هذَا الْعَقِيقُ وَتَلْكَ شُمُّ رِعَانِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
هذَا الْعَقِيقُ وَتَلْكَ شُمُّ رِعَانِهِ | فَامْزُج لُجْيَن الدَّمْعِ مِنْ عِقْيَانِهِ |
وانزل فثمَّ معرّسٌ أبداً ترى | فِيهِ قُلُوبَ العِشْقِ مِنْ رُكْبَانِهِ |
واشمم عبيرَ ترابهِ والثم حصى ً | في سفحهِ انتثرت عقودُ جمانهِ |
وَاعْدِلْ بِنَا نَحْوَ الْمُحَصَّبِ مِنْ مِنى ً | وَاحْذَرْ رُمَاة َ الْغُنْجِ مِنْ غِزْلاَنِهِ |
وَتَوَقَّ فِيهِ الطَّعْنَ إِمَّا مِنْ قَنَا | فُرْسَانِهِ أَوْ مِنْ قُدُودِ حِسَانِهِ |
أَكْرِمْ بِهِ مِنْ مَرْبَعٍ مِنْ وَرْدِهِ | الوجناتُ والقاماتُ من أغصانهِ |
مَغْنى ً إِذَا غَنَّى حَمَامُ أَرَاكِهِ | رَقَصَتْ بِهِ طَرَباً مَعَاطِفُ بَانِهِ |
فَلَكٌ تَنَزَّلَ فَهْوَ يُحْسَبُ بُقْعَة ً | أو ما ترى الأقمار من سكانه |
خضب النجيع غزاله وهزبره | هذا بوجنتيه وذا ببنانه |
فَلَئِنْ جَهِلْتَ الْحَتْفَ أَيْنَ مُقَرُّهُ | سَلْنِي فَإِنِّي عَارِفٌ بِمَكانِهِ |
هُوَ في الْجُفُونِ السُّودِ مِنْ فَتَيَاتِهِ | أَوْ فِي الْجُفُونِ الْبِيضِ مِنْ فِتْيَانِهِ |
من لي برؤية أوجه في أوجه | حجب البعاد شموسها بعنانه |
بِيضٌ إِذَا لَعِبَتْ صباً بِذُيولِهَا | حَمَلَ النَّسِيمُ الْمِسْكَ فِي أَرْدَانِهِ |
عمدت إلى قبس الضحى فتبرقعت | فِيهِ وَقَنَّعَهَا الدُّجَى بِدُخَانِهِ |
مِنْ كُلِّ نَيِّرَة ٍ بِتَاجِ شِقَيقِهَا | قَمَرٌ تَحُفُّ بِهِ نُجُومُ لِدَانِهِ |
وَهبتْ لَهُ الْجَوْزَاءُ شُهْبَ نِطَاقِهَا | حَلْياً وَسَوَّرَهَا الْهِلاَلُ بِحَانِهِ |
هذي بأنصل جفنها تسطو على | مُهَجِ الأُسُودِ وَذَاكَ مِنْ مُرَّانِهِ |
يفتر ثغر البرق تحت لثامها | وَيَسِيرُ مِنْهَا الْغَيْثُ في قُمْصَانِهِ |
كَمَنَ النُّحُولُ بِخَصْرِهَا وَبسَيْفِهِ | والموت من وسنانها وسنانه |
في الخدر منها العيس تحمل جوذراً | ويقل منه الليث سرج حصانه |
قسماً بسلع وهي حلفة وامقٍ | أَقْصَاهُ صَرْفُ الْبَيْنِ عَنْ جِيرَانِهِ |
مَا اشْتَاقَ سَمْعِي ذِكْرَ مَنْزِلِ طَيْبَة ٍ | إلا وهمت بساكني وديانه |
بَلَدٌ إِذَا شَاهَدْتَهُ أَيْقَنْتَ أَنَّ | اللهَ ثَمَّنَ فِيهِ سَبْعَ جِنَانِهِ |
ثغر حمته صاح أجفان المهى | وَتَكَلَّفَتْهُ رِمَاحُ أُسْدِ طِعَانِهِ |
تمسي فراش قلوب أرباب الهوى | تلقي بأنفسها على نيرانه |
لَوْلاَ رِوَايَاتُ الْهَوَى عَنْ أَهْلِهِ | لَمْ يَرْوِ طَرْفِي الدَّمْعَ عَنْ إِنْسَانِهِ |
لا تنكروا بحديثهم ثملي إذا | فض المحدث عن سلافة حانه |
هُمْ أَقْرَضُوا سَمْعِي الجُمانَ وطالَبُوا | فيه مسيل الدمع من مرجانه |
فَإِلاَمَ يَفْجَعُنِي الزَّمَانُ بِفَقْدِهِم | وَلَقَدْ رَأَى جَلَدِي عَلَى حِدْثَانِهِ |
عَتْبِي عَلَى هذّا الزَّمَانِ مُطَوَّلٌ | يُفْضِي إِلَى الإِطْنَابِ شَرْحُ بَيَانِهِ |
هَيْهَاتِ أَنْ أَلْقَاهُ وَهْوَ مُسَالِمي | إِنَّ الأَدِيبَ الْحُرَّ حَرْبُ زَمَانِهِ |
ياقلب لاتشك الصبابة بعدما | أوقعت نفسك في الهوى وهوانه |
تَهْوَى وَتَطْمَعُ أَنْ تَفِرَّمِنَ الْهَوَى | كيف الفرار وأنت رهن ضمانه |
يا للرّفاقِ ومن لمهجة ِ مدنفٍ | نِيرَانُهَا نَزَعَتْ شَوَى سُلْوَانِهِ |
لم ألقَ قبلَ العشقِ ناراً أحرقت | بشراً وحبُّ المصطفى بجنانهِ |
خَيْرِ النَّبِيِّينَ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ الْـ | ـتوراة ُ والإنجيلُ قبلَ أوانهِ |
كَهْفُ الْوَرَى غَيْثُ الصَّرِيخِ مَعَاذُهُ | وَكَفِيلُ نَجْدَتِهِ وَحِصْنُ أَمَانِهِ |
الْمُنْطِقُ الصَّخْرَ الأَصَمَّ بِكَفِّهِ | والمخرسُ البلغاءَ في تبيانهِ |
لطفُ الإلهِ وسرُّ حكمتهِ الذي | قد ضاقَ صدرُ الغيثِ عن كتمانهِ |
قِرْنٌ بِهِ التَّوْحِيدُ أَصْبَحَ ضَاحِكاً | وَالشِّرْكُ مُنْتَحِباً عَلَى أَوْثَانِهِ |
نَسَخَتْ شَرَائِعُ دِينِهِ الصُّحُفَ الأُلَى | فِي مُحْكَمِ الآيَاتِ مِنْ فُرْقَانِهِ |
تمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سطا | وخدودها مخضوبة ٌ بدهانهِ |
مَا زَالَ يَرْقُبُ شَخْصُهُ الآفَاقَ فِي | طرفٍ تحامى النومُ عن أجفانه |
وجِلاً يظنُّ النومَ لمعَ سيوفهِ | ويرى نجومَ الليلِ من خرصانهِ |
قلبُ الكميِّ إذا رآهُ وقد نضا | سَيْفاً كَقُرْطِ الْخَوْدِ في حُلْقَانِهِ |
وَلَرُبَّ مُعْتَرَكٍ زَهَا رَوْضُ الظُّبَى | فِيهِ وَسُمْرُ الْقُضْبِ من قُضْبَانِهِ |
خضبَ النَّجيعُ قتيرَ سردِ حديدهِ | فشقيقهُ يزهو على غدرانهِ |
تبكي الجراحُ النجلُ فيهِ والرّدى | مُتَبَسِّمٌ وَالْبيضُ مِنْ أَسْنَانِهِ |
فَتَكَتْ عَوَامِلُهُ وَهُنَّ ثَعَالِبٌ | بَجَوَارِحِ الآسَادِ مِنْ فُرْسَانِهِ |
جِبْرِيلُ مِنْ أَعْوَانِهِ مِيَكالُ منْ | أخدانهِ عزريلُ من أعوانهِ |
نُورٌ بَدَا فَأَبَانَ عَنْ فَلَقِ الْهُدَى | وجلا الضَّلالة َ في سنى برهانهِ |
شَهِدَتْ حَوَامِيمُ الْكِتَابِ بِفَضْلِهِ | وكفى بهِ فخراً على أقرانهِ |
سَلْ عَنْهُ يَاسِينَا وَطهَ وَالضُّحَى | إِنْ كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ حَقِيقَة َ شَانِهِ |
وسلِ المشاعرَ والحطيمَ وزمزماً | عن فخرِ هاشمهِ وعن عِمرانهِ |
يسمو الذّراعُ بأخمصيهِ ويهبطُ | الإكليلُ يستجدي على تيجانهِ |
وَلو تَسْتَجِيرُ الشَّمْسُ فِيه مِنْ الدُّجَى | لغدا الدُّجى والفجرُ من أكفانهِ |
أَوْشَاءَ مَنْعَ الْبَدْرِ فِي أَفْلاَكِهِ | عَنْ سَيْرِهِ لَمْ يَسْرِ في حُسْبَانِهِ |
أو رامَ من أفقِ المجرة ِ مسلكاً | لَجَرَتْ بِحَلْبِتِه خُيُولُ رِهَانِهِ |
لاَ تَنْفُذُ الأَقْدَارُ فِي الأَقْطَارِ في | شيءٍ بغيرِ الإذنِ من سلطانهِ |
أَللهُ سَخَّرَهَا لَهُ فَجَمُوحُها | سلسُ القيادِ لديهِ طوعُ عنانهِ |
فهو الَّذي لولاهُ نوحٌ ما نجا | في فلكهِ المشحونِ من طوفانهِ |
كلّا ولا موسى الكليمُ سقى الرَّدى | فرعونهُ وسمى على هامانهِ |
إن قيلَ عرشٌ هو حاملُ ساقهِ | أو قيلَ لوحٌ فهوَ في عنوانهِ |
روحُ النعيمِ وروحُ طوباهُ الّذي | تجنى ثمارُ الجودِ من أفنانهِ |
يَا سَيِّدَ الْكَوْنَيْنِ بَلْ يَا أَرْجَحَ الثَّقَلـ | ـيْنِ عِنْدَ اللهِ فِي أَوْزَانِهِ |
والمخجلَ القمرَ المنيرَ بتمهِ | فِي حُسْنِهِ وَالْغَيْثَ مِنْ إِحْسَانِهِ |
والفارسُ الشهمُ الّذي غبراتهُ | من ندّهِ والسمرُ من ريحانهِ |
عُذْراً فَإِنَّ الْمَدْحَ فِيكَ مُقَصِّرٌ | وَالْعَبْدَ مُعْتَرِفٌ بِعَجْزِ لِسَانِهِ |
ما قدرهُ ما شعرهُ بمديحِ من | يثني عليهِ اللهُ في قرآنهِ |
لولاكَ ما قطعت بيَ العيسُ الفلا | وطويتُ فدفدهُ إلى غيطانهِ |
أَمَّلْتُ فِيكَ وَزُرْتُ قَبْرَكَ مَادِحاً | لأَفُوزَ عِنْدَ اللهِ فِي رِضْوَانِهِ |
عبدٌ أتاكَ يقودهُ حسنُ الرجا | حاشا نداكَ يعودُ في حرمانهِ |
فاقبل إنابتهُ إليكَ فإنهُ | بِكَ يَسْتَقِيلُ اللهَ فِي عِصْيَانِهِ |
فَاشْفَعْ لَهُ وَلآلِهِ يَوْمَ الجْزَا | |
صَلَّى الالهُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَى الوَرَى | ما حنَّ مغتربٌ إلى أوطانهِ |