أرشيف الشعر العربي

يا أيها الحبُّ بدِّلْ سماءَكْ

يا أيها الحبُّ بدِّلْ سماءَكْ

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

-1-

آلهةٌ لملمتْ فجرَها واستباحتْ كياني

لها منطقُ الروح، قيثارة الأمسِ، زقزقةُ الأرجوانِ

لها صمتُ أروقةِ الشمسِ

في يدها يكبرُ الماءُ، حتى يصيرَ فراشاً

ومن إبطها يبدأ الراقصون برسمِ عبير المكانِ

هو الحبُّ أن ننثرَ الدمعَ فوق التسابيحِ

أن نستعيدَ الرحيلَ إذا أقبلتْ في المساءِ المخضبِ بالحزنِ أسماؤنا

أن يرشَّ الجمالُ على دمنا بعض سُكَّرِه المرِّ

أن يسكنَ الله أعينَنا

ويُعدَّ لها موكباً ضائعاً في ترابِ البلادِ التي طوقتها سلالٌ من الأقحوانِ

هذه لحظة لا تمتَّ إلى نارِنا بِصِلة

هذه لحظةٌ سكنتْ كوخَها رعشةُ الزلزلة

وأنا أستطيع البقاءَ وحيدا هنا، أتألمُ من غدر هذا الزمانِ

ولكنني لم أزل أرقبُ الماءَ ينزلُ كالزئبق الرحبِ حيا على لحمِ أكتافها العارية

ألستُ أنا مالكَ الجسدِ المتوغلِ في حلقاتِ الدخانِ

ألستُ أنا صانعَ الثديِ

مِن وجدِ هذي العطور التي سُكبتْ في كؤوسٍ لنشربَها خمرةً، ونعتقَ أحزاننا في الدنانِ

غريبٌ هو الحبُّ

يا أيها الحبُّ بدِّلْ سماءَكْ

ولا تسقِ إلا الذين يريدون أن يسفكوا في الدروبِ دماءَكْ

ولا تتعلمْ سوى لغةِ الشرِّ

لا تحترمنا، فنحن الذين كسرنا حياءَكْ

وكنا نفتشُ عن شارعٍ في بلادٍ تملكها الخوفُ

حتى نسميَه قصرَنا المتألقَ بالشعرِ

شارعَ ليموننا

ونطيبَه بالبكاءِ الذي يُنعشُ الرئتينْ

وكانتْ دروبُ المدينةِ ترفضنا

وتلاحقنا

وتقول لنا:

"أقبِلوا كي نعلمَ أبناءَنا ما دأبتم على رسمهِ فوق ظَهر الرسائلْ

سنذبحُ من أجلكم كلَّ أحلامنا

وسنشربُ نخبَ احتضار الأيائلْ"

أنحرقُ أيامَنا في عيونٍ يغادرها الدمعُ حتى يعودَ إليها النبيذْ؟

أهذا هو العشقُ يا وطن العشقِِ

يا زهرةً من رخامٍ مشانقُها من جدائلْ؟

-2-

كأنَّ الصباحَ هناكَ له نكهة القهوةِ العربية

كأن الهدوءَ له صرخة الثلجِ

لا ثلجَ يسطعُ إلا إذا انتحرَ الصخرُ، تحتَ الرياحِِ الزكية

وكانت تفاصيلُنا أن تزيدَ البحارُ اللذيذةُ مِن شبقٍ لا نريدُ له أن يطولَ، سوى لحظةٍ أبدية

والتقينا بآلامنا قبل أفراحنا

هذه الأرضُ لا فرْحَ فيها

ولا يظهرُ الضحكُ المستحيلُ المؤقتُ إلا ليتبعَه الدمعُ

سوفُ أقصُّ عليكم أقاصيصَ عن جثةٍ أكلت لحم أبنائِها

فهل تسمعونْ؟

هناكَ دفنا قصائدنا والهوى والشجونْ

هناك أتى صوبَنا الشوقُ، فاغتاله الربُّ يوماً بسكينةٍ صدئة

وفي هذه الرحلةِ احترقَ النورُ، كنا نريد له أن يكونَ نهايتَنا

فأخذنا نذرُّ الرمادَ على أهلنا كي نعيدَ لهم كلماتِ الكتاب المقدسْ

وماتتْ جداولُنا بالتعاسةِ والإكتئابْ

ولكننا لن نموتَ

فهل يعرفُ الناسُ أنا نعيدُ لأرواحنا الحزنَ حتى يطولَ بنا العمرُ، دون حسابْ

هزَمْنا الذين تمنوا لنا أن نعيش بحبِّ

وقلنا لهم "لا تكونوا مرايا، ولا تطلبوا من دمانا المزيدا

ولا تحذفوا الليل من عمرنا"

فاكتسبنا من النار فجرا جديدا

أضاءَ لنا عندما هرب القلبُ من شفتينا، وغابْ

رجونا جلالته (بانكسار الجيوش العظيمةِ) ألا يعودا

أيرجعُ ومضُ الظلامِ، وصوتُ السرابْ؟

-3-

أعودُ إلى الحبِّ

كانت لنا قصةٌ ليسَ يشبهُها في الحياةِ سوى الموتُ

كنا نعدُّ على عجلٍ خبزَنا في لهيبٍ من القبلِ السَّاخنة

وكنا نطيل العتابَ، ونسألُ أنفسنا من نكونُ

وكانت لنا لهفةٌ

وعلى وقع آلامِنا كان ينمو الحنينُ

وما زال يأخذنا في ابتسامِ فضاءاتِه

ويكتبُنا كالقصائدِ تحتَ المطر...

كي يذوبَ السكونُ

أنا الآن أحفظ ُ عن ظهر قلبٍ روائحَ زنبقِهِ

وأعدُّ له في الصباح حليبَ السنونو

وأسكبُه طازجاً فوق قلبي، لأنهلَ منْ غيمهِ قصةً نسيتها العيونُ

-4-

فهلْ يعرف الناسُ أني سرقتُ الشقائقَ من حقلها

وأطلتْ المكوثَ هناكَ

لكي أتعلم كيف يكون الفناءُ جميلا إذا كان من أجلْ هذا الجسدْ؟

وأني عطشتُ من الموتِ من أجل ألهةِ الإنسيابِ

وأبحرت في أمنياتِ الزَبَدْ

ولكنها لا تريد سوى أن أبدل من أجلها الدينَ والمعتقدْ

فماذا تبقى؟

إذا كنت أعبد أثداءَها

وأصلي لأجل العيون التي أخذتني إلى الوثنية بعد انقضاءِ الأبدْ

وهل يعرفُ الناسُ أني سرقتُ الرياحينَ من حقلها

وتركتُ لها قبلةً

وقلتُ لها بخشوعِ أنا لا أحدْ؟

أنا لا أحدْ

*

كاليفورنيا - 11 آب 2005

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (ناصر ثابت) .

تَمرُّد

أحبكِ، في كل أجوائِكِ الأنثويةِ

دموع الكلمات

ودَّعتُ وجهكِ....

سَيلٌ من الهمِّ


مشكاة أسفل ١