-1- |
آلهةٌ لملمتْ فجرَها واستباحتْ كياني |
لها منطقُ الروح، قيثارة الأمسِ، زقزقةُ الأرجوانِ |
لها صمتُ أروقةِ الشمسِ |
في يدها يكبرُ الماءُ، حتى يصيرَ فراشاً |
ومن إبطها يبدأ الراقصون برسمِ عبير المكانِ |
هو الحبُّ أن ننثرَ الدمعَ فوق التسابيحِ |
أن نستعيدَ الرحيلَ إذا أقبلتْ في المساءِ المخضبِ بالحزنِ أسماؤنا |
أن يرشَّ الجمالُ على دمنا بعض سُكَّرِه المرِّ |
أن يسكنَ الله أعينَنا |
ويُعدَّ لها موكباً ضائعاً في ترابِ البلادِ التي طوقتها سلالٌ من الأقحوانِ |
هذه لحظة لا تمتَّ إلى نارِنا بِصِلة |
هذه لحظةٌ سكنتْ كوخَها رعشةُ الزلزلة |
وأنا أستطيع البقاءَ وحيدا هنا، أتألمُ من غدر هذا الزمانِ |
ولكنني لم أزل أرقبُ الماءَ ينزلُ كالزئبق الرحبِ حيا على لحمِ أكتافها العارية |
ألستُ أنا مالكَ الجسدِ المتوغلِ في حلقاتِ الدخانِ |
ألستُ أنا صانعَ الثديِ |
مِن وجدِ هذي العطور التي سُكبتْ في كؤوسٍ لنشربَها خمرةً، ونعتقَ أحزاننا في الدنانِ |
غريبٌ هو الحبُّ |
يا أيها الحبُّ بدِّلْ سماءَكْ |
ولا تسقِ إلا الذين يريدون أن يسفكوا في الدروبِ دماءَكْ |
ولا تتعلمْ سوى لغةِ الشرِّ |
لا تحترمنا، فنحن الذين كسرنا حياءَكْ |
وكنا نفتشُ عن شارعٍ في بلادٍ تملكها الخوفُ |
حتى نسميَه قصرَنا المتألقَ بالشعرِ |
شارعَ ليموننا |
ونطيبَه بالبكاءِ الذي يُنعشُ الرئتينْ |
وكانتْ دروبُ المدينةِ ترفضنا |
وتلاحقنا |
وتقول لنا: |
"أقبِلوا كي نعلمَ أبناءَنا ما دأبتم على رسمهِ فوق ظَهر الرسائلْ |
سنذبحُ من أجلكم كلَّ أحلامنا |
وسنشربُ نخبَ احتضار الأيائلْ" |
أنحرقُ أيامَنا في عيونٍ يغادرها الدمعُ حتى يعودَ إليها النبيذْ؟ |
أهذا هو العشقُ يا وطن العشقِِ |
يا زهرةً من رخامٍ مشانقُها من جدائلْ؟ |
-2- |
كأنَّ الصباحَ هناكَ له نكهة القهوةِ العربية |
كأن الهدوءَ له صرخة الثلجِ |
لا ثلجَ يسطعُ إلا إذا انتحرَ الصخرُ، تحتَ الرياحِِ الزكية |
وكانت تفاصيلُنا أن تزيدَ البحارُ اللذيذةُ مِن شبقٍ لا نريدُ له أن يطولَ، سوى لحظةٍ أبدية |
والتقينا بآلامنا قبل أفراحنا |
هذه الأرضُ لا فرْحَ فيها |
ولا يظهرُ الضحكُ المستحيلُ المؤقتُ إلا ليتبعَه الدمعُ |
سوفُ أقصُّ عليكم أقاصيصَ عن جثةٍ أكلت لحم أبنائِها |
فهل تسمعونْ؟ |
هناكَ دفنا قصائدنا والهوى والشجونْ |
هناك أتى صوبَنا الشوقُ، فاغتاله الربُّ يوماً بسكينةٍ صدئة |
وفي هذه الرحلةِ احترقَ النورُ، كنا نريد له أن يكونَ نهايتَنا |
فأخذنا نذرُّ الرمادَ على أهلنا كي نعيدَ لهم كلماتِ الكتاب المقدسْ |
وماتتْ جداولُنا بالتعاسةِ والإكتئابْ |
ولكننا لن نموتَ |
فهل يعرفُ الناسُ أنا نعيدُ لأرواحنا الحزنَ حتى يطولَ بنا العمرُ، دون حسابْ |
هزَمْنا الذين تمنوا لنا أن نعيش بحبِّ |
وقلنا لهم "لا تكونوا مرايا، ولا تطلبوا من دمانا المزيدا |
ولا تحذفوا الليل من عمرنا" |
فاكتسبنا من النار فجرا جديدا |
أضاءَ لنا عندما هرب القلبُ من شفتينا، وغابْ |
رجونا جلالته (بانكسار الجيوش العظيمةِ) ألا يعودا |
أيرجعُ ومضُ الظلامِ، وصوتُ السرابْ؟ |
-3- |
أعودُ إلى الحبِّ |
كانت لنا قصةٌ ليسَ يشبهُها في الحياةِ سوى الموتُ |
كنا نعدُّ على عجلٍ خبزَنا في لهيبٍ من القبلِ السَّاخنة |
وكنا نطيل العتابَ، ونسألُ أنفسنا من نكونُ |
وكانت لنا لهفةٌ |
وعلى وقع آلامِنا كان ينمو الحنينُ |
وما زال يأخذنا في ابتسامِ فضاءاتِه |
ويكتبُنا كالقصائدِ تحتَ المطر... |
كي يذوبَ السكونُ |
أنا الآن أحفظ ُ عن ظهر قلبٍ روائحَ زنبقِهِ |
وأعدُّ له في الصباح حليبَ السنونو |
وأسكبُه طازجاً فوق قلبي، لأنهلَ منْ غيمهِ قصةً نسيتها العيونُ |
-4- |
فهلْ يعرف الناسُ أني سرقتُ الشقائقَ من حقلها |
وأطلتْ المكوثَ هناكَ |
لكي أتعلم كيف يكون الفناءُ جميلا إذا كان من أجلْ هذا الجسدْ؟ |
وأني عطشتُ من الموتِ من أجل ألهةِ الإنسيابِ |
وأبحرت في أمنياتِ الزَبَدْ |
ولكنها لا تريد سوى أن أبدل من أجلها الدينَ والمعتقدْ |
فماذا تبقى؟ |
إذا كنت أعبد أثداءَها |
وأصلي لأجل العيون التي أخذتني إلى الوثنية بعد انقضاءِ الأبدْ |
وهل يعرفُ الناسُ أني سرقتُ الرياحينَ من حقلها |
وتركتُ لها قبلةً |
وقلتُ لها بخشوعِ أنا لا أحدْ؟ |
أنا لا أحدْ |
* |
كاليفورنيا - 11 آب 2005 |