Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
أول من دخل أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس، وقيل: أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي، فسبى وغنم.
هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرات، كانت تحت زيد بن حارثة، ثم طلقها فزوجها الله تعالى نبيه، وفيها نزلت الآيات: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} [الأحزاب: 37].
كانت كثيرة الخير والصدقة، كانت صناع اليد، تعمل بيدها، وتتصدق به في سبيل الله، ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمها برة فسماها زينب، ومن ورعها موقفها من عائشة في حادثة الإفك، قالت عائشة: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش عن أمري ما علمت أو ما رأيت؟ قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا.
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع.
وكانت أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوقا به، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودخل قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش، ودفنت في البقيع رضي الله عنها وأرضاها.
هو فلافيوس أغسطس هرقل إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، من أصول أرمينية, بدأ صعوده إلى السلطة عام 608م، قاد ثورة ناجحة ضد الإمبراطور فورس الذي تسلم السلطة بعد خلع الإمبراطور موريس، ودون شعبية تذكر في ظل القلاقل التي عانت منها الإمبراطورية.
كان والد هرقل -وهو هرقل الأكبر- قائدا عسكريا ناجحا، شارك في حروب الإمبراطور موريس، ويعتبر هرقل مؤسس السلالة الهراقلية التي استمرت بحكم الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 711.
انتصر هرقل على الفرس في معركة نينوى 5 هـ، ثم كانت هزيمة جيوشه على يد المسلمين في معركة اليرموك عام 14 هـ، وقد تنبأ هرقل بانتصارات المسلمين، كما في صحيح البخاري قال هرقل لأبي سفيان قبل أن يسلم: فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
كاد هرقل أن يسلم لكن خوفه على ملكه منعه عن الإسلام، كما ورد خبره في صحيح البخاري، قال ابن الناظور:كان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود.
فبينما هم على أمرهم، أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون.
فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر.
ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي.
وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت.
فسجدوا له ورضوا عنه.
هلك هرقل بعد أن هرم وتخلى عن قيادة الجيوش.
كما أصاب الشام طاعون عمواس فقد أصيبت الحجاز بقحط شديد جدا وجفاف عام، وسمي ذلك اليوم بعام الرمادة، حتى طلب عمر الغوث من مصر ومن الشام، فأرسل له عاملاه عليها المؤونة التي خففت عن الناس.
بعد انتصار المسلمين في موقعة عين شمس مكن هذا النصر معسكرات المسلمين من أن تشرف على حصن باب ليون مباشرة من جهته الشمالية والشرقية، وكانت أسوار هذا الحصن تضم مساحة تزيد عن الستين فدانا, ضرب المسلمون حصارا قويا على الحصن المنيع، غير عابئين بمجانيق الروم، تدفعهم حماستهم، وحب الجهاد ونيل الشهادة في مهاجمة الحصن، والقيام بسلسلة من المناوشات التي كانت نتائجها تضعف معنويات المحاصرين، ولم يكد يمضي على الحصار شهر حتى دب اليأس في نفس "المقوقس" حاكم مصر، فأرسل في طلب المفاوضة والصلح، فبعث عمرو بن العاص وفدا من المفاوضين على رأسه عبادة بن الصامت الذي كلف بألا يتجاوز في مفاوضته أمورا ثلاثة يختار الروم واحدة منها، وهي: الدخول في الإسلام، أو قبول دفع الجزية للمسلمين، أو الاحتكام إلى القتال، فلم يقبل الروم العرضين الأولين، وأصروا على مواصلة القتال، وحاول المقوقس أن يعقد صلحا مع عمرو بعد أن تيقن أنه لا قبل له بمواجهة المسلمين، وآثر الصلح وحقن الدماء، واختار أن يدفع الجزية للمسلمين، وكتب شروط الصلح، وأرسلها إلى هرقل إمبراطور الروم للموافقة عليها، وأسرع إلى الإسكندرية مغادرا الحصن، وأردف شروط الصلح برسالة إلى هرقل يعتذر فيها لهرقل عما أقدم عليه من الصلح مع المسلمين، فما كان من هرقل إلا أن أرسل إليه وإلى قادة الروم يعنفهم على تخاذلهم وتهاونهم إزاء المسلمين، ولم يكن لهذا معنى سوى رفض شروط الصلح، استأنف المسلمون القتال وشددوا الحصار بعد فشل الصلح، وفي أثناء ذلك جاءت الأنباء بوفاة هرقل ففت ذلك في عضد الجنود داخل الحصن، وزادهم يأسا على يأس، في الوقت الذي صحت فيه عزائم المسلمين، وقويت معنوياتهم، وفي غمرة الحصار تطوع الزبير بن العوام بتسلق سور الحصن في ظلام الليل، وتمكن بواسطة سلم وضع له أن يصعد إلى أعلى السور، ولم يشعر الروم إلا بتكبيرة الزبير تهز سكون الليل، ولم يلبث أن تبعه المسلمون يتسابقون على الصعود، تسبقهم تكبيراتهم المدوية فتنخلع لها أفئدة الروم التي ملأها اليأس، فكانت تلك التكبيرات أمضى من كل سلاح قابلهم، حتى كان قائد الحصن يعرض الصلح على عمرو ومغادرة الحصن.
هو عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان، أحد القراء السبعة، إمام أهل مكة في القراءة، ولقي فيها عددا من الصحابة، وكان فصيحا بليغا مفوها، أبيض اللحية، طويلا، جسيما، أسمر، أشهل العينين، يخضب بالحناء، عليه السكينة والوقار، توفي في مكة.
قام هشام بن عبد الملك بعزل خالد بن عبد الله القسري البجلي وولى بدلا منه يوسف بن عمر الثقفي، وقد اختلفت الروايات بشأن سبب عزله.
ظهر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان بمكة، فلما بلغه خبر أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن، وبها إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عاملا للمأمون، فلما بلغه قرب إبراهيم من صنعاء، سار منها نحو مكة فأتى المشاش، فعسكر بها واجتمع بها إليه جماعة من أهل مكة هربوا من العلويين، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار؛ لكثرة من قتل باليمن، وسبى، وأخذ الأموال.
خرج خارجي من البربر بناحية مورور، من الأندلس، ومعه جماعة، فوصل كتاب العامل إلى الحكم بن هشام بخبره، فأخفى الحكم خبره، واستدعى من ساعته قائدا من قواده، فأخبره بذلك سرا، وقال له: سر من ساعتك إلى هذا الخارجي فأتني برأسه، وإلا فرأسك عوضه، وأنا قاعد مكاني هذا إلى أن تعود.
فسار القائد إلى الخارجي، فلما قاربه سأل عنه، فأخبر عنه باحتياط كثير، واحتراز شديد، ثم ذكر قول الحكم: إن قتلته، وإلا فرأسك عوضه، فحمل نفسه على سبيل المخاطرة فأعمل الحيلة، حتى دخل عليه، وقتله، وأحضر رأسه عند الحكم، فرآه بمكانه ذلك لم يتغير منه، وكانت غيبته أربعة أيام.
ثم أحسن إلى ذلك القائد، ووصله وأعلى محله.
كان بالبصرة من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، ومعه جماعة من أهل بيته، وهو الذي يقال له زيد النار وإنما سمي زيد النار؛ لكثرة ما حرق من الدور بالبصرة من دور بني العباس وأتباعهم، وكان إذا أتي برجل من المسودة كانت عقوبته عنده أن يحرقه بالنار، وانتهب أموال تجار البصرة، فأخذه علي بن أبي سعيد أسيرا، وقيل: إنه طلب الأمان فأمنه.
لما وصل الحسين بن حسن الأفطس لمكة من قبل أبي السرايا وفعل في مكة ما فعل من تغيير كسوة الكعبة وتخريب ونهب، وصله خبر هزيمة أبي السرايا، ذهب إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وبايعه فأقامه، وبايعه بالخلافة، وجمع له الناس، فبايعوه طوعا وكرها وسموه أمير المؤمنين، فبقي شهورا وليس له من الأمر شيء، ثم لما وصل عامل اليمن وجيش هرثمة بن أعين من الكوفة، هرب محمد بن جعفر إلى الجحفة ثم قبض عليه وطلب الأمان وقال إنه وصله أن المأمون مات فدعا لبيعة نفسه، فلما صح الخبر عنده أنه لم يمت خلع نفسه من الخلافة، ثم بعد ذلك أرسل إلى المأمون، ثم سار إلى جرجان ومات بها سنة 204هـ وهو المعروف بالديباج.
لما هزم هرثمة بن أعين أبا السرايا ومن كان معه من ولاة الخلافة، وهو محمد بن محمد، وشى بعض الناس إلى المأمون أن هرثمة راسل أبا السرايا وهو الذي أمره بالظهور، فاستدعاه المأمون إلى مرو فأمر به فضرب بين يديه ووطئ بطنه، ثم رفع إلى الحبس ثم قتل بعد ذلك بأيام، وانطوى خبره بالكلية.
ولما وصل بغداد خبر قتله عبثت العامة والحربية بالحسن بن سهل نائب العراق، وقالوا: لا نرضى به ولا بعماله ببلادنا، وأقاموا إسحاق بن موسى المهدي نائبا، واجتمع أهل الجانبين على ذلك، والتفت على الحسن بن سهل جماعة من الأمراء والأجناد، وأرسل من وافق العامة على ذلك من الأمراء يحرضهم على القتال، وجرت الحروب بينهم ثلاثة أيام في شعبان من هذه السنة، ثم اتفق الحال على أن يعطيهم شيئا من أرزاقهم ينفقونها في شهر رمضان، فما زال يمطلهم إلى ذي القعدة حتى يدرك الزرع، فخرج في ذي القعدة زيد بن موسى الذي يقال له زيد النار، معه أخو أبي السرايا، وقد كان خروجه هذه المرة بناحية الأنبار، فبعث إليه علي بن هشام نائب بغداد عن الحسن بن سهل- والحسن بالمدائن إذ ذاك- فأخذ وأتي به إلى علي بن هشام، وأطفأ الله ثائرته.
جهز الحكم بن هشام أمير الأندلس جيشا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج بالأندلس، فسار بالعساكر حتى دخل بأرضهم، وتوسط بلادهم، فخربها ونهبها وهدم عدة من حصونها، كلما أهلك موضعا وصل إلى غيره، فاستنفد خزائن ملوكهم.
فلما رأى ملكهم فعل المسلمين ببلادهم، كاتب ملوك جميع تلك النواحي مستنصرا بهم، فاجتمعت إليه النصرانية من كل صوب، فأقبل في جموع عظيمة بإزاء عسكر المسلمين، بينهم نهر، فاقتتلوا قتالا شديدا عدة أيام، المسلمون يريدون يعبرون النهر، وهم يمنعون المسلمين من ذلك.
فلما رأى المسلمون ذلك تأخروا عن النهر، فعبر الفرنج إليهم، فاقتتلوا أعظم قتال، فانهزم الفرنج إلى النهر، فأخذهم بالسيف والأسر، فمن عبر النهر سلم، وأسر جماعة من جنودهم وملوكهم وقمامصتهم، وعاد الفرنج ولزموا جانب النهر، يمنعون المسلمين من جوازه، فبقوا كذلك ثلاثة عشر يوما يقتتلون كل يوم، فجاءت الأمطار، وزاد النهر، وتعذر جوازه، فقفل عبد الكريم عنهم سابع ذي الحجة.
افتتح عبد الله بن خرداذبة والي طبرستان البلاذر، والشيزر، من بلاد الديلم، وافتتح جبال طبرستان، فأنزل شهريار بن شروين عنها، وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون، وأسر أبا ليلى ملك الديلم.
كان سبب ذلك أن المأمون جعل علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، ولقبه الرضا من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر، وكتب بذلك إلى الآفاق، وكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد بعد عوده إلى بغداد يعلمه أن المأمون قد جعل علي بن موسى ولي عهده من بعده.
وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأمر عيسى بن محمد أن يأمر من عنده من أصحابه، والجند، والقواد، وبني هاشم بالبيعة له، ولبس الخضرة، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فثار العباسيون وقالوا: إنما يريد أن يأخذ الخلافة من ولد العباس، وإنما هذا من الفضل بن سهل، فمكثوا كذلك أياما وتكلم بعضهم وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون، فكان أشدهم فيه منصور وإبراهيم ابنا المهدي.
لما جاء الخبر أن المأمون بايع لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن الحسين بالولاية من بعده؛ وذلك أن المأمون رأى أن عليا الرضا خير أهل البيت، وليس في بني العباس مثله في علمه ودينه، فجعله ولي عهده من بعده- اختلفوا فيما بينهم، فمن مجيب مبايع، ومن آب ممانع، وجمهور العباسيين على الامتناع من ذلك، وقام في ذلك ابنا المهدي إبراهيم ومنصور، فلما كان يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة فأظهر العباسيون البيعة لإبراهيم بن المهدي، ولقبوه بالمبارك- وكان أسود اللون- ومن بعده لابن أخيه إسحاق بن موسى بن المهدي، وخلعوا المأمون.
فلما كان يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة أرادوا أن يدعوا للمأمون ثم من بعده لإبراهيم فقالت العامة: لا تدعوا إلا إلى إبراهيم فقط، واختلفوا واضطربوا فيما بينهم، ولم يصلوا الجمعة، وصلى الناس فرادى أربع ركعات.
أبو العباس عبد الله الأول بن إبراهيم أحد حكام الأغالبة، تولى بعد وفاة والده إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ.
وكان أبو العباس يلي طرابلس لأبيه، فأخذ أخوه زيادة الله البيعة له من رؤساء الجند، ثم دخل القيروان سنة 197هـ, وأقره الخليفة المأمون على ما بيده من إفريقية.
عامل أبو العباس سكان البلاد معاملة تنطوي على الكثير من العنت والجور، ولم يصغ إلى نصائح أهل الرأي فيها.
وعدل نظام الضرائب فجعل العشر ضريبة مالية ثابتة، حتى لا يتأثر الدخل السنوي بالخصب والجدب، فسخط الناس عليه، وطالبوا بإلغائها والعودة إلى نظام العشر الذي اعتادوه، كما عامل أخاه زيادة الله ولي عهده معاملة سيئة، وكذلك فعل مع أهل بيته.
وكان أبو العباس أفصح أهل بيته لسانا وأكثرهم أدبا، وكان يقول الشعر، ويرعى الشعراء.
وكانت إمارته خمس سنين ونحو شهرين.
لما توفي أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، ولي بعده أخوه محمد زيادة الله بن إبراهيم، وبقي أميرا رخي البال وادعا والدنيا عنده آمنة.
ثم جهز جيشا في أسطول البحر إلى مدينة سردانية، وهي للروم، فعطب بعضها بعد أن غنموا من الروم، وقتلوا كثيرا، فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم.
بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة، ولقبوه المبارك، وخلعوا المأمون، وبايعه سائر بني هاشم، فكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبدالله بن مالك، فكان الذي سعى في هذا الأمر السندي، وصالحا صاحب المصلى، ونصيرا الوصيف، وغيرهم؛ غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس، ولتركه لباس آبائه من السواد.
فلما فرغ من البيعة وعد الجند رزق ستة أشهر، ودافعهم بها فشغبوا عليه، فأعطاهم لكل رجل مائتي درهم، وكتب لبعضهم إلى السواد بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميع، وأخذوا نصيب السلطان وأهل السواد، واستولى إبراهيم على الكوفة والسواد جميعه، وعسكر بالمدائن، واستعمل على الجانب الغربي من بغداد العباس بن موسى الهادي، وعلى الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي.
عز على علماء الأندلس انتهاك الحكم بن هشام للحرمات، وأتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله- فلا قوة إلا بالله- فلما هم العلماء بخلع الحكم، قالوا: إنه غير عدل، ونكثوه في نفوس العوام، وزعموا أنه لا يحل المكث ولا الصبر على هذه السيرة الذميمة، وكان ممن تقدم العلماء في الدعوة لخلع الحكم بن هشام يحيى بن يحيى الليثي، وطالوت المعافري, وعول أهل العلم على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن عبدالرحمن الداخل ابن عم الحكم بن هشام؛ لما عرفوا من صلاحه وعقله، ودينه، فقصدوه، وعرفوه بالأمر، فأبدى الميل إليهم والبشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلة؛ فإن الليل أستر.
وناموا، وقام هو إلى ابن عمه الحكم، فأخبره بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئت لسفك دمي أو دمائهم، وهم أعلام، فمن أين نتوصل إلى ما ذكرت? فقال: أرسل معي من تثق به ليتحقق.
فوجه من أحب، فأدخلهم أحمد في بيته تحت ستر، ودخل الليل، وجاء القوم، فقال: خبروني من معكم? فقالوا: فلان الفقيه، وفلان الوزير.
وعدوا كبارا، والكاتب يكتب حتى امتلأ الرق، فمد أحدهم يده وراء الستر، فرأى القوم، فقام وقاموا، وقالوا: فعلتها يا عدو الله.
فمن فر لحينه نجا، ومن لا، قبض عليه، فكان ممن فر: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحب مالك، وقرعوس بن العباس الثقفي, وقبض على ناس كمالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم وصلبوا, وأضاف إليهم الحكم عميه؛ كليبا وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم، وتهيأ، وأخذت العامة في الهياج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا.
واستفحل الشر.
أقبل المأمون من خراسان قاصدا العراق، وذلك أن علي بن موسى الرضا أخبر المأمون بما الناس فيه من الفتن والاختلاف بأرض العراق، وبأن الهاشميين قد أنهوا إلى الناس بأن المأمون مسحور ومسجون، وأنهم قد نقموا عليك ببيعتك لعلي بن موسى، وأن الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وبين إبراهيم بن المهدي.
فاستدعى المأمون جماعة من أمرائه وأقربائه فسألهم عن ذلك فصدقوا عليا فيما قال، بعد أخذهم الأمان منه، وقالوا له: إن الفضل بن سهل حسن لك قتل هرثمة بن أعين، وقد كان ناصحا لك.
فعاجله بقتله، وإن طاهر بن الحسين مهد لك الأمور حتى قاد إليك الخلافة بزمامها فطردته إلى الرقة، فقعد لا عمل له ولا تستنهضه في أمر، وإن الأرض تفتقت بالشرور والفتن من أقطارها، فلما تحقق ذلك المأمون أمر بالرحيل إلى بغداد، وقد فطن الفضل بن سهل بما تمالأ عليه أولئك الناصحون، فضرب قوما ونتف لحى بعضهم.
وسار المأمون فلما كان بسرخس عدا قوم على الفضل بن سهل وزير المأمون (ذو الرياستين ) وهو في الحمام، فقتلوه بالسيوف، وله ستون سنة، فبعث المأمون في آثارهم فجيء بهم وهم أربعة من المماليك فقتلهم وكتب إلى أخيه الحسن بن سهل يعزيه فيه، وولاه الوزارة مكانه، وارتحل المأمون من سرخس يوم عيد الفطر نحو العراق، وإبراهيم بن المهدي بالمدائن، وفي مقابلته جيش يقاتلونه من جهة المأمون.
من أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض، وهم قوم كانوا يعيشون في إحدى ضواحي قرطبة، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدا عليه؛ بسبب ما عرف عنه من معاقرة الخمر، وتشاغله باللهو والصيد، وقد زاد من نقمة الشعب عليه قتله لجماعة من أعيان قرطبة، فكرهه الناس, وصاروا يتعرضون لجنده بالأذى والسب، فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارها وحفر خنادقها، وارتبط الخيل على بابه، واستكثر المماليك، ورتب جمعا لا يفارقون باب قصره بالسلاح، فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة، وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم.
ثم وضع عليهم عشر الأطعمة كل سنة، من غير خرص، فكرهوا ذلك، ثم عمد إلى عشرة من رؤساء سفهائهم، فقتلهم، وصلبهم، فهاج لذلك أهل الربض، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم وتألبوا بالسلاح وقصدوا القصر، فكان أول من شهر السلاح أهل الربض، واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح، واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر، وفرق الحكم الخيل والأسلحة، وجعل أصحابه كتائب، ووقع القتال بين الطائفتين، فغلبهم أهل الربض، وأحاطوا بقصره، فنزل الحكم من أعلى القصر، ولبس سلاحه، وركب وحرض الناس، فقاتلوا بين يديه قتالا شديدا.
ثم أمر ابن عمه عبيد الله، فثلم في السور ثلمة، وخرج منها ومعه قطعة من الجيش، وأتى أهل الربض من وراء ظهورهم، ولم يعلموا بهم، فأضرموا النار في الربض، وانهزم أهله، وقتلوا مقتلة عظيمة، وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور، فأسروهم، فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم، فقتلهم، وصلبهم منكسين، وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام.
ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث، فأشار عليه بالصفح عنهم والعفو، وأشار غيره بالقتل، فقبل قوله، وأمر فنودي بالأمان، على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه؛ فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيا، وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم، وما خف من أموالهم، وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون، ومن امتنع عليهم قتلوه.
فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس، وجمعهن إلى مكان، وأمر بهدم الربض القبلي.
فكانت وقعة هائلة شنيعة، قتل فيها عدد كثير زهاء أربعين ألفا من أهل الربض، وعاينوا البلاء وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر ونزلوا بلاد البربر، ومنهم من نزل بالإسكندرية في مصر.
وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام محبوسا في حبس الدم بقرطبة، في رجليه قيد ثقيل، فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له، فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم، وأطلقوه، فخرج فقاتل قتالا شديدا لم يكن في الجيش مثله، فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن، فانتهى خبره إلى الحكم، فأطلقه وأحسن إليه.
دولة بني زياد هي أول الدول اليمنية استقلالا في القرن الثالث الهجري، ففي زمن المأمون الخليفة العباسي بدأ النفوذ الشيعي يزداد بشدة؛ ما جعله يولي محمد بن إبراهيم الزيادي اليمن سنة 203هـ، وبعد عام من هذا التاريخ بدأ الزيادي في بناء مدينة جديدة لها، وهي مدينة زبيد، وقد نجح في بسط نفوذه على جميع أرجاء اليمن حتى استقل بملكها، فملك إقليم اليمن بأسره، وحضرموت بأسرها، والشحر ومرباط وأبين وعدن والتهائم إلى حلي يعقوب، وكذلك من جبال الجند وأعماله ومخلاف جعفر ومخلاف المعافر وصنعاء وأعمالها ونجران وبيحان والحجاز بأسره.
وبعد أن جعل الزيادي الملك في ذريته ودانت له اليمن، حكم من بعده ابنه إبراهيم سنة 245هـ، ثم تولى من بعده زياد، ثم من بعده ابنه أبو الجيش إسحاق الذي عمر طويلا وبدأ في عهده ضعف الدولة الزيادية، فثار في صنعاء ابن يعفر، وثار في صعدة يحيى بن القاسم الرسي الملقب بالهادي سنة 288هـ، وأصبحت اليمن كلها في مهب الريح، وبدأت الدولة الزيادية بالتفكك.
وانتزع اليعفريون من بني زياد بعض المناطق، وأصبحت اليمن ثلاث دول: دولة ابن يعفر في صنعاء، والدولة الشيعية الزيدية للرسيين في صعدة، ودولة الزياديين في زبيد.
فلم يدم الملك طويلا لأحد، وشهد اليمن اضطرابات مذهبية خلال العصر العباسي الثاني.
وفي آخر الأمر تمكن نجاح وهو مملوك حبشي لمرجان من تأسيس دولة بني نجاح في زبيد، وبهذا انقرضت دولة بني زياد.
توفي علي بن موسى الرضا- الذي كان المأمون قد جعله وليا للعهد- وكان سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه، فمات فجأة، وكان موته بمدينة طوس، فصلى المأمون عليه، ودفنه عند قبر أبيه الرشيد, وقيل: إن المأمون سمه في عنب، وكان علي يحب العنب.
فلما توفي كتب المأمون إلى الحسن بن سهل يعلمه موت علي، وما دخل عليه من المصيبة بموته، وكتب إلى أهل بغداد، وبني العباس والموالي يعلمهم موته، وأنهم إنما نقموا ببيعته، وقد مات، ويسألهم الدخول في طاعته، فكتبوا إليه أغلظ جواب.
كان سبب ذلك أن إبراهيم قبض على عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسه، وأخذ عدة من قواده وأهله، فحبسهم ونجا بعضهم، وفيمن نجا أخو عيسى العباس بن محمد، ومشى بعض أهله إلى بعض، وحرضوا الناس على إبراهيم، وكان أشدهم العباس بن محمد، وكان هو رأسهم، فاجتمعوا وطردوا عامل إبراهيم على الجسر، والكرخ وغيره، وظهر الفساق والشطار، وكتب العباس إلى حميد بن عبد الحميد يسأله أن يقدم عليهم حتى يسلموا إليه بغداد، فقدم عليهم، وسار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده.
وخرج إليه العباس وقواد أهل بغداد، فلقوه، ووعدهم أن يصنع لهم العطاء يوم السبت في الياسرية على أن يدعوا للمأمون بالخلافة يوم الجمعة، ويخلعوا إبراهيم، فأجابوه إلى ذلك.
ولما بلغ إبراهيم الخبر أخرج عيسى ومن معه من إخوته من الحبس، وسأله أن يرجع إلى منزله، ويكفيه أمر هذا الجانب، فأبى عليه.
ثم بعد ذلك رضي فخلى سبيله، وأخذ منه كفلاء، وكلم عيسى الجند، ووعدهم أن يعطيهم مثل ما أعطاهم حميد بن عبد الحميد، فأبوا ذلك، وشتموه وأصحابه، وقالوا: لا نريد إبراهيم، فقاتلهم ساعة، ثم ألقى نفسه في وسطهم، حتى أخذوه شبه الأسير، فأخذه بعض قواده، فأتى به منزله، ورجع الباقون إلى إبراهيم، فأخبروه الخبر، فاغتم لذلك.
ثم اختفى إبراهيم بن المهدي؛ وكان سبب ذلك أن أصحاب إبراهيم وقواده تسللوا إلى حميد بن عبد الحميد فصار عامتهم عنده، وأخذوا له المدائن.
فلما رأى إبراهيم فعلهم أخرج جميع من بقي عنده حتى يقاتلوا فالتقوا على جسر نهر ديالى، فاقتتلوا فهزمهم حميد وتبعهم أصحابه، حتى دخلوا بغداد، وذلك نهاية ذي العقدة.
فلما كان الأضحى اختفى الفضل بن الربيع، ثم تحول إلى حميد بن عبد الحميد، وجعل الهاشميون والقواد يأتون حميدا واحدا بعد واحد، فلما رأى ذلك إبراهيم سقط في يديه، وشق عليه، اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة.
وكانت أيام إبراهيم سنة وأحد عشر شهرا واثني عشر يوما.
كان شخص من بني زياد بن أبيه، اسمه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد، مع جماعة من بني أمية، قد سلمهم المأمون إلى الفضل بن سهل ذي الرياستين، وقيل إلى أخيه الحسن، وبلغ المأمون اختلال أمر اليمن، فأثنى ابن سهل على محمد بن زياد الأموي، وأشار بإرساله أميرا على اليمن، فأرسل المأمون محمد بن زياد، ومعه جماعة، فحج ابن زياد في سنة ثلاث ومائتين، وسار إلى اليمن، وفتح تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب، واستقرت قدم ابن زياد باليمن، وبنى مدينة زبيد، واختطها في سنة أربع ومائتين، وأرسل ابن زياد مولاه جعفرا بهدايا جليلة إلى المأمون، فسار جعفر بها إلى العراق، وقدمها إلى المأمون في سنة خمس ومائتين، وعاد جعفر إلى اليمن في سنة ست ومائتين، ومعه عسكر من جهة المأمون، بمقدار ألفي فارس، فعظم أمر ابن زياد، وملك إقليم اليمن بأسره وتقلد جعفر الجبال، واختط بها مدينة يقال لها المديحرة، والبلاد التي كانت لجعفر تسمى إلى اليوم مخلاف جعفر، والمخلاف عبارة عن قطر واسع، وكان جعفر هذا من الكفاة الدهاة، وبه تمت دولة بني زياد، حتى قتل ابن زياد بجعفرة، وبقي محمد بن زياد كذلك حتى توفي.
فكان ذلك أول قيام الدولة الزيادية باليمن.
لما خلع إبراهيم بن المهدي واختفى وانقطعت الفتن، قدم المأمون بغداد، وكان قد أقام بجرجان شهرا وجعل يقيم بالمنزل اليوم واليومين والثلاثة، وأقام بالنهروان ثمانية أيام، فخرج إليه أهل بيته والقواد، ووجوه الناس، وسلموا عليه.
وكان قد كتب إلى طاهر بن الحسين، وهو بالرقة، ليوافيه بالنهروان، فأتاه بها ودخل بغداد منتصف صفر، ولباسه ولباس أصحابه الخضرة، فلما قدم بغداد نزل الرصافة، ثم تحول ونزل قصره على شاطئ دجلة، وأمر القواد أن يقيموا في معسكرهم.
وكان الناس يدخلون عليه في الثياب الخضر، وكانوا يخرقون كل ملبوس يرونه من السواد على إنسان، فمكثوا بذلك ثمانية أيام، فتكلم بنو العباس وقواد أهل خراسان، وقيل: إنه أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أول حاجة سأله أن يلبس السواد، فأجابه إلى ذلك، وجلس للناس، وأحضر سوادا فلبسه، ودعا بخلعة سوداء فألبسها طاهرا، وخلع على قواده السواد، فعاد الناس إليه.
هو أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام عالم العصر ناصر الحديث، فقيه الملة، ثم المطلبي الشافعي، المكي، الغزي القرشي، أحد الأئمة الأربعة المشهورين في الفقه، ولد في غزة عام 150هـ فعادت به أمه إلى مكة، وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وأقبل على الأدب والعربية والشعر، فبرع في ذلك.
وحبب إليه الرمي حتى فاق الأقران، وصار يصيب من العشرة تسعة.
ثم كتب العلم.
قال الشافعي: "أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه، ما خلا حرفين، إحداهما: دساها" وكان من أفصح الناس وأحفظهم، رحل إلى المدينة وسمع من الإمام مالك, قال الشافعي: "أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وكان ابن عم لي والي المدينة، فكلم لي مالكا فأتيته.
فقال: اطلب من يقرأ لك، فقلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه.
فكان ربما قال لي لشيء: أعده, فأعيده حفظا, وكأنه أعجبه".
ثم رحل لليمن، ثم سير إلى العراق إلى الرشيد وبقي فيها وتفقه، وتكررت رحلته إلى العراق أكثر من مرة، ثم إلى مصر، وله من المؤلفات: الرسالة، والأم، واختلاف الحديث، وله ديوان شعر، انتشر مذهبه بسبب كثرة ترحله وجمعه بين طريقة المحدثين وطريقة الفقهاء، وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة، قال يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟ قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون".
توفي في مصر ودفن بالقرافة الصغرى، وله أربع وخمسون سنة.
هو الحكم بن هشام ابن الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم الأموي، المرواني، أبو العاص، أمير الأندلس، وابن أميرها، وحفيد أميرها.
ويلقب: بالمرتضى، ويعرف: بالربضي؛ لما فعل بأهل الربض.
بويع بالملك عند موت أبيه- في صفر سنة ثمانين ومائة- وكان من جبابرة الملوك وفساقهم ومتمرديهم، وكان فارسا شجاعا فاتكا، ذا دهاء وحزم، وعتو وظلم، تملك سبعا وعشرين سنة.
وكان في أول أمره على سيرة حميدة، تلا فيها أباه، ثم تغير وتجاهر بالمعاصي.
كان يأخذ أولاد الناس الملاح، فيخصيهم ويمسكهم لنفسه.
وله شعر جيد.
وكان يقرب الفقهاء وأهل العلم.
وكثرت العلماء بالأندلس في دولته، حتى قيل: إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس- أي: متزيين بزي العلماء- فلما أراد الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم بن هشام للحرمات، وأتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله- فلا قوة إلا بالله- على يد الحكم بن هشام، قتل فيها عشرات الآلاف من العلماء والعامة خاصة في وقعة الربض بقرطبة، ثم توفي الحكم بن هشام.
وهو أول من جند بالأندلس الأجناد المرتزقة، وجمع الأسلحة والعدد، واستكثر من الحشم والحواشي، وارتبط الخيول على بابه، وشابه الجبابرة في أحواله، واتخذ المماليك، وجعلهم في المرتزقة، فبلغت عدتهم خمسة آلاف مملوك، وكانوا يسمون الخرس؛ لعجمة ألسنتهم، وكانوا يوميا على باب قصره.
وكان يطلع على الأمور بنفسه، ما قرب منها وبعد، وكان له نفر من ثقات أصحابه يطالعونه بأحوال الناس، فيرد عنهم المظالم، وينصف المظلوم، وهو الذي وطأ لعقبه الملك بالأندلس، وولي بعده ابنه عبدالرحمن بن الحكم.
لما مات الحكم بن هشام بن عبدالرحمن، قام بالملك بعده ابنه عبد الرحمن ويكنى أبا المطرف، واسم أمه حلاوة، ولد بطليطلة، أيام كان أبوه الحكم يتولاها لأبيه هشام، فلما ولي عبدالرحمن خرج عليه عم أبيه عبد الله البلنسي؛ طمعا في الحكم بعد موت الحكم.