أرشيف الشعر العربي

كلما خانني الأرجوانُ

كلما خانني الأرجوانُ

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

(إلى روح الشاعر الكبير حكمت العتيلي)

*

-1-

كلما خانني الأرجوانُ تواريتُ

بين خيوطِ الكرى والرذاذْ

كلما خانني فرحُ العطرِ موتاً

بحثتُ لأغنيتي عن ملاذْ

باهتٌ لون هذا الندى الموسميْ

والجبالُ تنوءُ بحمل السفوحْ

والغيومُ ملبدةٌ بالكآبةِ

والشعرُ عندَ الأصيل ينوحْ

تهمسُ الريحُ بين الورى سرَّها

والفضا حزنه كفنٌ أبيضُ

تغسلُ الريحُ بين الثرى شَعرها

والعصافيرُ كالطينِ لا تنهضُ

الحروفُ غدتْ في فمي كالحجارةِ

واحترقَ القلبُ والأرجوانْ

لحظاتُ اتساعِ الرضا أصبحتْ

تتطايرُ مني كمثل الدخانْ

موكبَ الطينِ يا موكبَ البائسينَ

ويا راحلاً ضائعاً في الضبابْ

كلنا في دروبك نمضي ولا

نعرفُ الآنَ كيفَ يكونُ الإيابْ

-2-

باهتٌ وجهُ هذا المساء المغطى بأقنعةِ الفقدِ

مهما كفرنا به

فالسماءُ له عاشقة

والتفاصيلُ تنذرُ بالنارِ

لكنَّ من يكتبُ الشعرَ يرحلُ في سرعةٍ فائقة

والذين دخلنا بهم بلدةَ الأمنياتِ

تراجعَ إحساسُهم بالبقاءِ

وعادوا إلى زقزقاتِ الكهوفْ

والذينَ انتظرنا سطوعَ مدامعِهم

جربوا أن يعيدوا لأنفسهم كُحلَ فصلِ الخريفْ

الرحيلُ هو الحلُ للموتِ

والإحتراقُ بديلٌ لِشَقِّ الجيوب

وصوتُ الرماد بديلُ لما تفعلُ المقصلة

يا هواةَ البكاء

استعدوا لفتح الفناجينِ

واقتربوا الآن من قلقِ الأسئلة

كلما فضحَ الشعرُ أسرارَه

كبرتْ شوكة الروح بين السطورْ

كلما غيَّبَ الشعرُ أحلامَه

رَقَدَ الحكماءُ المجانينُ بين القبورْ

"كلما خانني الأرجوان تواريتُ

بين خيوطِ الكرى والرذاذْ

كلما خانني فرحُ العطرِ موتاً

بحثتُ لأغنيتي عن ملاذْ"

-3-

معشرَ الشعراءْ،

كلنا سوفَ نرحلُ دون جنائزْ

كلنا سوفَ نرحلُ دون رثاءْ

وستُدفنُ أجسادُنا مثلما يفعلونَ بكل الفضائحْ

وستُوأدُ أحلامُنا

بين عُريِ الورودِ

وصمتِ المسارحْ

وسنبكي كثيراً على وجع الآخرين

نحنُ من نتعثرُ

حين بزوغ النهار

بخيطِ السنا

نحن في سرنا

نتغذى على لحم خيباتنا

ونتوق للقيا نساءٍ نحبُّ، ولسنَ لنا

ونضاجعُ أغطيةَ الماءِ

ثم نلاحقُ ما قال عنا الغبارْ

وحين نريد الركونَ إلى موتنا

نتعرى كما يتعرى الجدارْ

"باهتٌ لون هذا الندى الموسميْ

والجبالُ تنوءُ بحمل السفوحْ

والغيومُ ملبدةٌ بالكآبةِ

والشعرُ عند الأصيل ينوحْ"

-4-

عندما كنتُ ممتطياً صهوةَ العشقِ

حاولتُ أن أتغلغلَ في قلب صومعةٍ مترعة

فدخلتُ ليأخذني الدمعُ في حضنهِ

وليسرقني وطنُ الأشرعة

سُرةُ الكونِ كانت هناكْ

وهناك وجدتكَ تشربُ كأسَ عُلاك

وهناك رضعنا حليبَ التفاصيلِ

لكننا لم نعدْ منكَ يا مشرقاً في الأماني

فالغوايةُ أنثى تطل علينا

وتدفننا في جيوب الزمانِ

ولكنني الآنَ جففتُ بعضَ ينابيعها الهائمة

وآثرتُ أن يَهرق الدمعُ حزنيَ

في ليلةٍ غائمة

ووجدتُ الفراشاتِ يابسةً

والغصونَ مكسرةً

والحشائشَ مغمورةً بالهباءْ

وحملتُ شبابيكَ حزني إلى كلمات الهواءْ

دائما...

"تهمسُ الريحُ بين الورى سرَّها

والفضا حزنُه كفنٌ أبيضُ

تغسلُ الريحُ بين الثرى شَعرَها

والعصافيرُ كالطينِ لا تنهضُ"

-5-

السماءُ اكتستْ حينما رحل الشعرُ

ثلجاً مكللةً روحُه بالسوادْ

السماءُ التي لطمتْ خدَّها

ذبحتها سيوفُ الرمادْ

"والحروفُ غدتْ في فمي كالحجارة

واحترقَ القلبُ والأرجوانْ

لحظاتُ اتساعِ الرضا أصبحتْ

تتطايرُ مني كمثل الدخانْ"

-6-

اغتسالُ المسافاتِ بالأحمر القرمزي

يجعلُ الرملَ يحبلُ سربَ نوارسَ يقربُ من عتباتِ البحارْ

وأنا جبلتني الذنوبُ

لماذا أظلُّ

وحيداً

هنا

والقصائدُ آخذةٌ بالفرارْ

كم بكيتُ وحكمتَ فوق خدودِ الورقْ

كم شربتُ وفكرتَه والفوانيسَ بعضَ كؤوسِ الأرقْ

غير أن حكاياتِه حينما زرتُه أخذتْ بالبكاءْ

فارتقيتُ

ولم أحتملْ سطوةَ الإنتشاءْ

وتمنيتُ

–يا أيها الموتُ-

ألا تعودَ له مرةً ثانية

كيف تحتملُ الآنَ أن تحرقَ الزهرَ في الآنية؟

وتمنيتُ ألا تُعدَّ لنا

-بعد عيدِ السفرجل-

يومَ الوداع..

وتمنيتُ أن يتسنى لي الأمرُ

كي أتألمَ فوق صخور الضياع…

منشداً:

"موكبَ الطينِ يا موكبَ البائسينَ

ويا راحلاً ضائعاً في الضبابْ

كلنا في دروبك نمضي ولا

نعرفُ الآنَ كيفَ يكونُ الإيابْ"

*

فلسطين – 4 آذار 2006

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (ناصر ثابت) .

النسر الغريق

عصفورٌ يهربُ نحو الشمس

جنينُ تعدُّ عصافيرَها.. مرتين

كلما خانني الأرجوانُ

يا وطني


ساهم - قرآن ٣