دِمّشْقْ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أَجَنَّةُ الْخُلْدِ فيها الْحُسْنُ أَلْوانُ | زَفَّتْ بَشائِرَها حُورٌ وَوِلْدانُ |
أَلْقَتْ عَلَينا ظِلالَ الأَمْنِ وارِفَةً | فَمَا عَلَيْنا بِها لِلدَّهْرِ سًلْطانُ |
أَمْ سانِحُ الْوَهْمِ بِالأَحْلامِ مَثَّلَها | مَنْضُورَةً فَهْيَ للأَحْلامِ بُسْتانُ |
لاحَتْ كَلَمْحِ الأَماني في خَواطِرنا | وَنَحْنُ مِنْ نَشْوَةِ الآَمالِ جُذْلانُ |
أَمْ حُوِّلَ الْحَوْلُ فاهْتزَّتْ بِنا وَرَبَتْ | أَيَّامُ "أَيْلولَ" نَبْتاً فَهْوَ "نَيْسانُ" |
وَازَّيَّنَتْ بالرَّبيعِ الأَرْضُ فَهْوَ لَها | وَشْيٌ وَحَلْيٌ وَأَصْباغٌ وَأَلْوانُ |
بَلْ هذهِ "جِلَّقُ الفَيْحاءُ" ماثِلةٌ | ماحاكَها مِنْ رُؤى الأَوْهامِ حِسْبانُ |
كأَنَّ "حَيْفا" كَسَتْها مِنْ مَفاتِنِها | ما ليْسَ يبْلُغُهُ بالوَصْفِ تِبْيانُ |
وَمِنْ سَنى "كَرْمِلي" هذا الجَمالُ زَها | فيها فَباتَتْ بهِ تَزهو وَتزْدانُ |
"فالغُوطَةُ" البَحْرُ رَجّافاً بِلُجَّتِهِ | لكِنَّ لُجَّتَهُ نَبْتٌ وَأغْصانُ |
تَخوضُهُ لَمَحاتُ الفِكْرِ شارِدَةً | وَفيهِ تَغْرَقُ أَحْلامٌ وَأَذْهانُ |
فَلَوْ تَنَظَّرْتَها مِنْ "قاسِيونَ" ضُحىً | وَمَرْجُها مُشْرِقُ الآفاقِ ضَحْيانُ |
لَخِلْتَ ما ماسَ مَدَّ الطَّرْفِ مِنْ حَوَرٍ | صاراتِ فُلْكٍ لَها الأنْسامُ رُبّانُ |
وَخِلْتَ أَفْنانَها الأَمْواجُ في لُجَجٍ | ما إِنْ لها مِنْ أَديمِ الأرْضِ شُطْآنُ |
أَوْقُلْتَ: مِنْ نَسَماتِ "الكَرْمِلِ" انْطَلَقَتْ | بَيْنَ الصَّنَوْبَرِ بالأَطْيابِ أَعْنانُ |
طافَتْ بِهِ وَحواشي الأُفْقِ مُذْهَبَةٌ | والصُّبْحُ مِنْ غَفْوَةِ الأحْلامِ يَقْظانُ |
فَأَيْقَظَتْ كُلَّ شادٍ فَهْوَ لَحْنُ مُنىً | وَرَنَّحَتْ كُلَّ غُصْنٍ فَهْوَ هَيْمانُ |
وَ"رَبْوَةُ" الحُسْنِ، وَالأَحْلامُ مُغْفِيَةٌ | في صَمْتِ أَظْلالِها، غَيْداءُ مِفْتانُ |
أَلَقَتْ بِمِطْرَفِها عَنْ صَدْرِها فَبَدا | عُرْيانَ والكَشْحُ كاسٍ وَهْوَ خَمْصانُ |
نَسِيمُها نَغَمٌ أَصْغى الزَّمانُ لَهُ | وَكُلّهُ لِفَريدِ اللَّحْنِ آذانُ |
فَهامَ في غَمْرَةِ الآبادِ لَيْسَ لَهُ | مِنْ غايَةٍ فَهْوَ عُمْرَ الدّهرِ نَشْوانُ |
وَ"دُمَّرٌ" مَنْبَعُ الخَمْرِ الَّتي سَكِرَتْ | مِنْها اللَّيالي فَهُنَّ الدَّهْرَ عِصْيانُ |
قَدْ ضَمَّها "بَرَدَى" شَوْقاً وَأَرْشَفَها | مِنْ صِرْفِهِ فَثَراها مِنْهُ رَيّانُ |
جَرى لَها سَلْسَلاً يَسقي خَمائِلَها | فَتَحْتَها مِنْهُ أَسياحٌ وَغُدْرانُ |
مالَتْ عَلَيْها غُصونٌ ما هَفَتْ ظَمَأً | إِلاّ انْثَنَتْ وَلَها في الرّيحِ أَلْحانُ |
وَوارِفُ الجَوْزِ في أَرْجائِها عَبَقٌ | وَباسِقُ "الحَوَرِ" الفينانِ مَيْسانُ |
كَأَنَّ أَوْراقَهُ والرّيحُ تُرْعِشُها | قُلوبُ حُبٍّ لَها بالخَفْقِ إِمْعانُ |
تَغْدو عَلَيْها الصَّبا بالعِطْرِ ناعِمَةً | وَغُصْنُها في مُهُودِ الصَّفْوِ وَسْنانُ |
فَتَبْعَثُ الشَّوْقَ في أَوْصالِها لِهوىً | لا يَسْتَقِرُّ بِهِ في الخَفْق وِجدانُ |
يهُزُّها فَوْقَ أَدْواحٍ مُهَوِّمَةٍ | لَفْحُ الجَوى وَهْيَ أَغْصانٌ وأفْنانُ |
فَهَلْ رَأَيْتَ قُلوباً بالجَوى خَفَقَتْ | وَمالَهُنَّ عَلى الأَيّامِ أَبْدانُ |
والسِّحْرُ في "الهامَةِ" الغَنّاءِ مَوْئِلُهُ | فَكُلُّها لِجَلالِ السِّحْرِ أَحْضانُ |
الطَّيْرُ فَوْقَ الأَعالي مِنْ خَمائِلها | قِيانُ شَدْوٍ لَها الأَدْواحُ عِيدانُ |
وَالماءُ صَفْحَةُ تِبْرٍ بالسَّنى جُلِيَتْ | كَأَنَّها مُصْحَفٌ والشّدْوُ قُرْآنُ |
وَ "الوادِ" مُؤْتَزِرٌ إِسْتبْرَقاً نَضِراً | وَشّاهُ في كَنَفِ الفِرْدَوْسِ "رِضْوانُ" |
حَصْباؤُهُ مِنْ عُقودِ الغيدِ قَدْ فُرِطَتْ | فَشاطِئاهُ يَواقِيتٌ وَمَرْجانُ |
والكَوْثَرُ العّذْبُ نَضّاخٌ "بِفِيجَتِهِ" | شَهْداً مَوارِدُهُ رَوْحٌ وَرَيْحانُ |
وَسَفْحُهُ بِابْتِسامِ الوَرْدِ مُزْدَهرٌ | وَدَوْحُهُ بالشَّذا الفَوّاحِ سَكْرانُ |
وَلَيْسَ في رَهْوهِ المُخْضَرِّ مِنْ حَجَرٍ | إِلاّ أَنَزَّ رَحِيقاً وَهْوَ صَفْوانُ |
فيالَوادي لُجَيْنٍ فَوْقَ عَدْوَتِهِ | زُمُرُّدٌ يَتهادى مِنْهُ عِقْيانُ |
* * * | |
"دِمَشْقُ" يا صِنْوَ "حَيْفا" نَضْرَةً وَسَنىً | فَفِيكُما باهِراتُ الحُسْنِ صِنْوانُ |
هَلْ اقْتَبَسْتِ الرَّبيعَ الطَّلْقَ مؤُتَلِقاً | مِنْ "كَرْمِلي" فَهْوَ فيهِ الدَّهْرَ مُزدانُ |
بِحُلَّةٍ مِنْ نَضاراتٍ مُطَرَّزَةٍ | لَمْ تُكْسَها في رِحابِ الأرْضِ أَوْطانُ |
وَأَيْنَ مِنْ "كَرْمِلي" حُسْناً وَشاطِئِهِ | "نَهْرُ الأُبُلَّةِ" لابَلْ أَيْنَ "بَوّانُ" |