في النقد اللغوي
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
مجلة رسالة الإسلام عدد 38
/ صفحه 168/
في النقد اللغوي
للأستاذ علي النجدي ناصف
ــــ
يؤثر النقد اللغوي في مساجلاته المواجهة والصرامة، على المداراة والمجاملة. وقلما يرضى في مآخذه وأحكامه بما دون التجهيل التخطئة، على تفاوت في ذلك، من القول الهيّن الرفيق، إلى القول الذي لا رفق فيه ولا هينة.
ومن أمثلة ذلك أن المتنبى حين أنشد سيف الدولة قصيدة:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
قال له ابن خالويه، فيما يقول الرواة، ناقداً منكراً بعض ما جاء في هذا المطلع: " أتقول أشجاه، وإنما هي شجاه؟ " يحسب أن الكلمة فعل ماض، وليس اسم تفضيل.
فهذه تخطئة قاطعة، لا تحتمل وجهاً من المراجعة، وليس فيها أثر من حذرن ولا لها وجه من صواب، كأن شهوة التخطئة أنست العالم الجليل علمه، وسيطرت على عقله وحكمته، ولم تدع له إلا أن يسرع على هذه الصورة، دون ريث ولا احتياط، فيقول ما قال.
وما كان للمتنبي في الحال التي كان عليها، والظروف التي كان يعيش فيها بحضرة سيف الدولة: أن يتهاون أو يهادن في رد هذا الهجوم، الذي لا مسوغ له، ولهذا كان جوابه قاسياً عنيفاً، إذ قال له: إسكت، ليس هذا من علمك! إنما هو اسم لأفعل (1).
ــــــــــ
(1) شرح التبيان على ديوان المتنبي: 2: 23.
/ صفحه 169/
وقد يتلطف الناقد في أسلوبه، فيجئ عفّاً ليناً، ولكنه لا يسلم مع ذلك من غضب المنقود وسخطه.
ومرجع ذلك فيما يبدو، إلى ما سبقت به العادة بين الناقد والمتقود، من الوحشية وسوء الظن، فما يملك أحدهما أو كلاهما إلا أن يكون مع صاحبه خشناً غليظاً، ولو لم يكن ثمة محل للخشونة والغلظ على الإطلاق.
رووا أن الأخفش نقد قول بشار:
فالآن أقصرَ عن سمية باطلي وأشار بالوَجلي عليّ مشير
وقوله:
على الغزلي منى السلام فربما لهوت بها في ظل مرءومة زُهر
وقوله:
تلاعب نينان البحور وربما رأيت نفوس القوم من جريها تجري