لما عرفت الحب.. |
كنت صغيرة ألهو |
لأسرق من بحور العشق أشرعتي |
و أبصرَ كيف فوق الموج يرسو |
ألف نهر من أنين المُبْعَدين؟؟ |
أو كيف وسط الغيم |
وسط عواصف الأحقاد |
و الموت المزيَّن |
بالسنابل.. |
بالمشاعر.. |
بالأناس الطيبين! |
كيف وسط الزيف يبقى |
للندى صوتٌ |
ليسمو كل شوق أو حنين؟! |
و يلومني الناسُ.. |
لأني طفلة و الحب عندي |
لا يجاوز حب نَوْرِ الياسمين |
لكنني لما أبالِ بلومهم |
و مضيت كالعصفور أسبح في الفضا |
و أعود يحملني الحنين.. |
... |
وطني الحبيب.. |
الشوق ينبض في دمي |
أنفاسك الحرّى تعانق وحدتي |
فتزيدني ألمي و قد حن الغريب.. |
و سماؤك الحيرى |
أمام النيل ساجدة |
تسطر فوق صفحة مائه الفضي ماضيها |
و تحكي قصة التغريب.. |
فرق البدر من حِلّي و ترحالي |
و هاج البحر ينهرها.. |
لكي تأسى على حالي |
و ليس تجيب!! |
و ذاك النيل قد طافَ |
بحسنه ماحِيًا لحنَ المغيب |
فبدا المساء بوجهه العبس الكئيب |
ليبدد البؤس الحياة |
... |
وطني الحبيب.. |
أنا ما نسيت حنانك الأبَدي |
و لا ذقت الهنا بعد الرحيل |
فهل عرفت الحب بعدي؟؟ |
هل حننت إلى العيون و همس يَدِّكَ في يَدي؟ |
أوَ قد نسيت رسائلي؟ |
و مداد شوقي فوق جدران المعابد شاهدٌ |
تتلاطم الآهات في وجدي |
تنازعني الحنين لعطرك الوردي |
و تصفعني على وَجْدي |
لماذا لم تُحَرِّكْ فيك ذكرايَ الحنين؟! |
عشرون عامًا.. |
مرت الأعوام عامًا بعد عام.. |
عشرون عامًا.. |
أدفن الأفراح و الأحزان في قلبي الذبيح |
"و أشق أفواهًا لمد الريح" |
لعلي أسبق الأيام بالأحلام |
أو يأتي الصباح |
عشرون عامًا.. |
كل عام بين زحم الغيم أدفعه |
أصارعه فيصرعني |
أكابده هنا وحدي.. |
و لا يمضي.. |
و دمعي فوق ورد الخد يفضحني |
يُمّزِّقُ مهجة المشتاق |
و يزحف تارِكًا يأسي |
و لا يمضي!! |
و أصبر عَلَّ هذا الشوق يحمله لعينيكَ |
فصارحني.. |
ألم يوصل لك الفرعون مرسالي؟ |
ألم يحمل لك الأشواق و الأحزان؟ |
فكيف تقول لي: "كلا"؟!! |
أنا من أرسل الأشعار و الألحان |
و ذقت عذابها وحدي.. |
فمرسالي قديم هَدَّهُ الترحال |
و عاد الشوق يحمله لعينيكَ |
و لم يأسِرْكَ من لَحْنِ! |
و لم تكتبْ تُطَمْئِنّي |
بأن القلب أملكه أنا وحدي.. |
أنا وحدي.. |
فلو لمست جفونك هزَّةَ المشتاقْ |
و رعشة حبره الدامي على الأوراقْ |
لأبصرت الحنين يذيب أشرعتي |
فذا شعري.. و ذي أنّات آهاتي |
فكي تتردد الأنفاس في حرفين أختنقُ |
و كي تتلألأَ الأضواء في بيتين أحترقُ |
و كي أنسى عذاباتي.. |
و أنسى أنني أفّاق |
أمضي جاهلاً ذاتي |
بذي الغربة.. |
نقشت اسمي على الصخر |
نقشت الحب بالأنسام |
بالشعرِ.. |
و بالنثرِ.. |
لتحمله الطيور لعطرك الغالي |
فكم ودَّ الفؤاد لَوَ انَّهُ طيرٌ |
لأهبط بعد طول البين يا وطني |
على بابك.. |
و أطرقَه لتفتحَ لي |
فألثمُ تربك الغالي |
و أبكي بين أحضانك.. |
فسامحني.. |
لكل قصيدة قدرٌ و ذا قدري |
بأن أحيا بعيدًا عن عذاباتك |
بأن أحيا غريبًا لم يذق يومًا |
جراحاتك.. |
و لكني.. |
و ربِّ الكون لم أهنأْ |
بعيدًا عن شذا دارك.. |
و لم أعرف حبيبًا قد أناجيهِ |
فكل الناس أرماسٌ |
تُرائي قلبيَ الصّافي |
لتحويهِ.. |
فسامحني.. |
لأن الحزن ينزف في فؤادي كلَّ خاطرةٍ |
جعلت الحزن عنواني.. |
فسامحني.. |
فمن بؤسي و أشواقي إليك نظمت ديواني |
و عدت و همهمات الشكِّ تصرخ بين ألحاني: |
لماذا لم تحرك فيك ذكراي الحنين؟!! |
أَوَ قد نسيت محبتي؟ |
أم لا أليق بأن أكون لك الحبيب؟ |
... |
وطني الحبيب.. |
إن لم أكنْ حُبًّا لقلبك |
فاعتبرني كاليتيم |
و لأجل عينَيْ طفلك المحروم من ذاك الحنان |
و لأجل من رَبَّتْهُ راحات الشقاء بذا الزمان |
ارْدمْ بعطفك خندق الهجر العتيق |
و امددْ دروب العنفوان.. |
فبودِّ طفلك لو إلى الصدر الحنون تضمُّهُ |
وطني.. فقد آن الأوان.. |
... |
وطني الحبيب.. |
قد علمتني غربتي عنك الكثير.. |
فالغربة السوداء مدرسةٌ |
لكل مهاجِرٍ مشتاق |
و قاسية هي الغربة |
و لكن.. |
عَلَّمَتْني من تكون و علمتني من أنا |
فرأيت جرحك غائرًا |
و دموعك البكماء تخترق السكون |
و أراك مرتعدًا من الوهم المصير.. |
لكن حبيبي.. كلُّنا ذاك المصير |
و علمتني غربتي.. |
مهما سئمت فأطلقِ الأحلام تسبح في العنان |
و اركنْ إلى قلب حنون |
و اسبحْ بفكرك أينما يحلو له |
و اطرحْ عن القلب الشجون |
فلديك فجرٌ حالمٌ.. |
أما هنا.. |
صعبٌ على الأحلام أن تكسو العيون |
و علمتني غربتي.. |
مهما تلاشت أسطر الأحلام بين قصيدتي |
ألاّ ألين.. |
و إن توحشتِ الطريق و أقفرت |
سيضيئها الدمع الدفين.. |
رغم احْتدام كواكب العتماء في عيني |
و رغم تصارع العبرات |
لأبقى إبنة للنيل أعشقه و يعشقني.. |
و مهما برق ذاك الحلم في عيني |
تبدَّدَ و استحالْ |
و إذا السؤال يجيبه |
بعد الشَّقا ألفا سؤالْ!! |
لا زال فجر الغَدِّ مرتقبًا |
ليمحُوَ من قواميس الدُّنا |
لفظَ المحالْ.. |
... |
وطني الحبيب.. |
حتى أعود إليك أشواقي.. |
و لا تنسَ السلام لكل أحبابي و أصحابي |
و حتى تنطوي الغربة |
سأكتب كل يومٍ كي أطمئنكَ |
بأني رغم طول البعد عن عينيك أعشقكَ |
و أذكر تلْكُمُ الأيام.. |
و أسألها لأن تمضي |
لتطوي غربة الأحباب |
بإذن الله يا وطني |
سأرجع كي نعيد الروح للبدنِ |
فقد سئم الفؤاد الرَّحْل و الترحال |
سأرجع حاملاً باقة |
صففت بها عبير الشرق و الغربِ |
و مُنْيَةَ أمَّة العُرْبِ |
أقدمها لعينيكَ.. |
فمهِّدْ لي السبيل.. |
لنعيد ما انتزعته أيام الرحيل من الحنين.. |
و نهدَّ بالآمال باب المستحيل.. |