(المتن) |
{ اشتدَّ الحُزْنُ عَلِيه وطارحَتْهُ المنايا ، فاسْتَجارَ بصَوتٍ قَريبٍ مِنْ أُذُنيهِ، غَيْرَ أنَّ المسافاتِ قد فارقتْ شَكلَها وامتداداتها عَادتْ هباء. فاحتَمى سَاعةَ الافتراق عَنِ الحُزنِ بطيفِ المكان. فحارتْ به الدنيا وحارَ بها وقالَ قولاً لَمْ يَسْمَعْه |
*** |
(النص) |
كانَ الوقتُ سجيناً ، |
يَحْتَضِنُ الغائبَ في غيبتِهِ ، |
يَنْسِجُ آهاتِ مَحَبَّتِهِ ، |
يَتَجلَّى في اللاتكوينْ. |
يَتَمدَّدُ في البُعْدِ وفي اللابُعد ، |
لا شكلاً يؤويه ، لا وطناً يعرفُ ماضيه ، |
كان الوقتُ سجيناً ، |
يتناثرُ في الحكمةِ ظلاً ، |
يأتي مغروساً بأنينْ. |
تخنقهُ الظُّلمةُ في الحُبِّ وفي اللاحبِّ ، |
يطوفُ قليلاً في الاثنين ، |
يتماها في كُلِّ جنين. |
سالَ الوقتُ ، |
وكادَ الصمتُ شروداً في كلِّ يقين. |
صارَ الوقتُ دهيناً ، خشناً ، |
يتلفلفُ في وجعِ التكوين. |
والحزنُ الكامنُ في العينين ، |
وطنٌ وسحابْ ، |
يا ورقَ العنابِ |
ترجلْ ! |
فالأطفال نيامُ والشارعُ يسكنه الخوفُ |
وأبي المترحلُ نحو دمشقَ ، |
يتقصى أخبارَ الدولة في التلفازْ |
والربُّ القابعُ في خزانِ الماءْ |
ينضحُ عرقاً ، يتوارى في كل رداءْ |
يتصاغرُ في أفواه الصبيةِ ، |
يتباكى في كُلِّ سماءْ. |
*** |
يا ورقَ العنابِ ، |
مِنْ أينَ سيبدأ هذا التاريخُ |
الملفوفُ على أحزمةٍ ناسفةٍ ؟ |
من وجعي ! |
أم مِنْ كُتُبِ الأجدادْ ! |
أم مِنْ حُبٍّ غافٍ فوقَ حروفِ الضادْ ! |
كان الوقتُ عفيفاً |
مكتئباً في الترقينْ. |
فاضَ الوقتُ، |
وكان الحبُّ ضياءاً |
يمنحَهُ الخالقُ للمخلوقْ |
ثياباً لا يسكنُها البردُ |
مساءاً ، لا يعرفُها غير العاشقِ والمعشوقْ. |
*** |
حجرٌ في الطريقِ المؤدي إلى الربِّ ، |
يصغي لوقعَ الخطى ، |
يرتدي ما تبقى من الليل ثوباً ، |
يفرُّ بجرحِ المسافةِ ، |
يفتحُ في الظِّلِّ ذاكرةً ، |
تستحمُ ببردِ الضحى ، |
حجرٌ في الطريقِ المؤدي إلى الربِّ ، |
بيتٌ بظلِّ الفراتْ ، |
يسكنُ الموتُ أيامَهُ ، يحتمي بالمتاهاتِ ، |
يبكي بكُلِّ الصفاتْ. |
والفراتْ ، |
كانَ قبل الفراتْ ، |
مأتماً قابعاً في الفجيعةِ ، |
بيتاً لكُلِّ اللغاتْ. |
والفراتْ ، |
مسكنٌ للمهاجرِ نحو المطرْ ، |
حجرٌ عالقٌ في رمادِ الحجرْ. |
*** |
صار صوتٌ لفريدريش |
غابةً للبكاءْ |
راقداً في سرير الفجيعةِ ، |
شاكياً للطبيعةِ ، |
حزنَ هذا المساءْ ، |
زارعاً وجهه في المرايا ، |
زهرةً ، |
تنسجُ الكبرياءْ. |
صار صوتٌ لفريدريش |
منزلاً للقصيدة ، |
يتقرى تجاويفها والشقوقَ ، |
جُرحُها في بلاد المتاهات طيفٌ حزينْ ، |
صوتُها ، |
جسدٌ يلبسُ الدهشةَ ، |
في شقوقِ القبور الوديعةِ ، يغفو |
على الظِّلِّ حيناً ، |
وحيناً يفيقُ بصوتٍ حنين. |
*** |
يا ورقَ العنابِ |
ترجلْ ! |
فالوقتُ ضبابْ ، |
وأنا الغَارقُ في الأنساب ، |
ضِعْتُ وضَيَّعَنِي الأصحَابْ ، |
مذهولٌ بالصمتِ الطالعِ من تاريخٍ ، |
يتكدسُ أوراقاً وسرابْ. |
وأنا العاشقُ ، |
أبحثُ في لغةِ الأحباب ، |
عَن ضَوءٍ يأتي ، عَن وَطنٍ يسكنُهُ العُنَّابْ. |
فدموعُ العاشقِ جرحٌ للمعشوقِ |
تَغفو تَتهامسُ في الدَّهشةِ |
يَسكُنها صُبحٌ وغِيابْ. |