهور بثعلب.
والمبرد يحب مناظرته والاستكثار منها، بينما ثعلب كان يكره ذلك ويمتنع عنه لتفوقه عليه, وله كتاب "الكامل في الأدب".
لما توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني صاحب ديار بكر، قام بعده ابنه محمد بآمد وما يليها على سبيل التغلب، فسار المعتضد إلى آمد بالعساكر، ومعه ابنه أبو محمد علي المكتفي، وجعل طريقه على الموصل، فوصل آمد، وحصرها إلى ربيع الآخر من سنة 286، ونصب عليها المجانيق، فأرسل محمد بن أحمد بن عيسى يطلب الأمان لنفسه، ولمن معه، ولأهل البلد، فأمنهم المعتضد، فخرج إليه وسلم البلد، فخلع عليه المعتضد وأكرمه، وهدم سورها.
ثم بلغه أن محمد بن أحمد يريد الهرب، فقبض عليه وعلى أهله.
قامت الحرب بين إسماعيل بن أحمد الساماني وعمرو بن الليث بن يعقوب الصفار؛ وذلك أن عمرو بن الليث لما قتل رافع بن هرثمة وبعث برأسه إلى الخليفة، سأل منه أن يعطيه ما وراء النهر مضافا إلى ما بيده من ولاية خراسان، فأجابه إلى ذلك فانزعج لذلك إسماعيل بن أحمد الساماني نائب ما وراء النهر، وكتب إليه: إنك قد وليت دنيا عريضة فاقتنع بها عما في يدي من هذه البلاد، فلم يقبل، فأقبل إليه إسماعيل في جيوش عظيمة جدا، فالتقيا عند بلخ فهزم أصحاب عمرو، وأسر عمرو، فلما جيء به إلى إسماعيل بن أحمد قام إليه وقبل بين عينيه وغسل وجهه وخلع عليه وأمنه وكتب إلى الخليفة في أمره، ويذكر أن أهل تلك البلاد قد ملوا وضجروا من ولايته عليهم، فجاء كتاب الخليفة بأن يتسلم حواصله وأمواله فسلبه إياها، فآل به الحال بعد أن كان مطبخه يحمل على ستمائة جمل إلى القيد والسجن، ومن العجائب أن عمرا كان معه خمسون ألف مقاتل لم يصب أحد منهم ولا أسر سواه وحده، وهذا جزاء من غلب عليه الطمع، وقاده الحرص حتى أوقعه في ذل الفقر، وهذه سنة الله في كل طامع فيما ليس له، وفي كل طالب للزيادة في الدنيا.
ظهر أمر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجنابي بالبحرين، كان أول أمره يبيع للناس الطعام ويحسب لهم بيعهم، ثم أصبح أبو سعيد من أبرز أتباع يحيى بن المهدي رسول المهدي المنتظر- على زعمهم- فاجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة، وقوي أمره، فقتل من حوله من أهل القرى، ثم سار إلى القطيف فقتل ممن بها وأظهر أنه يريد البصرة، فكتب أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي- وكان متولي البصرة- إلى المعتضد بذلك، فأمره بعمل سور على البصرة.
أظهر عمر بن حفصون النصرانية، وكان قد خرج في الأندلس على أميرها وحصلت بينهم عدة وقائع، وكان قبل ذلك يسرها، وانعقد مع أهل الشرك وباطنهم، ونفر عن أهل الإسلام ونابذهم، فتبرأ منه خلق كثير، ونابذه عوسجة بن الخليع، وبنى حصن قنبط، وصار فيه مواليا للأمير عبد الله، محاربا لابن حفصون, فرأى جميع المسلمين أن حربه جهاد، فتتابعت عليه الغزوات بالصوائف والشواتي من ذلك الوقت.