أرشيف الشعر العربي

صلاة الغائبة

صلاة الغائبة

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .

أضيفي غياباً لهذا الغيابِ‏

حضورِكِ أعمقُ من طعنةٍ لا تُرى‏

وعطرُ يديكِ كلامٌ‏

شفاهي بهِ امتلأَتْ بالنَّدى‏

ومابيننا أنَّنا صاعدانِ‏

على الدّفءِ حتّى الذُّرى‏

وأقدامُنا في الثَّرى‏

وأعماقُنا أَلِفَتْ أن تثورَ‏

وتمزجَ نبضاتِها بربيع المدى‏

لماذا تحوَّلَ صدرك هذا الصّباحَ‏

إلى شجرٍ نائم في الضَّبابِ؟‏

أضيفي غياباً لهذا الغيابِ‏

وذوبي قليلاً‏

تلاشَيْ سريعاً كبرقِ سحابِ‏

هو الشّعرُ يبعثُ فيَّ‏

حدائقَ من لهبٍ في أراجيحها أطلقَ القلبُ ماءً‏

وكم مَرَّ في جسدي الرّاحلونَ‏

يرشّون فوقي مواعيدهم‏

وتسهَرُ قهوتهم تحت خيمة هذا العذابِ‏

يحكّون أعناقهم بالرِّياحِ‏

لهمْ أنتمي ومعي يكبرونَ‏

ومن حِبر أشواقِهمْ كمْ سقيتُ كتابي‏

وها أنتِ ثانيةً تهبطينِ عن الفَرَسِ الشَّاعريَّةْ‏

تعيدين سيرَتُهمْ، هل بدأتِ تغنّينَ لحن الخرابِ؟‏

أضيفي غياباً لهذا الغيابِ‏

هنا جسدي معبَرٌ للفراغِ‏

أفتّح عيني فيصغرُ كونٌ‏

أطيِّر منّي حماماً‏

فيهدلُ ملءَ رحابي...‏

تدورين حول المداخل، هذي طريقي‏

فمَنْ شاءَ فليغتنمْ أنَّ حلميَ يصعَدُ‏

كلَّ غروبٍ وكلَّ شروقٍ مآذنَ شوقٍ‏

بها اغتسلَ الابتهالُ القصيُّ‏

ومدَّدَ أطيابَهُ في عروقي‏

وتلك نجومٌ تفاجئ صمتَ القبابِ‏

وخلفَ سياج الظَّلام قبورٌ‏

بوحشتها آنستني‏

عليها أمدّ فروعَ اغترابي‏

أنا مثقلٌ بالشّروخ‏

وفي جسدي جسدٌ يتصدَّعُ من خشية الشَّوقِ والاكتئابِ...‏

وأنتِ... أضيفي غياباً لهذا الغيابِ‏

عطُورِكِ تمشي على أرضِ حسِّي فتُحيي ظلالي‏

وفي لحظةٍ من جحيمٍ أداريهِ تحتَ ثيابي،‏

تمرّين أقربَ من دمعةٍ جوفَ عيني‏

ولكنّ خطوكِ يزدادُ نأياً‏

فأوقظُ بين دمائي سعيراً‏

وأقذفُ خلفَ خرافِ الصّفاءِ ذئابي...‏

هو الحبُّ غاليتي قَبَسٌ من جنون‏

نوافذُ من ياسمين‏

نداءُ إلهٍ، فحيحُ شياطينَ بين الخلايا‏

منارٌ، ظلامٌ، بذارٌ، غمامٌ‏

ترابٌ يسافر نحو السَّماءِ‏

سماءٌ تصلّي وتُلصقُ جبهتَها بالتّرابِ...‏

هو الحبّ أن يأكل القلبُ خبزَ الخطايا‏

ويُسْقى من الطّيّبات رحيقاً‏

هو الحبّ قبَّعَهُ الاختفاءِ‏

إذا ما أضَعْنا الطَّريقا‏

هو الحبُّ يحشدُ في العينِ أفْقاً جليَّاً‏

ويحفرُ في الرّوحِ عِرقاً فعرقاً‏

إلى أن يفتّتَ منَّا العروقا‏

هو الحبّ: ننتظرُ الشَّيءَ، حتَّى إذا كادَ أن يقتربْ‏

أعادتْهُ ساحرةُ اللَّيلِ للأفُقِ المتحجِبْ‏

هو الحبّ أن نغتربْ‏

وأن نُجلِسَ العمرَ في حِضنِنا الملتهبْ.‏

ونفرطهُ حبّةً حبّةً مثل ليلٍ من الكستناءِ‏

هو الحبّ ألاَّ نطيلَ الوقوفَ على شرفاتِ الغناءِ‏

فلابدَّ في آخر اللَّيلِ أن ننتحبْ‏

هو، الحبُّ،، مَدٌّ من الماءِ يدخلُ في ملكوتِ الشَّواطئ‏

كي ينسحبْ...‏

... ... ...‏

أأكْسرُ قنديلَ هذي القصيدَهْ‏

وأنثايَ قصَّتْ ضفائرَها واستحمَّتْ بماءِ الخميسِ‏

وناولتُها ثوبها القمريَّ‏

وزيّنتُ قامتها بنجومٍ من القُبلاتِ‏

وعبّأتُ ممّا يسيلُ على ظهرها قدحاً من ندى‏

وخاصرُتها فاستوى بيننا اللَّيلُ قيثارةً صعَدَتْ في المدى‏

ووشوشتُ في أذنيها:‏

هو اللّيلُ ألْيَنُ من ذهبٍ ينصهرْ‏

وينصبُّ في مقلتيَّ سماءَ سَهَرْ‏

ويترُكني بانتظارِ خروجِ الكواكب من قدميكِ‏

... ... ...‏

هو الشِّعرُ يجمعني تارةً فوق صمت الحَجَرْ‏

وأُخرى على دربكِ اللؤلؤيَّةْ‏

لأسألَ عن غابةٍ أنتِ فيها وحيدَهْ‏

أقبّلُ فيكِ الوجودَ وأدخلُ من كلِّ بابِ‏

وأنفضُ عنكِ رماد الغيابِ...‏

__________

21/ نيسان /1995‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


فهرس موضوعات القرآن