سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
سَلِّمْ على الدَّارِ بِذِي تَنْضُبِ | فشطِّ حوضى فلوى قعنبِ |
واسْتَوْقِفِ الرَّكْبَ عَلَى رَسْمِهَا | بل حلَّ بالرَّسمِ ولا تركبِ |
لَمَّا عَرَفْنَاهَا جَرَى دَمْعُهُ | مَا بَعْدَ دَمْعِ الْعَانِسِ الأَشْيَبِ |
طالب بسعدى شجناً فائتاً | وهل لما قد فاتَ من مطلبِ |
وصاحبٍ قد جنَّ في صحَّة ٍ | لاَيَشْرَبُ التِّرْيَاقَ مِنْ عَقْرَبِ |
جافٍ عنِ البيضِ إذا ما غدا | لم يبكِ في دارٍ ولم يطربِ |
صَادَيْتُه عَنْ مُرِّ أخْلاَقِهِ | بحلوِ أخلاقي ولم أشغبِ |
حتَّى إذا ألقى علينا الهوى | أظفارهُ وارتاحَ في الملعبِ |
أصفيتهُ ودِّي وحدَّثتهُ | بالْحَقِّ عَنْ سُعْدَى وعَنْ زَيْنَبِ |
أقول والعينُ بها غصَّة ٌ | مِنْ عَبْرَة ٍ هَاجَتْ ولَمْ تَسْكُبِ: |
إِنْ تَذْهَبِ الدَّارُ وسُكَّانُهَا | فَإِنَّ ما فِي الْقَلْبِ لَمْ يَذْهَبِ |
لا غَرْوَ إِلاَّ دَار سُكَّانِنَا | تمسي بها الرُّبدُ معَ الرَّبربِ |
تنتابها سعدى وأترابها | فِي ظِلِّ عَيْشٍ حَافِلٍ مُعْجِبِ |
مرَّ علينا زمنٌ مصعبٌ | بَعْدَ زَمَانٍ لَيْسَ بالْمُصْعَبِ |
فَاجْتَذَّ سُعْدَى بِحَذَافيرِهَا | غيرَ بقايا حبِّها المصحبِ |
قد قلتُ للسَّائلِ في حبِّها | لمَّا دنا في حرمة ِ الأقربِ: |
يا صاحِ لا تسأل بحبِّي لها | وانْظُرْ إِلَى جِسْمِي ثم اعْجَبِ |
من ناحلِ الألواحِ لو كلتهُ | في قلبها مرَّ ولم ينشبِ |
شتَّانَ مجدودٌ ومن جدُّهُ | كالكعبِ إن ترحل بهِ يرتبِ |
أغرى بسعدى عندنا في الكرى | مَنْ لَيْسَ بِالدَّانِي ولا الْمُصْقَبِ |
مكِّيَّة ٌ تبدو إذا ما بدت | بالميثِ من نعمانَ أو مغربِ |
علِّقتُ منها حلماً كاذباً | يا ليتَ ذاكَ الحلمَ لم يكذبِ |
وملعبِ النُّونِ يرى بطنهُ | من ظهرهِ أخضرَ مستصعبِ |
عَطْشَانَ إِنْ تأَخُذُ عَلَيْهِ الصَّبَا | يَفْحُشْ عَلَى الْبوصِيِّ أو يَصْخَبِ |
كأنَّ أصْوَاتاً بِأرْجَائِه | من جندبٍ فاضَ إلى جندبِ |
ركبتُ في أهوالهِ ثيِّباً | إِلَيْكَ أوْ عَذْرَاءَ لَمْ تُرْكَبِ |
لمَّا تَيَمَّمْتُ عَلَى ظَهْرِهَا | لمجلسٍ في بطنها الحوشبِ |
هيَّأتُ فيها حينَ خيَّستها | مِنْ حَالِكِ اللَّونِ ومِنْ أصْهَبِ |
فأصبحت جارية ً بطنها | مَلآنُ مِنْ شَتَّى فَلَمْ تُضْرَبِ |
لا تشتكي الأينَ إذا ما انتحت | تهدى بهادٍ بعدها قلَّبِ |
رَاعي الذِّرَاعَيْنِ لِتَحْرِيزهَا | من مشربٍ غارَ إلى مشربِ |
إِذَا انْجَلَتْ عَنْهَا بِتَيَّارِهِ | وارْفَضَّ آلُ الشَّرَفِ الأَحْدَبِ |
ذكَرْتُ مِنْ هِقْلٍ غَدَا خَاضباً | أو هقلة ٍ ربداءَ لم تخضبِ |
تصرُّ أحياناً بسكَّانها | صَرِيرَ بَاب الدَّار فِي الْمِذْنَبِ |
بمِثْلِهَا يُجْتَازُ فِي مِثْلِهِ | إِنْ جَدَّ جَدَّتْ ثُمَّ لَمْ تَلْعَبِ |
دُعْمُوصُ نَهْرٍ أنْشَبَتْ وَسْطَهُ | إن تنعبِ الرِّيحُ لها تنعبِ |
إِلى إِمَام النَّاسِ وَجَّهْتُهَا | تَجْرِي عَلَى غَارٍ مِنَ الطُّحْلُبِ |
إِلى فتًى تَسْقِي يَدَاهُ النَّدَى | حيناً وأحياناً دمَ المذنبِ |
إذا دنا العيشُ فمعروفهُ | دَانٍ بِعَيْشِ الْقَانِعِ الْمُتْرِبِ |
زينُ سريرِ الملكِ في المغتدى | وغرَّة ُ الموكبِ في الموكبِ |
كأنَّ مبعوثاً على بابهِ | يدني ويقصي ناقداً يجتبي |
إذا رماهُ النَّقرى بامرئٍ | لاَنَ لَهَ الْبَابُ وَلَمْ يُحْجَبِ |
دأبتُ حتَّى جئتهُ زائراً | ثمَّ تعنَّيتُ ولم أدأبِ |
ما انشقَّتِ الفتنة ُ عن مثلهِ | في مشرقِ الأرضِ ولا مغربِ |
أطبَّ للدِّينِ إذا رنَّقت | عيناهُ من طاغية ٍ مجربِ |
ألقى إليهِ "عمرٌ" شيمة ً | كَانَتْ مَوَارِيثَ أبٍ عَنْ أبِ |
قوْدَ الْمَطَايَا بِعَمَى مَارِقٍ | عوتبَ في الله فلم يُعتبِ |
إنَّ يزيداً فادنُ من بابهِ | في الضيقِ إن كانَ أو المرحبِ |
أجْدَى عَلَى النَّاسِ إِذَا أمْحَلُوا | يوماً وأكفى للثأى المنصبِ |
دعامة ُ الأرضِ إذا ما وهت | سماؤهُ عن لاقحٍ مقربِ |
الْجَالِبُ الأُسْدَ وأشْبَالَهَا | يزرنَ من دورينِ في المجلبِ |
بِعَسْكَرٍ ظَلَّتْ عَنَاجِيجُهُ | في الْقودِ مِنْ طِرْفٍ ومِنْ سَلْهَبِ |
مجنوبة َ العصرينِ أو عصرها | بسيرِ لا وانٍ ولا متعبِ |
يتبعنَ مخذولاً وأشياعهُ | بالْعَيْنِ فالرَّوْحَاء فالْمَرْقَبِ |
حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَنَ مِن كَبْوَة ٍ | وكُنَّ مِنْهُ لَيْلَة الْمِذَّبِ |
خَرَجْنَ من سَوْدَاءَ في غِرِّة ٍ | يردينَ أمثالَ القنا الشُّرَّبِ |
لَمَّا رَأوْا أعْناقَهَا شُرَّعاً | بالموتِ دونَ العلقِ الأغلبِ |
كانوا فريقينِ فمن هاربٍ | ومقعسٍ بالطّعنِ لم يهربِ |
مثل الفزاريِّ الَّذي لم يزل | جَدَاهُ يَكْفِي غَيْبَة َ الْغُيَّبِ |
أنزلنَ عبدَ الله من حصنهِ | إذ جئنهُ من حيثُ لم يرهبِ |
وانْصَعْنَ لِلْمَخْدُوع عَنْ نَفْسِهِ | يَذُقْنَ ما ذَاقَ فَلَمْ يُصْلَبِ |
وَلَوْ تَرَى الأَزْدِيَّ فِي جَمْعِهِ | كانَ كضلِّيلِ بني تغلبِ |
أيَّامَ يهززنَ إليه الرَّدى | بكُلِّ مَاضِي النَّصلِ والثَّعْلَبِ |
حتَّى إذا قرَّبهُ حينهُ | منها ولولاَ الحينُ لم يقربِ |
خاضَ ابنُ جمهورٍ ولو رامها | مطاعن الأسدِ على المشربِ |
وزرنَ شيبانَ فنامت بهِ | عَيْنٌ ولَمْ تَأرَقْ عَلَى مُذْنِبِ |
أجْلَى عَنِ الْمَوْصِلِ مِنْ وَقْعِهَا | أو خرَّ من حُثحُوثها المطنبِ |
هُنَاكَ عَادَ الدِّينُ مُسْتَقْبَلاً | وانتصبَ الدّينُ على المنصبِ |
وَعَاقِدُ التَّاجِ عَلَى رَأسِهِ | يبرقُ والبيضة ُ كالكوكبِ |
لا يضعُ الَّلأمة َ عن جلدهِ | وَمِحْمَلَ السَّيْفِ عَنِ الْمَنْكِبِ |
جلاَّبُ أتلادٍ بأشياعهِ | قلتُ لهُ قولاً ولم أخطبِ |
لَوْ حَلَبَ الأَرْضَ بأخْلاَفِهَا | دَرَّتْ لَكَ الْحَرْبُ دَماً فَاحْلُبِ |
يا أيها النَّازي بسلطانهِ | أدللتَ بالحربِ على محربِ |
الْغِيُّ يُعْدِي فاجْتَنِبْ قُرْبَهُ | واحْذَرْ بُغَى مُعْتَزَلِ الأَجْرَبِ |
أنهاكَ عن عاصٍ عدا طورهُ | وألهبَ القصدَ على الملهبِ |
لاَ تَعْجَلِ الْحَرْبَ لَهَا رَحْبَة ٌ | تغضبُ أقواماً ولم تغضبِ |
إن سرَّكَ الموتُ لها عاجلاً | فاستعجلِ الموتَ ولا ترقبِ |
مَا أُحْرِمَتْ عَنْكَ خَطَاطِيفُهُ | فَارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أوْ قَبْقِبِ |
إِنَّ الأُلَى كَانُوا عَلَى سُخْطِهِ | من بينِ مندوبٍ ومستندبِ |
لمَّا دنا منزلهُ أطرقوا | إِطْراقَة َ الطَّيْرِ لذِي الْمِخْلَبِ |