أضيفي غياباً لهذا الغيابِ |
حضورِكِ أعمقُ من طعنةٍ لا تُرى |
وعطرُ يديكِ كلامٌ |
شفاهي بهِ امتلأَتْ بالنَّدى |
ومابيننا أنَّنا صاعدانِ |
على الدّفءِ حتّى الذُّرى |
وأقدامُنا في الثَّرى |
وأعماقُنا أَلِفَتْ أن تثورَ |
وتمزجَ نبضاتِها بربيع المدى |
لماذا تحوَّلَ صدرك هذا الصّباحَ |
إلى شجرٍ نائم في الضَّبابِ؟ |
أضيفي غياباً لهذا الغيابِ |
وذوبي قليلاً |
تلاشَيْ سريعاً كبرقِ سحابِ |
هو الشّعرُ يبعثُ فيَّ |
حدائقَ من لهبٍ في أراجيحها أطلقَ القلبُ ماءً |
وكم مَرَّ في جسدي الرّاحلونَ |
يرشّون فوقي مواعيدهم |
وتسهَرُ قهوتهم تحت خيمة هذا العذابِ |
يحكّون أعناقهم بالرِّياحِ |
لهمْ أنتمي ومعي يكبرونَ |
ومن حِبر أشواقِهمْ كمْ سقيتُ كتابي |
وها أنتِ ثانيةً تهبطينِ عن الفَرَسِ الشَّاعريَّةْ |
تعيدين سيرَتُهمْ، هل بدأتِ تغنّينَ لحن الخرابِ؟ |
أضيفي غياباً لهذا الغيابِ |
هنا جسدي معبَرٌ للفراغِ |
أفتّح عيني فيصغرُ كونٌ |
أطيِّر منّي حماماً |
فيهدلُ ملءَ رحابي... |
تدورين حول المداخل، هذي طريقي |
فمَنْ شاءَ فليغتنمْ أنَّ حلميَ يصعَدُ |
كلَّ غروبٍ وكلَّ شروقٍ مآذنَ شوقٍ |
بها اغتسلَ الابتهالُ القصيُّ |
ومدَّدَ أطيابَهُ في عروقي |
وتلك نجومٌ تفاجئ صمتَ القبابِ |
وخلفَ سياج الظَّلام قبورٌ |
بوحشتها آنستني |
عليها أمدّ فروعَ اغترابي |
أنا مثقلٌ بالشّروخ |
وفي جسدي جسدٌ يتصدَّعُ من خشية الشَّوقِ والاكتئابِ... |
وأنتِ... أضيفي غياباً لهذا الغيابِ |
عطُورِكِ تمشي على أرضِ حسِّي فتُحيي ظلالي |
وفي لحظةٍ من جحيمٍ أداريهِ تحتَ ثيابي، |
تمرّين أقربَ من دمعةٍ جوفَ عيني |
ولكنّ خطوكِ يزدادُ نأياً |
فأوقظُ بين دمائي سعيراً |
وأقذفُ خلفَ خرافِ الصّفاءِ ذئابي... |
هو الحبُّ غاليتي قَبَسٌ من جنون |
نوافذُ من ياسمين |
نداءُ إلهٍ، فحيحُ شياطينَ بين الخلايا |
منارٌ، ظلامٌ، بذارٌ، غمامٌ |
ترابٌ يسافر نحو السَّماءِ |
سماءٌ تصلّي وتُلصقُ جبهتَها بالتّرابِ... |
هو الحبّ أن يأكل القلبُ خبزَ الخطايا |
ويُسْقى من الطّيّبات رحيقاً |
هو الحبّ قبَّعَهُ الاختفاءِ |
إذا ما أضَعْنا الطَّريقا |
هو الحبُّ يحشدُ في العينِ أفْقاً جليَّاً |
ويحفرُ في الرّوحِ عِرقاً فعرقاً |
إلى أن يفتّتَ منَّا العروقا |
هو الحبّ: ننتظرُ الشَّيءَ، حتَّى إذا كادَ أن يقتربْ |
أعادتْهُ ساحرةُ اللَّيلِ للأفُقِ المتحجِبْ |
هو الحبّ أن نغتربْ |
وأن نُجلِسَ العمرَ في حِضنِنا الملتهبْ. |
ونفرطهُ حبّةً حبّةً مثل ليلٍ من الكستناءِ |
هو الحبّ ألاَّ نطيلَ الوقوفَ على شرفاتِ الغناءِ |
فلابدَّ في آخر اللَّيلِ أن ننتحبْ |
هو، الحبُّ،، مَدٌّ من الماءِ يدخلُ في ملكوتِ الشَّواطئ |
كي ينسحبْ... |
... ... ... |
أأكْسرُ قنديلَ هذي القصيدَهْ |
وأنثايَ قصَّتْ ضفائرَها واستحمَّتْ بماءِ الخميسِ |
وناولتُها ثوبها القمريَّ |
وزيّنتُ قامتها بنجومٍ من القُبلاتِ |
وعبّأتُ ممّا يسيلُ على ظهرها قدحاً من ندى |
وخاصرُتها فاستوى بيننا اللَّيلُ قيثارةً صعَدَتْ في المدى |
ووشوشتُ في أذنيها: |
هو اللّيلُ ألْيَنُ من ذهبٍ ينصهرْ |
وينصبُّ في مقلتيَّ سماءَ سَهَرْ |
ويترُكني بانتظارِ خروجِ الكواكب من قدميكِ |
... ... ... |
هو الشِّعرُ يجمعني تارةً فوق صمت الحَجَرْ |
وأُخرى على دربكِ اللؤلؤيَّةْ |
لأسألَ عن غابةٍ أنتِ فيها وحيدَهْ |
أقبّلُ فيكِ الوجودَ وأدخلُ من كلِّ بابِ |
وأنفضُ عنكِ رماد الغيابِ... |
__________ |
21/ نيسان /1995 |