خبيئةُ نفسي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
خبيئة نفسي قد غفا الكون فاسفري | وكوني سميري ، بعد أن نام سًمّري ! |
سها الدهرُ والأقدار رنّقها الكرى | وهوّم في جوف الدجى روح خيّر ! |
يُطيفُ على العانين بالعطف والرضا | ويعمر بالإغفـاء رأس المفكّر |
وينتظمُ الدنيا هدوءاً كأنها | عوالم في وادي المنى لم تصوّر |
فلا صوت إلا خفقة من جوانحٍ | كما خفقت للضـوء عين المصور |
ولم يبق من تلك الحياة وأهلها | سوى طيفها الساري بوادي التذكّر |
*** | |
خبيئة نفسي من عهود سحيقة | ومن جوف آباد مضت قبل مولدي ! |
أحسك في أغوار نفسي ولا أرى | محيّاك إلا كالخيال المشـرّد ! |
علمتك حتى أنت منّيَ بُضعةٌ | جهلتكِ حتى أنت في غير مشهدِ ! |
ويا طالما أخلفتِ لي كل موعـد | ويا طالما ألقاك في غير موعدِ ! |
عجبتُ فكم من نفرةٍ تنفرينها | على فرط ما تبدينهُ من تودد ! |
حديثك من نفسي قريبٌ، وإنمـا | أخالك في واد من التيه سرمد |
*** | |
خبيئة نفسي ، ما ترى أنتِ ؟ إنني | أريدك في جو من الضــوء معلم |
أ عنصرك الإيمان والطهر أصلهُ ؟ | وإلا إلى الكفران والرجس منتمِ ؟ |
وفي أي وادٍ أنت تسرين خلسة ؟ | ومن أي عهد في الجهالات مبهم ؟ |
وكم فيك من نصر ؟ وكم من هزيمة ؟ | تجاورتا في حشدك المتزحّم ؟ |
وكم فيك من يأس ؟ وكم فيك مأملٌ ؟ | وكم من تردّ ، أو وثوب تقحّمِ |
وكم فيك من حب ، وكم فيك بغضـة ؟ | ومن رشد إلهـام إلى خبط مظلم ! |
*** | |
خبيئة نفسي في ثناياكِ معرضٌ | لما لقيَتهُ الأرض في الجولان |
وفيك من الآباد سر وروعةٌ | وفيكِ صراعات بكل زمان |
وفيك التقى الإنسان من عهد خلقهِ | وفيك التقى الروحيّ والحيواني ! |
وأنكِ طّلسم الحياة جميعها | وصورتها الصغرى بكل مكان (1) |
أبيني إذن عن ذلك العالم الذي | تضمنتهِ من صورة ومعـاني |
أبيني أطالع في ثناياك ما مضى | وما هو آت من رؤى وأمان ! |
______ | |
(1)منظور في هذا البيت لقول العقاد | |
تماثيل مصر أنت صورتها الصغرى | |
وطلسمها الواقي وآيتها الكبرى ! | |
* | |
1934 |