أرشيف الشعر العربي

اِسقِ العطاش

اِسقِ العطاش

مدة قراءة القصيدة : 8 دقائق .

-1-

زِدتَني تيهاً فزِدني عَطَشا أنا لن أَشكوكَ يا هذا الرَّشَا
هو قلبي كلَّما عــاندتُهُ خانَ صبري وبكِتماني وشى
ثَقُلَ الليلُ وهذا قَمَـري لونُ خدّيـهِ يُحاكي الغَبَشا
عَرَّشَتْ أَهدابُ عينيَّ لَهُ فانظـروا أيَّ مقامٍ عَرَشَا
أَسوَدُ المُقلةِ والطَرفِ وقدْ حَـلَّ في سَوداءِ قلبي وفَشَا
إنْ يَشَا وادَعَني في نظـرةٍ أو يَشَا أنتظر العُمْـرَ أَشَا
وَنَصيبي أَنني في وَقفـتي بين عينيهِ ونـيرانِ الحَشَا
عَطِشٌ أنتظرُ الوصلَ وَقَد زادَ بالـدَلِّ علينا ومَـشى

-2 –

كـلُّ مَنْ رُمناهُ قَبــلُ التَفَتا أيُّها التّائـهُ بالحُسْنِ متى؟
إنْ تكُنْ أوكلتَ ذا الحُسْنَ بِنَا كُـفَّ عينيكَ إذا مـا رَمَتَا
قالَ والسَّكرةُ فــي مُقلتِهِ هكذا العاشقُ يلــقى عَنَتَا
هكذا العشقُ حريقٌ وَجَوىً لم يَخُــضْ نيرانَهُ إلاّ فتى
وتَثنّى وَشَرَى روحي فَـمَا عَرَفَتْ عيـناهُ مـاذا افْتَرَتَا
يا غزالاً نافراً مـن شَرَكي صافَ بالشوقِ وفي قلبي شَتَا
كُفَّ عن دَلِّكَ قَــدْ كلَّفَني منـذُ أمسى سيـفُهُ مُنصَلِتا
أنتَ مُلِّكتَ وكـم مِنْ مَلِكٍ لـَـجَّ بالجَّورِ وبالحُكْمِ عَـتَا

- 3 -

زيِّنِ العُمرَ إذا مـــا عَبَسَا لا تُضِعْني في مجاهيلِ عسى
عَسْعَسَ الشوقُ وهذي زَورَةٌ مَــلأَ الليلُ خُطاها عَسَسَا
فـأنا آنَستُ فـي حَـرِّ اللَّمى نهلةً جئتُ لـــها مُلتَمِسا
أعطِني واستَرِقِ الوصلَ معي وخُـذِ النّفْسَ وهـذا النَفَسا
واسقِنـيها أطفيءِ النارَ بها مُزنةً في القيظِ تروي اليَبَسا
يا مليحَ الوجهِ يا مَنْ حُسنُه كلّـما أخرَسَ روحـي هَمَسا
طلعةُ الفاتنِ في شَرْعِ الهوى يأخذُ السُـرَّاقُ منها قَبَــسا
ها هُمُ الحرّاسُ عَنّا انصرفوا نحنُ صُرنا لهوانا حَـرَسا

- 4 -

أنا يا ذاتَ الخيالِ النَّـزِقِ وَجَلي رَحْلي وزادي قَلَـقي
أيَتُها الشمسُ ومالي طاقةٌ أنْ أُداري ضوءَها في حَدَقي
كيفَ نقَّرْتِ على نافــذتي كيفَ أشعلتِ دروبَ الشَّفـقِ
كلُّ مَنْ أحرقتِ يا سيّـدتي نارُهُ بعضُ دمي أو حُـرَقي
تُنكرينَ الصبَّ في خَمسينِهِ؟ أنا في الخمسينِ ربُّ الأَلَـقِ
أخضرٌ قلبي وفـي خُضْرَتهِ غَـرقَ الصبحُ بطيبِ العَبَقِ
ووَقَــاري عنـدما ضيَّعتُهُ عَاذَ مـن شيبي بربِّ الفَلَقِ
أنتِ أغويتِ فؤادي فارحَمي لا تقولــي ذنبُـهُ في عُنُقي

- 5 -

لم تذُقْ أجفانُ عيني وَسَنَا جلَّ من أعطاكَ وجهاَ حَسَنا
أَبدَعَ الخلاّقُ في إعجـازهِ واعتنى حتى تكونَ الأحسَنا
يزحَمُ النُوَّارُ في تَصخابِهِ كلَّ عينٍ ويُبيحُ السَوسَـنا
فتعالوا أَفْرشِ الهُدْبَ لكم ليفيضَ الوقـتُ أُنساً وَسَنا
مقلتي يضطرِمُ الوجدُ بها وصهيلي لا يُطيقُ الرَسَـنا
حَدِّقوا فيها تَرَوا إنسانَها أنْسَنَ النـيرانَ فيمن أنْسَنا
صَدَقَتْكم حالتي فيما رَوَتْ وحديثُ الشـوقِ عنها ألْسَنا
مَسَّنا العشـقُ فهَلاَّ وقفةٌ لتَروا أيَّ حريـــقٍ مَسَّنا

- 6 -

يا غزالاً رابياً فـــي رَغَدِ وضلالاً حبلُهُ مـن مَسَدِ
ودلالاً قـــد تصابيتُ بـهِ فأذاقَ الشيبَ حَـرَّ الكَبِدِ
تبَّ عُذّالي فهم لـم يَخبُرُوا لسعةَ الشوقِ ومُـرَّ الجَلَدِ
عتَّقَ العـمرُ لحائي فـأنا قُرمةٌ نَسَّتْ من الجوزِ الصدي
إنّها خمسون مَـرّتْ مثلما قطرةٌ ضاعـتْ ببحرِ الأَبـَدِ
مكثتْ في القلبِ منها خُضرةٌ وجُفاءً كـــــان كلُّ الزَبَدِ
أيُعيبونَ علينا مَسَّــــنا؟ أيّها المَسُّ الــذي فينا ازْدَدِ
بعضُ فخَّارٍ همو مُذْ خُلِقوا وأنا والعشقُ مــن طينٍ ندي

- 7 -

أسكرتْنا وانثَنَتْ فـــي غَنَجِ وحُميّاها سَرَتْ في المُهَجِ
ومَشَتْ والشَرْبُ صرعى حولها مثلَ ريحٍ عَصَفَتْ بالسُرُجِ
أطفــأتْ كلَّ غريــقٍ آثمٍ لم يَجدْ في إثمِهِ من حَرَجِ
أرأيتُم أيَّ مـوتٍ فاتــــنٍ أسكرَ الموتى بطيبِ الأَرَجِ
فارعٌ والوجهُ صــبحٌ ماجنٌ عينُه راشَتْ سِهامَ الدَعَـجِ
أردفَ الموجَ علــى صهوتِهِ وسبـــانا بعظـيمِ اللُجَجِ
هَمَدَ العشاقُ فــي أحلامهم ومشى ليلُ الدّجى في البَلَجِ
أيُّها الساقــي عطاشى كلُّنا فأغـثْنا ياقريبَ الفَـــرَجِ

- 8 -

نَصَفَ الليلُ وديكُ العرشِ صاحا والذي مثلُك أغفى واستراحا
سَرَحَتْ في خُضرةِ الـروحِ يـدٌ وقضى سَرْحُكَ حُزناً وجراحا
فاتَكَ السِّرْبُ وما أصطدتَ مُنىً يومَ كان الصيدُ مبذولاً مُباحا
يالهذي الكأس يعشــو عَـتَمٌ نارَها، والمرُّ يغتالُ الصُّداحـا
ناصَبَتْكَ الوهْـمَ حتــّى خلتَهُ في ثنايا الروحِ ريحاناً وراحا
دافَها الساقي دهاقاً ، حَــرُّه يصرعُ الشَّرْبَ غبوقاً واصطباحا
فاصطَلِ الجّمرَ الــذي آنَستَهُ خافـضاً من ذِلّةِ الإثمِ جَناحا
نَصَفَ الليلُ وهاجَتْ غــولُهُ وأبى النِّصفُ من الليلِ رَواحا

- 9 -

أنا في الخمسين صبٌّ مُستهامُ ولأهـلِ الجهلِ في الغيِّ إمامُ
فأتّقـوا ضَعفي إذا ما طيفُـكم زارني في الليلِ والناسُ نيامُ
يـبدأُ اللعـبةَ لحـظٌ فاتـرٌ وكلامٌ.. فابتسامٌ .. فسـلامُ
ثمّ يَلْظى العمرُ والعـذرُ معاً مثلما يلهبُ في قَـشٍّ ضِرامُ
أنلومُ الحُسنَ..؟! هذا طبعُهُ ماعلى الفاتنِ بالحسنِ.. مَلامُ
أم نلومُ القلبَ.؟ يبقى مغرماً وَبه رغماً عن الشيبِ عُـرامُ
كم لنا فـي ذِمّةِ العشقِ يـدٌ وله عهـدٌ عليـنا.. وذِمـامُ
فارحموا الآثمَ فيما حصـدَتْ كـفُّهُ، فالظلمُ يا ناسُ حـرامُ

- 10 -

صبوةُ الشيبِ ضـلالٌ كامـلُ آثـمٌ مجنونُها والعاقـلُ
آثــمٌ بائـعُها والمشـتري والذي طافَ بها والحاملُ
لو رأيتُم ما نراهُ احـتَرَبَتْ خيلُ عبسٍ ثـم تاهَتْ وائـلُ
غَزِلُ الطَّرفِ جريءٌ لحظُهُ يشتكي وهو الدَّلوعُ الهازِلُ
يدَّعي جَوراً.. وقلبي جارُهُ ويُماري الحـقَّ فيهِ الباطلُ
أيّ إنصافٍ ومالي ناصِفٌ فَتَرَفَّـقْ أيُّهـذا القـاتـلُ
أيُّها الـتزهو له الدنيا أنا في حِماكم مستجيرٌ نـازلُ
ودخيلٌ يسألُ الحُسنى فَهَل شيمةُ الحُسْنِ يُـرَدُّ السائلُ

- 11 -

ملَّني الصبرُ فما معنى اصطباري؟ فأنا جارُكَ يا مَـنْ كنتَ جاري
كم مِنَ الأعـذارِ يشفي عُـذرُها وشفى العمرُ وقد شابَ عِذاري
أمِنَ العدلِ..؟ وهذي قسمتي أنْ أُجاريكَ ولم تحفظْ جِواري
يا بشيرَ الثّغرِ.. والخدُّ لظىً ومنيرَ النَّحرِ.. والمُشعِلَ ناري
يا جميلَ اللَّحظِ .. إذْ تقتُلُني ما الّذي جئتَ به طالبَ ثأرِ..؟
جَأَرَتْ من بَسطةِ الذُلِّ يدي فمتى ترحمُ ضَعفي وانكساري؟
أَكما الجدران لا تسمعُني ؟ صَنَمٌ حَظّي. وخَمشي في جدارِ
سَرَّك اللهُ أغثْني من دمي ثمّ أطلقْ كيفما شئتَ أسـاري

- 12-

رابَهُ الشيبُ .. ولغزُ الشيبِ صعبُ والبرايا حَصْدُهُ .. والدَّهرُ حَربُ
عابثـاً جـاءكَ مـن مأمَنَــةٍ والأماني فــي يدِ الايامِ نَهْبُ
لاتُغَرَّرْ بالصِّــبا يا عـاذلي سوف يخبو ضوءُهُ يوماً وتخبو
طافَ بي طيـفاً فلمّـا شاقَني غالَهُ في معمعانِ الدربِ دربُ
وغداً يرميكَ عـن صهوتـِهِ فإذا شرَّقـتَهُ وافـاكَ غَـرْبُ
صَوَّحَ العمرُ وفـزَّتْ أنجُمٌ كلّما أمسكتُ سِرباً فـرَّ سِـربُ
يَبِسَتْ روحي وجفَّـتْ دوحتي وَسَقاني علقَـمَ الأهـواءِ قلبُ
يامُعـيبَ الشيبِ يـأتيكَ بـهِ طارقُ الايامِ ، ما في الشيبِ ريبُ

-13-

تنـقَّـلْ أيُّها النّـاجـي مـن البـلـّورِ للعـاجِ

وطـــبـعٌ فيــه للمـــلــكــات ِمـــــــــن دلٍّ وتَــــــــغـنــــــــاجِ

وأعظم في جلال الحـــــسن من ملكٍ ومن تاجِ

أتأمـل عطـفةً ؟ زُرْهُ وأنتَ الطّالـب الرّاجـي
يمـنُّ عليكَ مقتـدراً بإحســان وإفـراجِ

بشيءٍ من ضياء الصبحِ أو من ليلِهِ السّاجي

حظـوظٌ طوعُ خطـوتِهِ وقد عبـثَتْ بأبراجـي
أناشـدُه مـواصـلَـةً ويعـرجُ كلَّ معـراج

-14-

سـلاماً أيُّـــــها التفّــــــــــاحُ يا خــــــــداً عـلـــــــى الخــــــدِّ

أحقــــاً راحـــــــــــــت الأعـــــوامُ بالشـــــــمّام والــــــــــــورد؟

وغامَتْ سكـــــرةُ العنقـــــــودِ في عينيـــــــــــكَ بالـــوعدِ

كبُـرنـا وانطـفـتْ نارٌ ولم تَنـطُـقْ ولم تُبـدِ
ولم تشـفعْ لنـا يومـاً ألم نشـبعْ مـن الوجدِ؟

فيا إثماً توعَّـــــــــــدَ غـــــلَّـــــــــتي بالبــــــــرق والرَّعــــــــــدِ

أبَعْدَ الشّيبِ نصبو؟ جَلَّ من سمَّاكَ لي وحدي

وقـيَّـدني وعـمَّـدني وقـال الصَّبـرُ يا عبدي

-15-

عاذلي فيهِ ألا قُلْ لي بابليٌّ هوَ أم حِلّي
كوفتي كانَ وبغدادي وجلالُ الطولِ في نَخلي
تاهَ في التيهِ فيا تيهاً قد سبى العشّاقَ بالدَلِّ
وسباني آسراً روحي كيفَ تَهنا اليومَ في ذلّي
أفَهذا منكَ إحسانٌ ؟ أم تُراهُ بُخلُ موصلّي
غيَّمَتْ سوحي وما غامتْ غَمغَماتُ الوردِ في حقلي
سرَقَتْ ستّينَ أحلامي ومَضَتْ بالرّوحِ والعقلِ
ظلَّ وَقْدُ الشّوقِ مجنوناً هل رأيتم عاشقاً مثلي

*****

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عبدالوهاب إسماعيل) .

صبواتٌ متأخرة

موجة

كسوف

لا فضاءَ سوى وحشتي

السلام المباحْ .. في إقليم التفّاحْ


ساهم - قرآن ٣