أمران لا يحدد لهما وقت بدقة: النوم فى حياة الفرد والانحطاط فى حياة الأمة، فلا يُشعَر بهما إلا إذا غليا واستويا

 الإسلام هو قومية العالم العربي , ومحمد ﷺ هو روح العالم العربي وإمامة وقائده 

عندما سئل الأستاذ أبو الحسن علي الندوي –رحمه الله تعالي – عن مصر : فقال في الحسنات: الإيمان بالله والدين, والمحبة للمسلم خاصة إذا كان غريباً, ورقة القلب, وسلامة الصدر, وكثرة الأعمال المنتجة أما عن السيئات فقال في تحرج: السفور وعدم التستر والصور الخليعة في الصحف والمجلات, واستهانة بعض العلماء ببعض المحرمات, وعدم المحافظة علي صلاةِ الجماعة في المساجد بالرغم من كثرتها, والإندفاع في تقليد الحضارة الغربية بلا تبصر

شرب الخمر ليس إلا نتيجةَ نفسيةٍ تعشق اللذة حتى في السم، وتبتغي النشوة حتى في الإثم، فلا تهجره بمجرد الدعاية والنشر والكتب والخطب وبيان مضارِّه الطبية ومفاسده الخلقية، وبِسَنِّ القوانين الشديدة والعقوبات الصارمة لا تهجره إلا بتغيير نفسٍ عميق، وإذا أُرغمت على تركه بغير هذا التغيير تسللت إلى غيره من أنواع الجريمة أو استباحته بتغيير الأسماء والصور

لا ينهض العالم الإسلامي إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسسه ﷺ والإيمان بها والاستماتة في سبيلها ، وهي رسالة قوية واضحة مشرقة ، لم يعرف العالم رسالة أعدل منها ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها

وكذلك ضاعت رسالة الأنبياء، والأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية في العالم المتمدن المعمور بين غنى مطغٍ وفقر مسن، وأصبح الغني في شغل عن الدين والاهتمام بالآخرة والتفكير في الموت وما بعده بنعيمه وترفه، وأصبح الفلاح أو العامل في شغل عن الدين كذلك لهمومه وأحزانه وتكاليف حياته ​​​​​​​

أشد العقبات التي واجهها الأنبياء والدعاة الدينيون , واصطدمت بها خطبهم ومواعظهم ودعوتهم , هم أولئك الذين حرموا الحاسة الدينية أو فقدوها بتاتًا , والذين تحجرت قلوبهم وماتت نفوسهم في مسألة الدين, والذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يفكرون في أمر الدين وأمور الآخرة

محمداً ﷺ لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل ويبدل عدواناً بعدوان ، ويحرم شيئاً في مكان ويحله في مكان آخر ، ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى ، لم يبعث زعيماً وطنياً أو قائداً سياسياً ، يجر النار إلى قرصه ويصغي الإناء إلى شقه ، ويخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان وإنما أرسل إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً

الزعامة الإسلامية تقتضي صفات واسعة جدا نستطيع أن نجمعها في كلمتين الجهاد والإجتهاد فهما كلمتان خفيفتان بسيطتان ولكنهما جامعتان عامرتان بالمعاني الكثيرة

الإسلام دين سائغ معقول كله حكمة وبداهة إزاء أوهام وخرافات وأساطير ، وشرع إلهي ووحي سماوي إزاء أقيسة وتجارب إنسانية وتشريع بشري ، ومدنية فاضلة قوية البنيان محكمة الأساس ، يسود فيها روح التقوى والعفاف والأمانة ، وتقدر فيها الأخلاق الفاضلة فوق المال والجاه ، والروح فوق المظاهر الجوفاء ، يتساوى الناس فلا يتفاضلون إلا بالتقوى

أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس، بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر بل مكثوا زمنًا طويلًا تحت تربية محمد ﷺ وإشرافه الدقيق يزكيهم ويؤدبهم ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة  والإيثار على النفس وخشية الله وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها  ​​​​​​​

ما دام العالم الإسلامي خاضعاً للغرب في العلم والسياسة والصناعة والتجارة ، يمتص الغرب دمه ، ويحفر أرضه فيستخرج منها ماء الحياة ، وتغزو بضائعه أسواق العالم الإسلامي وبيوته وجيوبه كل يوم فتستخرج منها كل شيء ، وما دام العالم الإسلامي يستدين من الغرب الأموال ، ويستعير منه الرجال ، ليديروا حكومته ، ويشغلوا الوظائف الخطيرة ويدربوا جيوشه ويستورد منه البضائع ويجلب منه الصنائع ، وينظر إليه كأستاذ ومرب ، وسيد ورب ، لا يبرم أمراً إلا بإذنه ولا يصدر إلا عن رأيه ، فلا يستطيع أبداً أن يواجه الغرب

الرسول ﷺ غذِّي أرواح الصحابة بالقرآن وربي نفوسهم بالإيمان وأخضعهم أمام رب العالمين خمس مرات في اليوم عن طهارة بدن وخشوع قلب وخضوع جسم وحضور عقل ، فازدادو كل يوم سمو روح ونقاء قلب ونظافة خلق وتحرراً من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ونزوعاً إلى رب الأرض والسموات ، وأخذهم بالصبر على الأذى والصفح الجميل وقهر النفس

بل إن كثيرا من هؤلاء السلاطين والأمم كانوا كلا على ظهر الأرض وويلا للنوع الإنساني وعذابا للأمم الصغيرة والضعيفة ومنبع الفساد والمرض في جسم المجتمع البشري

إن الذي يوجد الاعتدال ويخفض من المادية الجامحة ويجعل منها حياة معتدلة هو النظام الروحي الديني الخلقي الحكيم الذي يوافق الفطرة الإنسانية الصحيحة ، والذي لا يتصدى لأن يزيل الفطرة الإنسانية ، بل يوجهها توجيهاً نافعاً ، فإنها لا تزول ولكن تميل من شر إلى خير ؛ وهكذا فعل الإسلام

إن علة العالم الإسلامي اليوم هو الرضا بالحياة الدنيا و الاطمئنان بها، و الارتياح إلى الأوضاع الفاسدة و الهدوء الزائد في الحياة فلا يقلقه فساد، و لا يزعجه انحراف، و لا يهيجه منكر، و لا يهمه غير مسائل الطعام  

إن العالم العربي لا يسعد وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم تدور حياتهم حول المادة والمعدة

محمدا صلى الله عليه و سلم, لم يبعث لينسخ باطلا بباطل, و يبدل عدوانا بعدوان, و يحرم شيئا في مكان و يحله في مكان آخر, ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى, لم يبعث زعيما وطنيا أو قائدا سياسيا, يجر النار إلى قرصه و يصغي الإناء إلى شقه, و يخرج الناس من حكم الفرس و الرومان إلى حكم عدنان و قحطان

لم يسجل التاريخ حادثة دافع فيها مسلم في مكة عن نفسه بالسيف مع كثرة الدواعي الطبيعية إلى ذلك وقوتها ، وذلك غاية ما روي في التاريخ من الطاعة والخضوع ، حتى إذا تعدت قريش في الطغيان وبلغ السيل الزبى أذن الله لرسوله ولأصحابه بالهجرة : وهاجروا إلى يثرب وقد سبقهم إليها الإسلام

روي أن عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين قال لعامله مرة : ((ويحك إن محمداً ﷺ بُعِث هادياً ولم يُبْعَثْ جابياً )) هذه الجملة تعرب عن روح الحكومة الدينية التي تتأسس على منهاج النبوة ، وتسير على آثار الأنبياء وخطتها وسياستها ، فتكون عنايتها واهتمامها بالدين وبإصلاح أخلاق المحكومين وبما يعود عليهم بالنفع والضرر في الآخرة أكثر من اهتمامها بالجباية والخراج وأنواع المحاصيل والإيراد