التجارب
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
شكا بؤس ماضيهِ الحفيل الجوانب | بكل مصائب فادح العبء صائب ! |
وضاق به صدرا على طول صحبة | تمل ، ويا بئس الأسى من مصاحبِ ! |
وود لو ان الدهر يعفيه برهة | من الغابر المملول جم النوائب ! |
فأصغت له الأقدار في أمنياتهِ | على أنها لم تصغِ يوماً لطالبِ ! |
وأعفته من ماضيه حتى كأنه | وليد خلي القلب من كل نائبِ ! |
*** | |
نضا عنه أعباء السنين الغواربِ | ونحّى عن الآمال قيد التجارب |
وعاد طليقاً لا يعوّق خطوهُ | مراس ، ولا يثنيهِ خوف العواقبِ |
وخفّض صوت الذكريات أو امّحى | وجلجل كالناقوس صوت الرغائب |
وآض وليد اليوم في ميعة الصبا | جديداً بدنياهُ ، جديد المطالبِ |
بعيدا عن الماضي الذي آده الأسى | وحفّت به الأحداث من كل جانب ! |
*** | |
ولكنه ألفاه أسوان موحشاً | كما أفرد الأنسيّ من كل صاحبِ ! |
وألفاه في هذي الحياة كأنهُ | غريب عرا ، في عالم من غرائب |
وألفاه مقصوص الجناح إذا هفا | إلى الأوج لم يسعفهُ عزم المغالب (1) |
وإن همّ لم يبصر له من ركيزة | تضاعف عند الوثب جهد المواثب (2) |
وقد أبصر الآمال عرجاء لم تجد | لها سند من ذكريات ذواهبِ (3) |
فعاد إلى الأقدار يشكو صنيعها | ويوسعها في شكوه عتب عاتبِ |
أما يستطيع الدهر – لو شاء نصفة | له – عوضاً عن غابر منه خائب |
بماضٍ سعيدِ لم يشب صفوه الأسى ! | فيحيا على ركنين : آت وذاهبِ ! |
*** | |
فأصغت له الأقدار في أمنياته | على أنها لم تصغ يوما لطالبِ ! |
وأعطتهُ أنقى صفحة في كتابها | لأسعد مخلوق وأهنأ راغبِ ! |
ولكنه ألفاه لم يغد مالكاً | لما منحتهُ من عزيز المواهبِ |
وألفاه لم يكشف خبيئة نفسهِ | لذيالك الماضي الذي لم يصاحبِ ! |
وأبصر بالآمال حيرى كأنما | تساءل عن داع لها جد دائبِ ! |
دعاها فلما أقبلت في سمائها | رأت غيرهُ في غفلةِ غير راقب (4) |
وما الأمل " البسّام " إلا رغيبة | لنفس ترى من دهرها وجه " غاضبِ " |
*** | |
فعاد إلى الأقدار يطلب عونها | على رجع ماضيهِ بحسرة تائب! |
أجل عاد ملهوفاً لمرّ التجارب | وأيامهُ الأولى الظماء السواغبِ |
أجل ذلك الماضي الذي هو بضعة | من النفس دسّت في الحشا والترائبِ |
*** | |
فأصغت له الأقدار في أمنياته | على أنها لم تصغ يوما لطالبِ ! |
وعاد إلى دنياه من بعد غربة | وألقت عصاها واستقرّت بآيبِ |
_______________ | |
(1)يزيد في القوة أن يشعر الانسان أنه يغالب ، فإذا لم يجد ما يغالبه لم يكن هناك ما يثير عزيمته | |
(2)"محور الارتكاز " يساعد " القوة "في عالم المادة وهو هنا الماضي الذي يتكئ عليه | |
(3)الآمال والذكريات ركنا الحاضر ، فإذا ذهبت الذكريات بقيت الآمال عرجاء | |
(4)دعاها الماضي الشقي واقبلت فوجدت الماضي السعيد غبر ملتفت لها | |
* | |
1934 |