Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
هو حبر الأمة، وهو أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد مع علي الجمل وصفين، وكان واليا له على الكوفة، كف بصره في آخر عمره، وكان في مكة ثم انتقل إلى الطائف، وتوفي فيها وهو ابن واحد وسبعين سنة، ودفن فيها.
نقض الروم الهدنة التي عقدها الرشيد سنة 165هـ فوجه إليهم علي بن سليمان أمير الجزيرة جيشا بقيادة يزيد بن بدر البطال، فظفر بهم وغنم.
كان ديوان الأزمة- واحدها الزمام- من أهم دواوين الدولة- ويشبه ديوان المحاسبة اليوم- وكانت مهمة صاحب هذا الديوان جمع ضرائب بلاد العراق؛ أغنى أقاليم الدولة العباسية، وتقديم حساب الضرائب في الأقاليم الأخرى.
ومن اختصاصاته أيضا جمع الضرائب النوعية المسماة بالمعادن، وكانت تجمع لرجل يضبطها بزمام يكون له على كل ديوان- وقد جمعها عمر بن بزيع- فيتخذ دواوين الأزمة ويولي على كل منها رجلا.
ثار أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس، وكان من حديثه: أنه كان في سجن عبد الرحمن بقرطبة من حين هرب أبوه، وقتل أخوه عبد الرحمن، وحبس أبو الأسود، وتعامى في الحبس ثم هرب منه واجتمع حوله خلق كثير، فرجع بهم إلى قتال عبد الرحمن الداخل، فالتقيا على الوادي الأحمر بقسطلونة، واشتد القتال، ثم انهزم أبو الأسود، وقتل من أصحابه أربعة آلاف سوى من تردى في النهر، واتبعه الداخل يقتل من لحق، حتى جاوز قلعة الرباح، ثم جمع وعاد إلى قتال الداخل، في سنة تسع وستين، فلما أحس بمقدمة الأموي انهزم أصحابه وهو معهم، فأخذ عياله، وقتل أكثر رجاله، وبقي إلى سنة سبعين، فهلك بقرية من أعمال طليطلة.
وقام بعده أخوه قاسم وجمع جمعا، فغزاه الأمير، فجاء إليه بغير أمان فقتله.
خرج بأرض الموصل خارجي اسمه ياسين من بني تميم، فخرج إليه عسكر الموصل، فهزمهم، وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة، وكان يميل إلى مقالة صالح بن مسرح الخارجي، فوجه إليه المهدي أبا هريرة محمد بن فروخ القائد، وهرثمة بن أعين مولى بني ضبة، فحارباه فصبر لهما، حتى قتل وعدة من أصحابه، وانهزم الباقون.
سارت سرية من المسلمين في صقلية مقدمها رجل يعرف بأبي الثور، فلقيهم جيش من الروم، فأصيب المسلمون كلهم غير سبعة نفر، وعزل الحسن بن العباس عن صقلية، ووليها محمد بن الفضل، فبث السرايا في كل ناحية من صقلية، وخرج هو في حشد وجمع عظيم، فسار إلى مدينة قطانية، فأهلك زرعها، ثم رحل إلى أصحاب الشلندية فقاتلهم، فأصاب فيهم فأكثر القتل، ثم رحل إلى طبرمين فأفسد زرعها، ثم رحل فلقي عساكر الروم، فاقتتلوا فانهزم الروم وقتل أكثرهم، فكانت عدة القتلى ثلاثة آلاف قتيل، ووصلت رؤوسهم إلى بلرم، ثم سار المسلمون إلى قلعة كان الروم بنوها عن قريب، وسموها مدينة الملك، فملكها المسلمون عنوة، وقتلوا مقاتليها وسبوا من فيها.
في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن- صاحب الأندلس- جيشا مع ابنه المنذر إلى المخالفين عليه، فقصد مدينة سرقسطة، فأهلك زرعها وخرب بلدها وافتتح حصن روطة، فأسر منه عبد الواحد الروطي، وهو من أشجع أهل زمانه، وتقدم إلى دير تروجة، وبلد محمد بن مركب بن موسى، فهتكهما بالغارة، وقصد مدينة لاردة وقرطاجنة، فكان فيها إسماعيل بن موسى فحاربه، فأذعن إسماعيل بالطاعة، وترك الخلاف وأعطى رهائنه على ذلك، وقصد مدينة أنقرة وهي للمشركين، فافتتح حصونا ثم عاد.
طلب جعفر بن إبراهيم السجان الأمان من الموفق، وكان أمين أسرار الخبيث صاحب الزنج، وأحد خواصه، فخلع عليه الموفق وأعطاه مالا كثيرا، وأمر بحمله إلى قريب مدينة الخبيث.
فلما حاذى قصر الخبيث صاح: ويحكم إلى متى تصبرون على هذا الخبيث الكذاب؟ وحدثهم بما اطلع عليه من كذبه وفجوره، فاستأمن في ذلك اليوم خلق كثير منهم.
وتتابع الناس في الخروج من عند الخبيث.
عبر أبو أحمد الموفق إلى مدينة الفاجر بعد أن أوهى قوته في مقامه بمدينة الموفقية بحصاره والتضييق عليه، فلما أراد العبور إليها أمر ابنه أبا العباس بالقصد للموضع الذي كان قصده من ركن مدينة الخبيث الذي يحوطه بابنه وجلة أصحابه وقواده، وقصد أبو أحمد موضعا من السور- فيما بين النهر المعروف بمنكى، والنهر المعروف بابن سمعان- وأمر صاعدا وزيره بالقصد لفوهة النهر المعروف بجري كور، وتقدم إلى زيرك في مناكفته وأمر مسرورا البلخي بالقصد لنهر ما يليهم من السور، وطلب منهم الموفق ألا يزيدوا على هدم السور، وألا يدخلوا مدينة الخبيث، ووكل بكل ناحية من النواحي التي وجه إليها القواد شذوات فيها الرماة، وأمرهم أن يحموا بالسهام من يهدم السور من الفعلة والرجالة الذين يخرجون للمدافعة عنهم، فثلم في السور ثلما كثيرة، ودخل أصحاب أبي أحمد مدينة الفاجر من جميع تلك الثلم، وجاء أصحاب الخبيث يحاربونهم فهزمهم أصحاب أبي أحمد وأتبعوهم حتى وغلوا في طلبهم، إلا أن أصحاب الخبيث تراجعوا فشدوا على أصحاب أبي أحمد وقتلوا منهم جماعة، وأصاب أصحاب الخبيث أسلحة وأسلابا، وثبت جماعة من غلمان أبي أحمد فدافعوا عن أنفسهم وأصحابهم، حتى وصلوا إلى الشذا، وانصرف أبو أحمد بمن معه إلى مدينة الموفقية وأمر بجمعهم وعذلهم على ما كان منهم من مخالفة أمره والافتيات عليه في رأيه وتدبيره، وتوعدهم بأغلظ العقوبة إن عادوا لخلاف أمره بعد ذلك، وأمر بإحصاء المفقودين من أصحابه فأحصوا له، وأقر ما كان جاريا لهم على أولادهم وأهاليهم، فحسن موقع ذلك منهم، وزاد في صحة نياتهم لما رأوا من حياطته خلف من أصيب في طاعته.
أمر أبو عامر محمد بن أبي عامر حاجب هشام المؤيد ببناء قصره المعروف بالزاهرة، وذلك عندما استفحل أمره، واتقد جمره، وظهر استبداده، وكثر حساده، وخاف على نفسه في الدخول إلى قصر السلطان، فتوثق لنفسه، وكشف له ما ستر عنه في أمسه، من الاعتزاز عليه، ورفع الاستناد إليه، وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه، ويضم إليه رياسته، ويتمم به تدبيره وسياسته، ويجمع فيه فتيانه وغلمانه.
فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالقصور الباهرة، وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم، ونسق فيها كل اقتدار معجز ونظم.
وشرع في بنائها في هذه السنة المؤرخة، وحشد إليها الصناع والفعلة، وجلب إليها الآلات الجليلة، وسربلها بهاء يرد العيون كليلة، وتوسع في اختطافها، وتولع بانتشارها في البسيطة وانبساطها، وبالغ في رفع أسوارها، وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها.
فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة، وصار من الأنباء الغريبة, وبنى معظمها في عامين.
اتفق أن عضد الدولة أبا شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه أخذ بغداد من ابن عمه بختيار بن أحمد بن بويه، فسار بختيار إلى الموصل، واتفق مع أبي تغلب الغضنفر بن ناصر الدولة بن حمدان على قتال فناخسرو، فسار إليهم فناخسرو وأوقع بهم، فانهزموا، وأسر بختيار وقتله، وفر حينئذ من أولاد بختيار إعزاز الدولة المرزبان، وأبو كاليجار وعماه: عمدة الدولة أبو إسحاق، وأبو طاهر محمد، ابنا معز الدولة أحمد بن بويه، وساروا إلى دمشق في عسكر، فأكرمهم خليفة أفتكين، وأنفق فيهم، وحملهم وصيرهم إلى أفتكين بطبرية، فقوي بهم، وصار في اثني عشر ألفا، فسار بهم إلى الرملة، ووافى بها طليعة العزيز، فحمل عليها أفتكين مرارا، وقتل منها نحو مائة رجل، فأقبل عسكر العزيز زهاء سبعين ألفا، فلم يكن غير ساعة حتى أحيط بعسكر أفتكين، وأخذوا رجاله، فصاح الديلم الذين كانوا معه: زنهار، زنهار، يريدون: الأمان، الأمان.
واستأمن إليه أبو إسحاق إبراهيم بن معز الدولة، وابن أخيه إعزاز الدولة، والمرزبان بن بختيار، وقتل أبو طاهر محمد بن معز الدولة، وأخذ أكثرهم أسرى، ولم يكن فيهم كبير قتلى، وأخذ أفتكين نحو القدس، فأخذ وجيء به إلى حسان بن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح، فشد عمامته في عنقه، وساقه إلى العزيز، فشهر في العسكر، وأسنيت الجائزة لابن الجراح، وكانت هذه الوقعة لسبع بقين من المحرم سنة 368.
فورد كتاب العزيز إلى مصر بنصرته على أفتكين، وقتل عدة من أصحابه وأسره، فقرئ على أهل مصر فاستبشروا وفرحوا.
لما ذهب أفتكين إلى ديار مصر نهض رجل من أهل دمشق يقال له قسام الجبيلي التراب وهو من بني الحارث بن كعب من اليمن.
كان ابتداء أمره أنه انتمى إلى رجل من أحداث أهل دمشق يقال له أحمد بن المسطان، فكان من حزبه، وكان أفتكين يقربه ويدنيه، ويأمنه على أسراره، فاستحوذ على دمشق وطاوعه أهلها، وغلب على الولاة والأمراء، وقصدته عساكر العزيز من مصر فحاصروه فلم يتمكنوا منه، وجاء أبو تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان فحاصره فلم يقدر أن يدخل دمشق، فانصرف عنه خائبا إلى طبرية، فوقع بينه وبين بني عقيل وغيرهم من العرب حروب طويلة، آل الحال إلى أن قتل أبو تغلب، وغلب قسام على الولاة والأمراء إلى أن قدم بلكتكين التركي من مصر في يوم الخميس السابع عشر من المحرم سنة 376، فأخذها منه واختفى قسام التراب مدة ثم ظهر، فأخذه أسيرا وأرسله مقيدا إلى الديار المصرية، فأطلق وأحسن إليه وأقام بها مكرما، وأما قسام التراب هذا فإنه أقام بالشام فسد خللها وقام بمصالحها مدة سنين عديدة، وكان مجلسه بالجامع يجتمع الناس إليه فيأمرهم وينهاهم فيمتثلون ما يأمر به.
قام أبو بكر محمد بن عبدالعزيز المنصور نائب يحيى المأمون بن ذي النون في بلنسية بإعلان استقلاله فيها بعد أن بلغه وفاة يحيى المأمون، وقام بمحالفة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون وجيليقية مقابل دفع جزية له، كما قام المعتمد بن عباد بانتهاز وفاة يحيى المأمون ليغير على قرطبة ويستولي عليها ويقتل حاكمها ابن عكاشة، وكان المأمون قد ولاه عليها حينما احتلها السنة الماضية وقتل الفتح بن المعتمد، أما أحمد بن سليمان بن هود أمير سرقسطة والثغر الأعلى فاستولى على دانية وقضى على الدولة المجاهدية التي أسسها عامر المجاهدي، وحمل أميرها علي بن مجاهد إلى سرقسطة، وأما علي المرتضى أمير الجزائر الشرقية البليار فقد أعلن استقلاله فيها بعد سقوط دانية بيد المقتدر أحمد بن سليمان بن هود.
جاء جراد في شعبان بعدد الرمل والحصا، فأكل الغلات وآذى الناس، وجاعوا فطحن الخروب بدقيق الدخن فأكلوه، ووقع الوباء، ثم منع الله الجراد من الفساد، وكان يمر ولا يضر، فرخصت الأسعار، ووقع غلاء شديد بدمشق واستمر ثلاث سنين.
في سنة 463هـ ملك أتسز الرملة، والبيت المقدس، وحصر مدينة دمشق، فلما عاد عنها جعل يقصد أعمالها كل سنة عند إدراك الغلات فيأخذها، فيقوى هو وعسكره، ويضعف أهل دمشق وجندها، فلما كان رمضان سنة 467هـ سار إلى دمشق فحصرها، وأميرها المعلى بن حيدرة من قبل المستنصر العبيدي صاحب مصر، فلم يقدر عليها، فانصرف عنها في شوال، فهرب أميرها المعلى في ذي الحجة، وكان سبب هربه أنه أساء السيرة مع الجند والرعية وظلمهم، فكثر الدعاء عليه، وثار به العسكر، وأعانهم العامة، فهرب منها إلى بانياس، ثم منها إلى صور، ثم أخذ إلى مصر فحبس بها، فمات محبوسا، فلما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة -والمصامدة قبيلة من المغاربة- وولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي، المعروف برزين الدولة، وغلت الأسعار بها حتى أكل الناس بعضهم بعضا، ووقع الخلف بين المصامدة وأحداث البلد، وعرف أتسز ذلك، فعاد إلى دمشق، فنزل عليها في شعبان من هذه السنة، فحصرها، فعدمت الأقوات، فبيعت الغرارة، إذا وجدت، بأكثر من عشرين دينارا، فسلموها إليه بأمان، وعوض عنها بقلعة بانياس، ومدينة يافا من الساحل، ودخلها هو وعسكره في ذي القعدة، وخطب بها يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة، للمقتدي بأمر الله الخليفة العباسي، وكان آخر ما خطب فيها للعلويين المصريين، ومنع الأذان بحي على خير العمل، ففرح أهلها به فرحا عظيما، وتغلب على أكثر الشام وعظم شأنه، وخافه المصريون، وظلم أهلها، وأساء السيرة فيهم.
حتى أهلك الناس وأفقرهم.
ملك نصر بن محمود بن صالح بن مرداس مدينة منبج، وأجلى عنها الروم.
سارت طائفة من الترك من ديار مصر مع قراقوش مملوك تقي الدين عمر بن أخي صلاح الدين يوسف بن أيوب، إلى جبال نفوسة، واجتمع بمسعود بن زمام المعروف بمسعود البلاط، وهو من أعيان العرب هناك، وكان خارجا عن طاعة عبد المؤمن وأولاده، فاتفقا، وكثر جمعهما، ونزلا على طرابلس الغرب فحاصراها وضيقا على أهلها، ثم فتحت فاستولى قراقوش، وأسكن أهله قصرها، وملك كثيرا من بلاد إفريقية ما خلا المهدية وصفاقس وقفصة وتونس وما والاها من القرى والمواضع، وصار مع قراقوش عسكر كثير، فحكم على تلك البلاد بمساعدة العرب بما جبلت عليه من التخريب والنهب، والإفساد بقطع الأشجار والثمار، وغير ذلك، فجمع بها أموالا عظيمة وجعلها بمدينة قابس، وقويت نفسه وحدثته بالاستيلاء على جميع إفريقية؛ لبعد أبي يعقوب بن عبد المؤمن صاحبها عنها.
هو السلطان علاء الدين خوارزم شاه تكش بن الملك أرسلان شاه بن أطسز، وقيل: هو من ولد طاهر بن الحسين, كان ملكا مشهورا، عنده آداب وفضائل، ومعرفة بمذهب أبي حنيفة، وبنى مدرسة بخوارزم للحنفية، وكان شجاعا جوادا، ملك الدنيا من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد؛ فإنه كان نوابه في حلوان.
وكان في ديوانه مائة ألف مقاتل، وهو الذي كسر مملوكه عسكر الخليفة وأزال دولة بني سلجوق، وكان حاذقا بعلم الموسيقى، لم يكن أحد ألعب منه بالعود.
قيل: إن الباطنية جهزوا عليه من يقتله، وكان يحترس كثيرا، فجلس ليلة يلعب بالعود، فاتفق أنه غنى بيتا بالعجمي معناه: قد أبصرتك، وفهمه الباطني، فخاف وارتعد فهرب، فأخذوه وحمل إليه، فقرره فاعترف فقتله.
وكان يباشر الحروب بنفسه، وذهبت عينه في القتال.
وكان قد عزم على قصد بغداد، وحشد فوصل إلى دهستان فتوفي بها في رمضان، وحمل إلى خوارزم، ودفن عند أهله، وقام بعده ولده خوارزم شاه محمد، ولقب علاء الدين بلقبه, وقيل: حصل له خوانيق فأشير عليه بترك الحركة، فامتنع وسار، فاشتد مرضه ومات.
جمع أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن عساكره، وسار من إشبيلية إلى الغزو، فقصد بلاد الفرنج، ونزل على مدينة رندة، وهي بالقرب من طليطلة شرقا منها، وحصرها، واجتمعت الفرنج على بن الأذفونش ملك طليطلة في جمع كثير، فلم يقدروا على لقاء المسلمين، فاتفق أن الغلاء اشتد على المسلمين، وعدمت الأقوات عندهم، وهم في جمع كثير، فاضطروا إلى مفارقة بلاد الفرنج، فعادوا إلى إشبيلية، وأقام أبو يعقوب بها سنة 571، وهو في ذلك يجهز العساكر ويسيرها إلى غزو بلاد الفرنج في كل وقت، فكان فيها عدة وقائع وغزوات ظهر فيها من العرب من الشجاعة ما لا يوصف، وصار الفارس من العرب يبرز بين الصفين ويطلب مبارزة الفارس المشهور من الفرنج، فلا يبرز إليه أحد، ثم عاد أبو يعقوب إلى مراكش.
اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد حوران من أعمال دمشق للغارة عليه، وبلغ الخبر إلى نور الدين محمود، وكان قد برز ونزل هو وعسكره بالكسوة، فسار إليهم مجدا، وقدم بجموعه عليهم، فلما علموا بقربه منهم دخلوا إلى السواد، وهو من أعمال دمشق أيضا، ولحقهم المسلمون وتخطفوا من في ساقتهم ونالوا منهم، وسار نور الدين فنزل في عشترا، وسير منها سرية إلى أعمال طبرية، فشنوا الغارات عليها، فنهبوا وسبوا، وأحرقوا وخربوا، فسمع الفرنج ذلك، فرحلوا إليهم ليمنعوه عن بلادهم، فلما وصلوا كان المسلمون قد فرغوا من نهبهم وغنيمتهم، وعادوا وعبروا النهر، وأدركهم الفرنج، فوقف مقابلهم شجعان المسلمين وحماتهم يقاتلونهم، فاشتد القتال وصبر الفريقان، الفرنج يرومون أن يلحقوا الغنيمة فيردوها، والمسلمون يريدون أن يمنعونهم عنها لينجو بها من قد سار معها، فلما طال القتال بينهم وأبعدت الغنيمة وسلمت مع المسلمين، عاد الفرنج ولم يقدروا أن يستردوا منها شيئا.
رحل صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر بعساكره جميعها إلى بلاد الفرنج يريد حصر الكرك، والاجتماع مع نور الدين محمود والاتفاق على قصد بلاد الفرنج من جهتين، كل واحد منهما في جهة بعسكره، وسبب ذلك أن نور الدين لما أنكر على صلاح الدين عوده من بلاد الفرنج في العام الماضي، وأراد نور الدين قصد مصر وأخذها منه، أرسل يعتذر، ويعد من نفسه بالحركة على ما يقرره نور الدين، فاستقرت القاعدة بينهما أن صلاح الدين يخرج من مصر ونور الدين يسير من دمشق، فأيهما سبق صاحبه يقيم إلى أن يصل الآخر إليه، وتواعدا على يوم معلوم يكون فيه وصولهما، فسار صلاح الدين عن مصر؛ لأن طريقه أصعب وأبعد وأشق، ووصل إلى الكرك وحصره، وأما نور الدين فإنه لما وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مصر فرق الأموال، وحصل الأزواد وما يحتاج إليه، وسار إلى الكرك فوصل إلى الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان.
فلما سمع صلاح الدين بقربه خافه هو وجميع أهله، واتفق رأيهم على العود إلى مصر، وترك الاجتماع بنور الدين؛ لأنهم علموا أنه إن اجتمعا كان عزله على نور الدين سهلا.
فلما عاد أرسل الفقيه عيسى إلى نور الدين يعتذر عن رحيله، بأنه كان قد استخلف أباه نجم الدين أيوب على ديار مصر، وأنه مريض شديد المرض، ويخاف أن يحدث عليه حادث الموت، فتخرج البلاد عن أيديهم، وأرسل معه من التحف والهدايا ما يجل عن الوصف؛ فجاء الرسول إلى نور الدين وأعلمه ذلك، فعظم عليه وعلم المراد من العود، إلا أنه لم يظهر للرسول تأثرا، بل قال له: حفظ مصر أهم عندنا من غيرنا، وسار صلاح الدين إلى مصر فوجد أباه قد قضى نحبه.
اهتم السلطان الظاهر لأمر الإسكندرية وأولاها اهتمامه البالغ كل ذلك لأنها محط نظر الفرنج، ومنها يدخلون مصر، فأمر بتحصينها للغاية، فعملت الجسور عليها التي تمنع دخول السفن وحصنت بالأسوار، وقتلت الكلاب التي فيها.
قام ملك الموحدين الواثق بالله المعروف بأبي دبوس بالسير لقتال بني مرين فالتقى معهم في معركة جرت في وادي غفو بين مراكش وفاس، انهزم فيها الموحدون وقتل فيها أبو العلاء إدريس بن عبد الله بن محمد بن يوسف الواثق واستولى المرينيون على معسكرهم، وكان الواثق آخر ملوك الموحدين في المغرب، وبالتالي تنتهي دولتهم في المغرب.
بعد أن رجع السلطان الظاهر من الحج ودخل دمشق وعاد منها إلى مصر، بلغه حركة التتار، وأنهم واعدوا فرنج الساحل، فعاد إلى قلعة الجبل، فورد الخبر بغارة التتار على الساجور بالقرب من حلب، فجرد السلطان الأمير علاء الدين البندقدار في جماعة من العسكر، وأمره أن يقيم في أوائل البلاد الشامية على أهبة، وسار السلطان من قلعة الجبل في ليلة الاثنين الحادي عشر ربيع الأول ومعه نفر يسير فوصل إلى غزة، ثم دخل دمشق في سابع ربيع الآخر، ولحق الناس في الطريق مشقة عظيمة من البرد، فخيم على ظاهر دمشق، ووردت الأخبار بانهزام التتار عندما بلغهم حركة السلطان، ثم ورد الخبر بأن جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب، وبعثوا إلى أبغا بن هولاكو بأنهم واصلون لمواعدته من جهة سيس في سفن كثيرة، فبعث الله على تلك السفن ريحا أتلفت عدة منها، ولم يسمع بعدها لمن بقي في الأخرى خبر.
خرج فرنج عكا وخيموا بظاهرها، وركبوا وأعجبتهم أنفسهم بمن قدم إليهم من فرنج الغرب، وتوجهت طائفة منهم إلى عسكر جينين وعسكر صفد، فخرج السلطان من دمشق على أنه يتصيد في مرج برغوث وبعث من أحضر إليه العدد ومن أخرج العساكر كلها من الشام، فتكاملوا عنده بكرة يوم الثلاثاء الحادي عشر ربيع الأول بمرج برغوث، وساق بهم إلى جسر يعقوب فوصل آخر النهار، وسار بهم في الليل فأصبح في أول المرج، وكان السلطان قد سير إلى عساكر عين جالوت وعساكر صفد بالإغارة في الثاني عشر، فإذا خرج إليهم الفرنج انهزموا منهم، فاعتمدوا ذلك، ودخل السلطان الكمين، فعندما خرج جماعة من الفرنج لقتال عسكر صفد تقدم إليهم الأمير إيغان، ثم بعده الأمير جمال الدين الحاجبي، ومعهما أمراء الشام، ثم ساق الأمير أيتمش السعدي، والأمير كندغدي أمير مجلس، ومعهما مقدمو الحلقة، فقاتل الأمراء الشاميون أحسن قتال، وتبع السلطان مقدمي الحلقة، فما أدركهم إلا والعدو قد انكسر، وصارت الخيالة بخيلها مطرحة في المرج، وأسر السلطان كثيرا من أكابرهم، ولم يعدم من المسلمين سوى الأمير فخر الدين ألطونبا الفائزي، فسارت البشائر إلى البلاد، وعاد السلطان إلى صفد والرؤوس بين يديه، وتوجه منها إلى دمشق فدخلها في السادس عشر، والأسرى ورؤوس القتلى بين يديه.
ركب السلطان في ثالث جمادى الآخرة، بمائتي فارس من غير سلاح، وأغار على حصن الأكراد وصعد الجبل الذي عليه حصن الأكراد ومعه قدر أربعين فارسا، فخرج عليه عدة من الفرنج ملبسين، فحمل عليهم وقتل منهم جماعة، وكسر باقيهم وتبعهم حتى وصل إلى خنادقهم، وقال يستخف بهم: خلوا الفرنج يخرجوا، فما نحن أكثر من أربعين فارسا، وعاد إلى مخيمه، ورعى الخيول مروجها وزروعها.
أثناء حصار السلطان بيبرس حصن الأكراد حضر إلى خدمة السلطان كثير من أصحاب البلاد المجاورة، فلم يبق أحد إلا وقدم على السلطان مثل: صاحب حماة، وصاحب صهيون، إلا نجم الدين حسن بن الشعراني صاحب قلاع الإسماعيلية، فإنه لم يحضر بل بعث يطلب تنقيض القطعة التي حملوها لبيت المال، بدلا مما كانوا يحملونه إلى الفرنج، وكان صارم الدين مبارك بن الرضي صاحب العليقة قد تغير السلطان عليه من مدة، فدخل صاحب صهيون بينه وبين السلطان في الصلح، وأحضره إلى الخدمة، فقلده السلطان بلاد الدعوة استقلالا، وأعطاه طبلخاناه، وعزل نجم الدين حسن بن الشعراني وولده من نيابة الدعوة، وتوجه صارم الدين إلى مصياف كرسي بلاد الإسماعيلية في السابع عشر جمادى الآخرة، وصحبته جماعة لتقرير أمره.
هو ملك التتار، وصاحب العراق والجزيرة وخراسان وغير ذلك، أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكيزخان, ويقال: اسمه أباقا، كان مقداما شجاعا، عالي الهمة، لم يكن في إخوته مثله، وهو على دين التتار لم يدخل في الإسلام، وكان ذا رأي وحزم وخبرة بالحرب، ولما توجه أخوه منكوتمر بالعساكر إلى الشام لم يكن ذلك بتحريضه، بل أشير عليه فوافق.
قال الذهبي: "كان كافر النفس، سفاكا للدماء، قتل في الروم خلقا كثيرا؛ لكونهم دخلوا في طاعة الملك الظاهر، وفرحوا بمجيئه إليهم، وقد نفذ الملك الظاهر إليه رسله وهديه" قال ابن عبد الظاهر في السيرة: "وصفته أنه شاب أسمر أكحل، ربع القامة، جهوري الصوت، فيه بحة يسيرة، عليه قباء نفطي رومي، وسراقوج بنفسجي، تزوج زوجة أبيه ألجي خاتون وهي كهلة" هلك أباقا بنواحي همذان عن نحو خمسين سنة، منها مدة ملكه سبع عشرة سنة، وقام في الملك بعده أخوه تكدار بن هولاكو، الذي اعتنق الإسلام بعد ذلك وتسمى بأحمد ولقب نفسه بالسلطان فانقلبت بعد ذلك سياسة الدولة الإيلخانية ناحية بلاد الإسلام، وكان قد أرسل رسالة إلى السلطان قلاوون يعلمه بإسلامه وما قام به من بناء المساجد والمدارس والأوقاف وتجهيز الحجاج، وطلب منه كذلك العمل على اجتماع الكلمة لإخماد الحروب والفتن والتحالف ضد الصليبيين.
سار السلطان قلاوون من ظاهر القاهرة فأتته رسل الفرنج وهو بمنزلة الروحا في تقرير الهدنة، فتقررت بين مقدم بيت الإسبتار وسائر الإسبتارية بعكا، وبين السلطان وولده الملك الصالح لمدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات، أولها يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم، وتقررت الهدنة أيضا مع متملك طرابلس الشام بيمند بن بيمند لمدة عشر سنين، أولها السابع والعشرين شهر ربيع الأول، وعادت الرسل، وتوجه الأمير فخر الدين أياز المقري الحاجب لتحليف الفرنج ومقدم الإسبتار على ذلك، فحلفهم.
ثار العشير من الحورانية ونهبوا مدينة غزة، وقتلوا خلقا كثيرا وأفسدوا، فبعث السلطان قلاوون الأمير علاء الدين أيدكين الفخري على عسكر من دمشق، وخرج من القاهرة الأمير شمس الدين سنقر البدوي على عسكر لتأديبهم