أرشيف الشعر العربي

رسالة مغترب

رسالة مغترب

مدة قراءة القصيدة : 6 دقائق .

لما عرفت الحب..

كنت صغيرة ألهو

لأسرق من بحور العشق أشرعتي

و أبصرَ كيف فوق الموج يرسو

ألف نهر من أنين المُبْعَدين؟؟

أو كيف وسط الغيم

وسط عواصف الأحقاد

و الموت المزيَّن

بالسنابل..

بالمشاعر..

بالأناس الطيبين!

كيف وسط الزيف يبقى

للندى صوتٌ

ليسمو كل شوق أو حنين؟!

و يلومني الناسُ..

لأني طفلة و الحب عندي

لا يجاوز حب نَوْرِ الياسمين

لكنني لما أبالِ بلومهم

و مضيت كالعصفور أسبح في الفضا

و أعود يحملني الحنين..

...

وطني الحبيب..

الشوق ينبض في دمي

أنفاسك الحرّى تعانق وحدتي

فتزيدني ألمي و قد حن الغريب..

و سماؤك الحيرى

أمام النيل ساجدة

تسطر فوق صفحة مائه الفضي ماضيها

و تحكي قصة التغريب..

فرق البدر من حِلّي و ترحالي

و هاج البحر ينهرها..

لكي تأسى على حالي

و ليس تجيب!!

و ذاك النيل قد طافَ

بحسنه ماحِيًا لحنَ المغيب

فبدا المساء بوجهه العبس الكئيب

ليبدد البؤس الحياة

...

وطني الحبيب..

أنا ما نسيت حنانك الأبَدي

و لا ذقت الهنا بعد الرحيل

فهل عرفت الحب بعدي؟؟

هل حننت إلى العيون و همس يَدِّكَ في يَدي؟

أوَ قد نسيت رسائلي؟

و مداد شوقي فوق جدران المعابد شاهدٌ

تتلاطم الآهات في وجدي

تنازعني الحنين لعطرك الوردي

و تصفعني على وَجْدي

لماذا لم تُحَرِّكْ فيك ذكرايَ الحنين؟!

عشرون عامًا..

مرت الأعوام عامًا بعد عام..

عشرون عامًا..

أدفن الأفراح و الأحزان في قلبي الذبيح

"و أشق أفواهًا لمد الريح"

لعلي أسبق الأيام بالأحلام

أو يأتي الصباح

عشرون عامًا..

كل عام بين زحم الغيم أدفعه

أصارعه فيصرعني

أكابده هنا وحدي..

و لا يمضي..

و دمعي فوق ورد الخد يفضحني

يُمّزِّقُ مهجة المشتاق

و يزحف تارِكًا يأسي

و لا يمضي!!

و أصبر عَلَّ هذا الشوق يحمله لعينيكَ

فصارحني..

ألم يوصل لك الفرعون مرسالي؟

ألم يحمل لك الأشواق و الأحزان؟

فكيف تقول لي: "كلا"؟!!

أنا من أرسل الأشعار و الألحان

و ذقت عذابها وحدي..

فمرسالي قديم هَدَّهُ الترحال

و عاد الشوق يحمله لعينيكَ

و لم يأسِرْكَ من لَحْنِ!

و لم تكتبْ تُطَمْئِنّي

بأن القلب أملكه أنا وحدي..

أنا وحدي..

فلو لمست جفونك هزَّةَ المشتاقْ

و رعشة حبره الدامي على الأوراقْ

لأبصرت الحنين يذيب أشرعتي

فذا شعري.. و ذي أنّات آهاتي

فكي تتردد الأنفاس في حرفين أختنقُ

و كي تتلألأَ الأضواء في بيتين أحترقُ

و كي أنسى عذاباتي..

و أنسى أنني أفّاق

أمضي جاهلاً ذاتي

بذي الغربة..

نقشت اسمي على الصخر

نقشت الحب بالأنسام

بالشعرِ..

و بالنثرِ..

لتحمله الطيور لعطرك الغالي

فكم ودَّ الفؤاد لَوَ انَّهُ طيرٌ

لأهبط بعد طول البين يا وطني

على بابك..

و أطرقَه لتفتحَ لي

فألثمُ تربك الغالي

و أبكي بين أحضانك..

فسامحني..

لكل قصيدة قدرٌ و ذا قدري

بأن أحيا بعيدًا عن عذاباتك

بأن أحيا غريبًا لم يذق يومًا

جراحاتك..

و لكني..

و ربِّ الكون لم أهنأْ

بعيدًا عن شذا دارك..

و لم أعرف حبيبًا قد أناجيهِ

فكل الناس أرماسٌ

تُرائي قلبيَ الصّافي

لتحويهِ..

فسامحني..

لأن الحزن ينزف في فؤادي كلَّ خاطرةٍ

جعلت الحزن عنواني..

فسامحني..

فمن بؤسي و أشواقي إليك نظمت ديواني

و عدت و همهمات الشكِّ تصرخ بين ألحاني:

لماذا لم تحرك فيك ذكراي الحنين؟!!

أَوَ قد نسيت محبتي؟

أم لا أليق بأن أكون لك الحبيب؟

...

وطني الحبيب..

إن لم أكنْ حُبًّا لقلبك

فاعتبرني كاليتيم

و لأجل عينَيْ طفلك المحروم من ذاك الحنان

و لأجل من رَبَّتْهُ راحات الشقاء بذا الزمان

ارْدمْ بعطفك خندق الهجر العتيق

و امددْ دروب العنفوان..

فبودِّ طفلك لو إلى الصدر الحنون تضمُّهُ

وطني.. فقد آن الأوان..

...

وطني الحبيب..

قد علمتني غربتي عنك الكثير..

فالغربة السوداء مدرسةٌ

لكل مهاجِرٍ مشتاق

و قاسية هي الغربة

و لكن..

عَلَّمَتْني من تكون و علمتني من أنا

فرأيت جرحك غائرًا

و دموعك البكماء تخترق السكون

و أراك مرتعدًا من الوهم المصير..

لكن حبيبي.. كلُّنا ذاك المصير

و علمتني غربتي..

مهما سئمت فأطلقِ الأحلام تسبح في العنان

و اركنْ إلى قلب حنون

و اسبحْ بفكرك أينما يحلو له

و اطرحْ عن القلب الشجون

فلديك فجرٌ حالمٌ..

أما هنا..

صعبٌ على الأحلام أن تكسو العيون

و علمتني غربتي..

مهما تلاشت أسطر الأحلام بين قصيدتي

ألاّ ألين..

و إن توحشتِ الطريق و أقفرت

سيضيئها الدمع الدفين..

رغم احْتدام كواكب العتماء في عيني

و رغم تصارع العبرات

لأبقى إبنة للنيل أعشقه و يعشقني..

و مهما برق ذاك الحلم في عيني

تبدَّدَ و استحالْ

و إذا السؤال يجيبه

بعد الشَّقا ألفا سؤالْ!!

لا زال فجر الغَدِّ مرتقبًا

ليمحُوَ من قواميس الدُّنا

لفظَ المحالْ..

...

وطني الحبيب..

حتى أعود إليك أشواقي..

و لا تنسَ السلام لكل أحبابي و أصحابي

و حتى تنطوي الغربة

سأكتب كل يومٍ كي أطمئنكَ

بأني رغم طول البعد عن عينيك أعشقكَ

و أذكر تلْكُمُ الأيام..

و أسألها لأن تمضي

لتطوي غربة الأحباب

بإذن الله يا وطني

سأرجع كي نعيد الروح للبدنِ

فقد سئم الفؤاد الرَّحْل و الترحال

سأرجع حاملاً باقة

صففت بها عبير الشرق و الغربِ

و مُنْيَةَ أمَّة العُرْبِ

أقدمها لعينيكَ..

فمهِّدْ لي السبيل..

لنعيد ما انتزعته أيام الرحيل من الحنين..

و نهدَّ بالآمال باب المستحيل..

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (مروة دياب) .

التي كانت هنا

في المساء

عامٌ.. لأقنعة السقوط

غريب

هروب


مشكاة أسفل ٢