(إلى روح الشاعر الكبير حكمت العتيلي) |
* |
-1- |
كلما خانني الأرجوانُ تواريتُ |
بين خيوطِ الكرى والرذاذْ |
كلما خانني فرحُ العطرِ موتاً |
بحثتُ لأغنيتي عن ملاذْ |
باهتٌ لون هذا الندى الموسميْ |
والجبالُ تنوءُ بحمل السفوحْ |
والغيومُ ملبدةٌ بالكآبةِ |
والشعرُ عندَ الأصيل ينوحْ |
تهمسُ الريحُ بين الورى سرَّها |
والفضا حزنه كفنٌ أبيضُ |
تغسلُ الريحُ بين الثرى شَعرها |
والعصافيرُ كالطينِ لا تنهضُ |
الحروفُ غدتْ في فمي كالحجارةِ |
واحترقَ القلبُ والأرجوانْ |
لحظاتُ اتساعِ الرضا أصبحتْ |
تتطايرُ مني كمثل الدخانْ |
موكبَ الطينِ يا موكبَ البائسينَ |
ويا راحلاً ضائعاً في الضبابْ |
كلنا في دروبك نمضي ولا |
نعرفُ الآنَ كيفَ يكونُ الإيابْ |
-2- |
باهتٌ وجهُ هذا المساء المغطى بأقنعةِ الفقدِ |
مهما كفرنا به |
فالسماءُ له عاشقة |
والتفاصيلُ تنذرُ بالنارِ |
لكنَّ من يكتبُ الشعرَ يرحلُ في سرعةٍ فائقة |
والذين دخلنا بهم بلدةَ الأمنياتِ |
تراجعَ إحساسُهم بالبقاءِ |
وعادوا إلى زقزقاتِ الكهوفْ |
والذينَ انتظرنا سطوعَ مدامعِهم |
جربوا أن يعيدوا لأنفسهم كُحلَ فصلِ الخريفْ |
الرحيلُ هو الحلُ للموتِ |
والإحتراقُ بديلٌ لِشَقِّ الجيوب |
وصوتُ الرماد بديلُ لما تفعلُ المقصلة |
يا هواةَ البكاء |
استعدوا لفتح الفناجينِ |
واقتربوا الآن من قلقِ الأسئلة |
كلما فضحَ الشعرُ أسرارَه |
كبرتْ شوكة الروح بين السطورْ |
كلما غيَّبَ الشعرُ أحلامَه |
رَقَدَ الحكماءُ المجانينُ بين القبورْ |
"كلما خانني الأرجوان تواريتُ |
بين خيوطِ الكرى والرذاذْ |
كلما خانني فرحُ العطرِ موتاً |
بحثتُ لأغنيتي عن ملاذْ" |
-3- |
معشرَ الشعراءْ، |
كلنا سوفَ نرحلُ دون جنائزْ |
كلنا سوفَ نرحلُ دون رثاءْ |
وستُدفنُ أجسادُنا مثلما يفعلونَ بكل الفضائحْ |
وستُوأدُ أحلامُنا |
بين عُريِ الورودِ |
وصمتِ المسارحْ |
وسنبكي كثيراً على وجع الآخرين |
نحنُ من نتعثرُ |
حين بزوغ النهار |
بخيطِ السنا |
نحن في سرنا |
نتغذى على لحم خيباتنا |
ونتوق للقيا نساءٍ نحبُّ، ولسنَ لنا |
ونضاجعُ أغطيةَ الماءِ |
ثم نلاحقُ ما قال عنا الغبارْ |
وحين نريد الركونَ إلى موتنا |
نتعرى كما يتعرى الجدارْ |
"باهتٌ لون هذا الندى الموسميْ |
والجبالُ تنوءُ بحمل السفوحْ |
والغيومُ ملبدةٌ بالكآبةِ |
والشعرُ عند الأصيل ينوحْ" |
-4- |
عندما كنتُ ممتطياً صهوةَ العشقِ |
حاولتُ أن أتغلغلَ في قلب صومعةٍ مترعة |
فدخلتُ ليأخذني الدمعُ في حضنهِ |
وليسرقني وطنُ الأشرعة |
سُرةُ الكونِ كانت هناكْ |
وهناك وجدتكَ تشربُ كأسَ عُلاك |
وهناك رضعنا حليبَ التفاصيلِ |
لكننا لم نعدْ منكَ يا مشرقاً في الأماني |
فالغوايةُ أنثى تطل علينا |
وتدفننا في جيوب الزمانِ |
ولكنني الآنَ جففتُ بعضَ ينابيعها الهائمة |
وآثرتُ أن يَهرق الدمعُ حزنيَ |
في ليلةٍ غائمة |
ووجدتُ الفراشاتِ يابسةً |
والغصونَ مكسرةً |
والحشائشَ مغمورةً بالهباءْ |
وحملتُ شبابيكَ حزني إلى كلمات الهواءْ |
دائما... |
"تهمسُ الريحُ بين الورى سرَّها |
والفضا حزنُه كفنٌ أبيضُ |
تغسلُ الريحُ بين الثرى شَعرَها |
والعصافيرُ كالطينِ لا تنهضُ" |
-5- |
السماءُ اكتستْ حينما رحل الشعرُ |
ثلجاً مكللةً روحُه بالسوادْ |
السماءُ التي لطمتْ خدَّها |
ذبحتها سيوفُ الرمادْ |
"والحروفُ غدتْ في فمي كالحجارة |
واحترقَ القلبُ والأرجوانْ |
لحظاتُ اتساعِ الرضا أصبحتْ |
تتطايرُ مني كمثل الدخانْ" |
-6- |
اغتسالُ المسافاتِ بالأحمر القرمزي |
يجعلُ الرملَ يحبلُ سربَ نوارسَ يقربُ من عتباتِ البحارْ |
وأنا جبلتني الذنوبُ |
لماذا أظلُّ |
وحيداً |
هنا |
والقصائدُ آخذةٌ بالفرارْ |
كم بكيتُ وحكمتَ فوق خدودِ الورقْ |
كم شربتُ وفكرتَه والفوانيسَ بعضَ كؤوسِ الأرقْ |
غير أن حكاياتِه حينما زرتُه أخذتْ بالبكاءْ |
فارتقيتُ |
ولم أحتملْ سطوةَ الإنتشاءْ |
وتمنيتُ |
–يا أيها الموتُ- |
ألا تعودَ له مرةً ثانية |
كيف تحتملُ الآنَ أن تحرقَ الزهرَ في الآنية؟ |
وتمنيتُ ألا تُعدَّ لنا |
-بعد عيدِ السفرجل- |
يومَ الوداع.. |
وتمنيتُ أن يتسنى لي الأمرُ |
كي أتألمَ فوق صخور الضياع… |
منشداً: |
"موكبَ الطينِ يا موكبَ البائسينَ |
ويا راحلاً ضائعاً في الضبابْ |
كلنا في دروبك نمضي ولا |
نعرفُ الآنَ كيفَ يكونُ الإيابْ" |
* |
فلسطين – 4 آذار 2006 |