أرشيف الشعر العربي

في درب الضباب

في درب الضباب

مدة قراءة القصيدة : دقيقتان .

عِندَمَا تذوي شعَاعَاتُ المَغيبْ

ثمَّ تسوَدُّ وُرُودُ الشفق ِ

في مروجِ الغَسَقِ

يَنشرُ الليلُ سُكونَهْ

وعيونَهْ

وَيَنامُ الناسُ كلُّ الناسِ فِي حِضنِ المَدينَهْ

غيرَ إنسَانٍ غريبْ

سَاهِمِ الطرْفِ كئيبْ

شاردِ اللبِّ، وفي واحة كفَّيهِ يُقيمْ

دفترُ الشعرِ الحبيبْ

فتحَ الشبَّاكَ لليلِ البَهيمْ

ثمَّ ألقى جسْمَهُ المَهْمُومَ فِي مقعَدِهِ

فوْقَ كرْسِيٍ مِنَ القشِّ قديمْ

واضعاً دفتره من يدهِ

ناظراً نحوَ النجومْ

رَأسُهُ فِي رَاحَتيهِ

وَسَحَابَاتُ دُخانٍ صَعَدَتْ مِنْ شفتيهِ

مَدَّ عَينيهِ إلى الأفقِ الرَّحيبْ

وَيْحَهُ..! مَاذا يَرَى عَبْرَ الظلامْ..؟

كلَّمَا حَدَّقَ هَامْ

وَمَشَى الهَمُّ إليهِ..

وَسَرَى فِي مُقلتيهِ..

مَوْكِبُ الحُزْنِ الرَّهيبْ

ليْسَ فِي صَمْتِ الدُّجَى صَوْتُ نشيدْ

من قريبٍ أو بعيدْ

وَهوَ يُصْغِي لِتَراتيلَ حَزينَهْ

ذِكرَياتٍ ردَّدَتها النَّفسُ كانَتْ في دَياجيها دَفينَهْ

شاردَ الأفكار والعينين في الأفق المديدْ

هَذِهِ غرْفتهُ تحْتضِنُ الصَّمْتَ الكئيبْ

وَسَريراً غاصَ فِي الرُّكنِ القريبْ

بادياً مختفياً خلفَ الستائرْ

وَقصَاصَاتِ كتابْ

خَطَّهُ قبلَ سُوَيْعَاتٍ وَأَعْقابَ سَجَائِرْ

وَذبَابَاتٍ غفتْ فوْقَ شريطِ الكهْربَاءْ

قبْلَ أنْ يُزعِجَهَا صَمْتُ المَسَاءْ

قبلَ أنْ يُدْركهَا حُزْنُ المَسَاءْ

أيُّها السَّاهِرُ وَالناسُ نيامْ

حَرَمَ النوْمَ فؤاداً وعيونْ

وَهُمُ فِي دَعَةٍ مُستسلِمُونْ

لِلرُّؤى تحْمِلُ آمَالَ الحَيَاةْ

أيُّها الشَّاربُ ماءَ العَبَراتْ

وتباريحَ السَّقامْ

في لياليهِ بأكوابِ المُدامْ

أيُّها السَّائرُ فِي دَرْبِ الضَّبَابْ

أيُّها الشَّاعِرُ لِمْ هذا العَذابْ..؟

إن في الدنيا زلالاً وفُراتْ..!

عِندَما ترقصُ أشْبَاحُ الظلامْ

لفؤادِ المُستهامْ

عندما تَلبسُ حورُ اللَّيلِ أَثوابَ الحِدادْ

وَجلابيبَ السّوادْ

وتحومْ

فَوقَ كُثبانِ الرَّمادْ

وحُصَيّاتِ النُّجومْ

ثمَّ يَمْضِي البَدْرُ، يَعْدو خلفَ قطعانِ الغمَامْ

بَعْدَ أنْ لمْلمَ مِنْ كُلِّ الشَّبابيكِ شُعَاعَهْ

يَنشُرُ الليلُ شراعَهْ

فوقَ أمواجِ السكينَهْ

وَيَنامُ الناسُ كلُّ الناسِ فِي حضنِ المدينَهْ

غيْرَ إنسَانٍ غريبْ

ساهِمِ الطرْفِ كئيبْ

مدَّ عينيهِ إلى الأفْقِ الرَّحيبْ

كلمَا حدَّقَ هَامْ

وَمَشَى الهَمُّ إليْهِ

عبرَ أسدافِ الظلامْ

وَسَرَى فِي مُقلتيهِ

مَوكِبُ الحُزْنِ الرَّهيبْ

.

1964

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (محمد موفق وهبه) .

من طينة أخرى

ضياع

النجوى الثالثة

روح الهوى

تحدثه نفسه


ساهم - قرآن ٣