بِعِطْرِكِ فاحَ نَفْحُ رَبيعِ "حَيْفا" |
رَبيعِ الحُبِّ في زُهْرِ المَغاني |
فَمَاجَ تَأَلُّقاً.. وَسَنىً.. وَطيباً |
وَعادَ بِدِفءِ أَحْضانِ الحَنانِ |
عَلى ما امْتَدَّ مِنْ شُطْآنِ رَمْلٍ |
وَثِيرٍ كالْحَريرِ الخُسْرُواني |
عَلى "المَرْجِ" المُقِيمِ الخُيْرُ فِيهِ |
لِعُرْسِ جَنَاهُ أَسْنى مِهْرَجانِ |
عَلى "السَّفْحِ" المُطَرَّزِ بالأَماني |
على "الجَبَلِ" المُوَشَّحِ بالأَغاني |
عَلى "سَهْلِ السَّعادَةِ" وَهْوَ يَزْهو |
بِنَرْجِسِهِ على نَثْرِ الجُمانِ |
وَسَلْسَلُ مائِهِ يَجْري فُراتاً |
بِذَوْبِ الشَّهْدِ أَوْ سَكْبِ الدِّنانِ |
وَذَكَّرَني بِأَنْفاسِ الرَّوابي |
يُؤَرِّجُهَا عَلى مَرِّ الزَّمانِ |
رَبيعٌ دائِمٌ في رُحْبِ أَرْضٍ |
مَغانِيها فَراديسُ الجِنانِ |
وَ "حَيْفا" في مَواكِبِهِ عَروسٌ |
تَجَلّى مِنْهُ بالحُلَلِ الحِسانِ |
وَيُعْليها الجَمالُ سَنامَ عَرْشٍ |
فَريدِ التّاجِ.. فَرْدِ الصَّوْلجانِ |
وَذَكَّرّني بِزَهْرِ رَبيعِ عُمْرٍ |
ذَوَتْ أَغْصَانُهُ قَبْلَ الأَوانِ |
وَمَرَّ كَأَنَّهُ أَضْغاثُ حُلْمٍ |
بِهِ سَنَحَتْ أَضالِيلُ الأَماني |
فَظَلَّ عَلى مدى الأَيّامِ جُرْحاً |
يُراجِعُني جَواهُ كَما بَداني |
وَداءً ما لِعا صِيهِ دَواءٌ |
وَخَطْباً ما لَهُ في الرَّوْعِ ثاني |
وَمَنْبَعَ مَدْمَعَيْ أَمَلٍ وَيَأْسٍ |
بَصَيِّبِ مُهْجَتي يَتَدَفَّقانِ |
فَإِنْ أَسْنى لِيَ الأَمَلُ المُرَجَّى |
دَجى بِاليأسِ مُسْودُّ الدِّجانِ |
وَإِنْ بَسَمَتْ مُؤاساةُ التَّأَسيّ |
بَكَتْ ذِكْراهُ أَيّامَ التَّداني |
وَكانَ العُمْرُ في "حَيْفا" رَبيعاً |
وَرِيفاً دَوْحُهُ داني المَجاني |
عَمِيمَ النَّبْتِ صَدّاحَ الأَغاني |
نَدِيَّ الوَرْدِ غَضَّ الأُقْحُوان |
فَغَيَّضَ ماءَهُ قَدرٌ عَتِيٌّ |
بِكَفِّ الغَيْبِ مَقْبوضُ العِنانِ |
وَجَفَّفَهُ الزَّمانُ بِقَسْرِ ظُلْمٍ |
تقاصَرُ عَنْه أَلْسِنَةُ البَيانِ |
فَجَمْرٌ في الجَوانِحِ قَدْ تَلظّى |
وَلَمْ تُطْفِئْ تَلَظِّيهُ يَدانِ |
وَظِمْءٌ مِنْ جُروحِ الرُّوحِ تَوْقاً |
إِلى أرضٍ تُعاني ما تُعاني |
تَأَصَّلَ في العِظامِ فَلَيْسَ يَرْوَى |
وَلَوْ سالَتْ لَهُ الدِّيَمُ الدَّواني |
وَ "حَيْفا" اليَوْمَ دَمْعَةُ جَفْنِ عِزٍّ |
هَمَتْ بِالقَهْرِ بَيْنَ يَدَيْ هَوانِ |
وَحُرْقَةُ لَوْعَةٍ سَعَرَتْ جَواها |
جِراحاتٌ تَنَزَّتْ في الحَواني |
وَآهاتُ تَردَّدَ خَفْقَ وَجْدٍ |
صَداها في سُوَيْداءِ الجَنانِ |
غُصِبْناها عَلى كَرْهٍ فَأَمْسَتْ |
تَراوَحُ بالظُّنونِ وَبالأَماني |
وَتُرْسَمُ بالتَّوَهُّمِ طيفَ وَصْلٍ |
يَرِفُّ عَلى مَدامِعِنا القَواني |