نَأَت دارُ سَلمى فَشَطَّ المَزارُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نَأَت دارُ سَلمى فَشَطَّ المَزارُ | فَعَينايَ ما تَطعَمانِ الكَرى |
وَمَرَّ بِفُرقَتِها بارِحٌ | فَصَدَّقَ ذاكَ غُرابُ النَوى |
فَأَضحَت بِبَغدانَ في مَنزِلٍ | لَهُ شُرُفاتٌ دُوَينَ السَما |
وَجَيشٌ وَرابِطَةٌ عِندَهُ | غِلاظُ الرِقابِ كَأُسدِ الشَرى |
بِأَيديهِمُ مُحدَثاتُ الصِقالِ | سُرَيجِيَّةٌ يَختَلِبنَ الطُلى |
وَمِن دونِها بَلَدٌ نازِحٌ | يُجيبُ بِهِ البومُ رَجعَ الصَدا |
وَمِن مَنهَلٍ آجِنٍ ماؤُهُ | سُدىً لا يُعاذُ بِهِ قَد طَمى |
يَبيتُ الذِئابُ تَعاوى بِهِ | وَيُصبِحنَ في مَهَواتِ المَلا |
وَكَم دونَ بَيتِكَ مِن مَهمَهٍ | وَمِن أَسَدٍ جاحِرٍ في مَكى |
وَمِن حَنَشٍ لا يُجيبُ الرُقا | ةَ أَسمَرَ ذي حُمَةٍ كَالرَشا |
أَصَمَّ صَموتٍ طَويلِ السُبا | تِ مُنهَرِتِ الشِدِقِ عاري القَرا |
لَهُ في اليَبيسِ نُفاثٌ يَطيرُ | عَلى جانِبَيهِ كَجَمرِ الغَضا |
وَعَينانِ حُمرٌ مَآقيهِا | نَبِصّانِ في هامَةٍ كَالرَحا |
إِذا ما تَثاءَبَ أَبدى لَهُ | مُذَرَّبَةً عُصُلاً كَالمُدى |
كَأَنَّ حَفيفَ الرَحى جَرسُهُ | إِذا اِصطَكَّ أَثناؤُهُ وَاِنطَوى |
وَلَو عَضَّ حَفَي صَفاةٍ إِذاً | لَأَنشَبَ أَنيابَهُ في الصَفا |
كَأَنَّ مَزاحِفَهُ أَنسُعٌ | خُرِزنَ فُرادى وَمِنها ثُنا |
وَقَد شاقَني نَوحُ قُمرِيَّةٍ | طَروبِ العَشِيِّ هَتوفِ الضُحى |
مِنَ الوُرقِ نَوّاحَةٍ باكَرَت | عَسيبَ أَشاءٍ بِذاتِ الغَصا |
فَغَنَّت عَلَيهِ بِلَحنٍ لَها | يُهيِّجُ لِلصَبِّ ما قَد مَضى |
مُطَوَّقَةٌ كَسِيَت زينَةً | بِدَعوَةِ نوحٍ لَها إِذ دَعا |
فَلَم أَرَ باكِيَةً مِثلَها | تُبكي وَدَمعَتُها لا تُرى |
أَضَلَّت فُرَيخاً فَطافَت لَهُ | وَقَد عَلِقَتهُ حِبالُ الرَدى |
فَلَما بَدا اليَأسُ مِنهُ بَكَت | عَلَيهِ وَماذا يَرُدُّ البُكا |
وَقَد صادَهُ ضَرِمٌ مُلحَمٌ | خَفوقُ الجَناحِ حَثيثُ النَجا |
حَديدُ المَخالِبِ عاري الوَظي | فِ ضارٍ مِنَ الزُرقِ فيهِ قَنا |
تَرى الوَحشَ وَالطَيرَ مِن خَوفِهِ | جَواحِرَ مِنهُ إِذا ما اِغتَدى |
فَباتَ عَذوباً عَلى مَرقَبٍ | بِشاهِقَةٍ صَعبَةِ المُرتَقى |
فَلَمّا أَضاءَ لَهُ صُبحَهُ | وَنَكَّبَ عَن مَنكِبَيهِ النَدى |
وَحَتَّ بِمِخَلَبِهِ قارِناً | عَلى خَطمِهِ مِن دِماءِ القَطا |
فَصَعَدَ في الجَوِّ ثُمَّ اِستَدارَ | فَطارَ حَشيشاً إِذا ما اِنصَمى |
فَأَبصَرَ سِربَ قَطاً قارِبٍ | جَبى مَنهَلٍ لَم تَمِحه الدِلا |
غَدَونَ بِأَسقِيَةٍ يَرتَوينَ | لِزُغبٍ مُطَرَّحَةٍ بِالفَلا |
يُبادِرنَ وِرداً فَلَم يَرعَوينَ | عَلى ما تَخَلَّفَ أَو ما وَنى |
تَذَكَّرنَ ذا عَرمَضٍ طامِياً | يَجولُ عَلى حافَتَيهِ الغُثا |
بِهِ رُفقَةٌ مِن قَطا وارِدٍ | وَأُخرى صَوادِرُ عَنهُ رِوا |
فَمَلَّأنَ أَسقِيَةً لَم تُشَدَّ | بِخَرزٍ وَقَد شُدَّ مِنها العُرى |
فَأَقعَصَ مِنهُنَّ كُدرِيَّةً | وَمَزَّقَ حَيزومَها وَالحَشا |
فَطارَ وَغادَرَ أَشلاءَها | تَطيرُ الجَنوبُ بِها وَالصَبا |
يَخَلنَ حَفيفَ جَناحَيهِ إِذ | تَدَلّى مِنَ الجَوِّ بِرقاً بَدا |
فَوَلَّينَ مُجتَهِداتِ النَجا | جَوافِلَ في طامِساتِ الصُوى |
فَاِبنَ عِطاشاً فَسَقَّينَهُنَّ | مُجاجاتِهِنَّ كَماءِ السَلا |
فَبِتنَ يُراطِنَّ رُقشَ الظُهو | رِ حُمرَ الحَواصِلِ صُفرَ اللُهى |
فَذاكَ وَقَد إِغتَدي في الصَباحِ | بِأَجرَدَ كَالسَيِّدِ عَبلِ الشَوى |
طَويلِ الذِراعَينِ ضامي الكُعو | بِ نابي الحَماتَينِ عاري النَسا |
لَهُ كَفَلٌ أَيِّدٌ مُشرِفٌ | وَأَعمِدَةٌ لا تَشَكّى الوَجى |
وَأُذنٌ مُوَلَّلَةٌ حَشرَةٌ | وَشِدقٌ رُحابٌ وَجَوفٌ هَوا |
وَلَحيانِ مُدّا إِلى مَنخَرٍ | رَحيبٍ وَفَرجٌ طُوالُ الخُطى |
لَهُ تِسعَةٌ طُلنَ مِن بَعدِ أَن | قَصُرنَ لَهُ بِسعَةٌ في الشَوى |
وَسَبعٌ عَرينَ وَسَبعٌ كُسينَ | وَخَمسٌ ظِماءٌ وَخَمسٌ رِوا |
وَتِسعٌ غِلاظٌ وَسَبعٌ رِقاقٌ | وَصَهوَةُ عَيرٍ وَمَتنٌ خَظا |
وَسَبعٌ قَرُبنَ وَسَبعٌ بَعُد | نَ مِنهُ فَما فيهِ عَيبٌ يُرى |
عَريضُ الثَماني حَديدُ الثَماني | شَديدُ الصِفاقِ شَديدُ المَطا |
وَفيهِ مِنَ الطَيرِ خَمسٌ فَمَن | رَأى فَرَساً مِثلَهُ يُقتَنى |
غُرابانِ فَوقَ قَطاةٍ لَهُ | وَنَسرٌ وَيَعسوبُهُ قَد بَدا |
كَأَنَّ بِمَنكِبِهِ إِن جَرى | جَناحاً يُقَلِّبُهُ في الهَوا |
مَصَرنا لَهُ مِن خَيارِ اللِقا | حِ خَمساً مَجاليجَ كَومَ الذُرى |
يُغادي بِعُضٍّ لَهُ دائِباً | وَنَسقيهِ مِن حَلَبٍ ما اِشتَهى |
وَيُؤثَرُ بِالزادِ دونَ العِيالِ | وَفي كُلِّ سَيرٍ بِهِ يُقتَفى |
فَقاظَ صَنيعاً فَلَمّا شَتا | أَخَذناهُ بِالقُربِ حَتّى اِنطوى |
فَهِجنا بِهِ عانَةً في الغُطاطِ | خِماصَ البُطونِ صِحاحَ العُجى |
يُثِرنَ الغُبارَ بِمَلثومَةٍ | وَيوقِدنَ بِالمَروِ نارَ الحَبا |
فَوَلَّينَ كَالبَرقِ في نَفرِهِنَّ | جَوافِلَ يَكسِرنَ صُمَّ الصَفا |
فَصَوَّبَهُ العَبدُ في إِثرِها | فَطَوراً يَغيبُ وَطَوراً يُرى |
فَجَدَّلَ خَمساً فَمِن مُقعَصٍ | وَشاصٍ كُراعاهُ دامي الكُلى |
وَثِنتانِ خُضخِضَ قُصبُهُما | وَثالِثَةٌ شُحِّطَت بِالدِما |
فَرُحنا بِصَيدٍ إِلى أَهلِنا | وَقَد جَلَّلَ الأَرضَ ثَوبُ الدُجى |
وَبِتنا نُقَسِّمُ أَعضاءَهُ | لِجارٍ وَيَأكُلُهُ مَن عَفا |
وَرُحنا بِهِ مِثلَ وَقفِ العَرو | سِ أَهيَفَ لا يَتَشَكّى الوَجى |
وَباتَ النِساءُ يَغَدّينَهُ | وَيَأكُلنَ مِن صَيدِهِ المُشتَوى |
وَقَد قَيَّدوهُ وَغَلّوا لَهُ | تَمايِمَ يُنفَثُ فيها الرُقى |