1-- |
سأمدّ شراييني |
ما بين مساءات العالم جسرا |
في العام التاسع والعشرينَ لميلادي.. |
سأحسُّ رمادَ الغيمِ يحطُّ على قلبي |
أكثر من أيامي الأخرى |
يتسربُ من بين خلايا صدري.. كالمعتادِ.. |
سأحاورُ أطياف الذكرى |
ولأنيَ طفلٌ لا يعرفُ لونَ البحرِ |
مللتُ من الكلماتِ المثقوبةِ... |
من احزاني اليومية |
من بردٍ يلسعني كل صباحٍ عند محطة بيلمونتْ( 1) |
ومللتُ من الأمل المشنوق ِ |
على جيد قطار يتوجه عند الظهر جنوباً... |
ومللتُ من الشعراءِ المخدوعين بأنفسهم... |
ومن الأشعار المبثوثة فوق مزابلنا |
مثلَ الثلاجات المعطوبةِ |
مثل ترابٍ ليس له في الخصب نصيبْ |
ومللتُ من الحب المذبوحِ |
ومن شجرٍ لا يثمرُ إلا الحسرةَ |
من كلِّ نساء المعمورةِ |
من نفسي |
من آلام الروح ِ |
من الركضِ على بندول الساعة كالملدوغ مساءً |
حتى أشربَ قبل حلول ِ العتمة كأسَ نبيذٍ |
أو أتسلى برواياتِ الرائع "حنا مينا" |
مِن كل تفاصيل هزائمنا |
من ماضينا |
ونعاسي قبل الوقت المرجوِّ |
وميليَ للأرداف المملوءةِ بالهرموناتِ النسوية... |
للأجسادِ المطليةِ بالسكر والنعناعْ |
أو للأفكار المَيْتَةِ |
للأحلام وللإقذاعْ |
ومن الإصغاءِ الى الأخبارِ |
منَ التلفاز الأبله والحاسوب الفاجرِ والمذياعْ |
لم تعدِ القبلُ العطرية تلمسُ قلبي.. |
لم تعدِ الأوضاع الجنسية تأخذني للمجد ولا للشهرة |
لم تتطور لغتي منذ سنينْ |
لم أقترب الآن من الصوفية |
أو من عشق ذوي التاريخ الأبيض |
أو من ذاكرة الزيتونْ |
يا أمواج البحر الحبلى بدموع الأفق المحزون |
دمعكُ أصعبُ أسئلة الإنسانْ |
لكن الزبدَ المقتولَ على الشطآن |
يُشعرني بالملل الجارف حتى من أنسام الصبحِ |
ومن لعنة أيام حزيرانْ |
وحرارة تموز |
من ضحكات الشمس |
إذا عاتبها الشعرُ |
كأن رياحَ بحيرةِ "تاهو"( 2) |
تعرف وجهي... |
تسمعُ صوتي.. |
تحكي للجبل الجالس فوق الشرفات العليا |
أن صغار طيور الرمان ستأتي... |
تعرفُ أني |
حين رأيتُ العمر يغذُّ الخطوَ إلى المجهولِ |
مللتُ من الإصغاءِ إلى من ينعتني بالكفرِ |
ومن نار الإبقاء على قلبي حيا في جوفي.. |
من تلك الرعشة حين يحط على كتفيَّ غرابُ الخوفِ |
من إيقاعاتِ الشعر العربيةِ... |
من بعض خياناتِ الريحانْ |
من شارع رالستون(3 ) |
ذاك المجنون المملوء بأحلى الغزلان... |
بالكاد تطل بيوتُ مدينتيَ الفتانةِ من خضرته |
بالكاد يغادرهُ النهر الهادرُ |
حتى يدخلَه نهرٌ آخر.. |
أمشي فيه سريعا |
أبحثُ عن نفسي بين جوانبهِ |
أبحث عن عامي التاسع والعشرينْ |
عن ذكري ميلاديَ |
حينَ مللتُ من البحثِ عن الأسئلة العظمى |
ومللتُ من الإحسان إلى أهل العهرِ |
ومن شتم ذوي الأفكار الرجعية |
من لثم أصابع أقدام النسوة بالعينينْ |
أو ألمٍ يسكنُ رأسيَ دون بوادر أن يتركني |
إلا في العام التاسعِ بعد المئة الأولى |
من ليلٍ يرقصُ في الغرفة مقتولا... |
-2- |
كلّ فنادق بلدةِ كارسون( 4) |
تحملُ صبغة أصحابِ الأرض الأصليينَ |
ونيفادا( 5) |
خرجتْ عند حلول العتمة |
كي تأخذني بالأحضانْ... |
لم ألحظ في البلدة |
– مثل الشائع في أفلام الكاوبوي - |
أيَّ حصانْ |
وهناك... قريباً... بين جبالٍ لا يرهقها الصخرُ الشاهق |
ترقدُ تاهو |
بين الأفخاذ... |
وتسقي في الصحراءِ جبالا أوتادا |
يا نيفادا |
يا وطن الهنديِّ الأحمرِ |
هذا سروُك يستر عريَ الثلجِ |
ويستر تاريخا دمويا |
يمنحني ضجرا وغبارْ |
يُسمِعُني حين أمرُّ بلا عينين حكايا النارْ |
كي لا أتذكرَ أجداديْ... |
-3- |
في العام التاسع والعشرين لميلاديْ... |
لا أعرفُ كيف أعود إلى رام الله |
كان الدربُ طويلاً جداً |
كان الله يرشُّ على أنفاسيَ وردا |
فدخلتُ متاهاتِ الأرض الفرعونية |
وضربت البحرَ لأفتح فيه طريقا |
وعبرتُ إلى المجهولِ الآخر مشنوقا |
وجمعتُ من الشاطىء بعضَ الأصدافْ |
يا قصةَ ذاك الوطن اشتقتُ إليكِ |
وإلى الأصحابِ المجهولينْ |
وحبيباتِ القلبِ المجهولاتْ |
وإلى الشهداءِ المسكونينَ |
بآلهة الصمتِ |
هل جاءت لحظة موتي؟ |
إني الآن أحسُّ بأني أكتب |
آخرَ ما أملكُ من كلماتْ |
إن الزمن المثقلَ بالآمال الحلوة يأتي |
بعد دخوليَ في أقبيةِ الظلماتْ |
إن الزمنَ الرائعَ آتْ... |
* |
كاليفورنيا - 18 تموز 2005 |
* |
( 1) بلدة صغيرة في ولاية كاليفورنيا تقع جنوب سان فرانسيسكو. |
(2) بحيرة شهيرة تقعُ بين الجبال الشاهقة، جزءٌ منها في كاليفورنيا والباقي في نيفادا. |
(3) الشارع الرئيسي في بلدة بيلمونت، إحدى بلدات كاليفورنيا، تقع الى الجنوب من مدينة سان فرانسيسكو. |
(4) بلدة صغيرة في ولاية نيفادا، هي عاصمتها. |
(5) ولاية محاذية لكاليفورنا على طول حدودها الشرقية. |