نهر العذاب
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أبكي و مـا من سـامعٍ لبـكائي | أو منـصـتٍ لشكـايتي و عنائي |
أو مشفقٍ و الجسـم بــات كأنه | مُتَـجَـمـَّـعُ الأرزاء و الأدْواءِ |
ماذا وجـدتُ عـدا بديلاً محـرقًا | عن مهجتي عن غربتي الـسوداءِ؟ |
منـفىً بأرضٍ أسْتَطـيبُ بعـشقها | منـفىً بلا قمـرٍ .. بلا أضـواءِ! |
اعتـدت أن أبقى وحيـدًا باكيًا | أو شاكـيًا أو عاشِـقًـا للـداءِ |
دائي عظــيمٌ و الـدواء مُحَـرَّمٌ | و بلاء سـقمي قد برى أعضائي |
يَرْفَضُّ في جسـدي و ينْخُرُ ما بقى | من هيـكلي المُتهـالك الأجـزاءِ |
و خناجر الشـوق اللعين تمـددت | في أضلعي..واسـتعذبت إِدْمـائي |
ألمٌ على ألـم الفِــراق و عَـبْرَةٌ | تضني الفـؤاد و تسْتَلِذُّ عـنـائي |
نارٌ على النـيران توقـد من دمي | و تهيج في روحي و في أحشـائي |
عـودي لقد أضوى الفـُؤادَ تَغَرُّبي | عن أعيـنٍ أنـوارهـنَّ غـذائي |
عـودي فأنت صـديقتي و حبيبتي | و سراج قـافيتي و روح إبـائي |
لو أبصروا الأشواق تنهش في الجوى | لَـدَرَوْا بأن المُسْتَـحيل شفـائي |
ما الـداءُ إلا أنت يا ألـق الدنـا | و الآه أنـت و أنـت خير دواءِ |
في سحـرك القَـمَـريِّ إنّي ذائبٌ | و مُتَيَّـمٌ بعبـــيرك الوَضّـاءِ |
و مُسَـهَّدٌ أنّى ذكرتـك مُتْعـَبٌ | مُتـَوَجِّـعٌ مُتَـلـَهِّفٌ للـقـاءِ |
روحي تَرَنَّـحُ في هـواك و لم تزلْ | في القلب تهصر مـهجتي أنوائي |
لو طَبَّبـوا قلـبي بـذكرِ حبـيبتي | ما ازدادتِ الأوجـاعُ غير نَمـاءِ |
ما للصبـابـة مـن دواءٍ نافـعٍ | إلا المنيَّـة و هي خـيرُ رجــاءِ |
لو كـان داءً واحـدًا لقـهـرته | لكـن حُبَّـكِ معـقـلُ الأدواءِ |
في غربتـين..يُحَـدُّ عمـرٌ ضائعٌ | و تـذوب أفئِــدةٌ بغير لقـاءِ |
في غربتين تضيـع أحـلامٌ و تكـ | بُرُ قصَّـةُ الأوهـام في أحشـائي |
ما في الكنـانة للـفـؤاد حبـيبةٌ | تُطْفي لهيب عـواطفي الهـوجاءِ |
ما في الكنـانة غير نار صـبابـةٍ | و سماء أوجـاعٍ و أرض جفـاءِ |
غَنَّتْ علـى وَتَري المـآسي كلها | حتى تقـطـَّعَ من أنـين غنـائي |
و تراقـصت في مقلتيَّ مواجـعي | غرقـانـة في صـبوة الشعـراءِ |
لملمت كل مواجعي و هربت من | شوقي و آثرت العـذاب لـوائي |
فوجدت في أرض الكنانة موعدي | مع كـل نـارٍ مَزَّقت أشـلائي |
و شـواطِئٍ جَرَّت إليَّ مـواجعي | و جـلامـدٍ أشْفَـقْنَ من إعيائي |
يا للغريب إذا رمَتْـٌه يَـدُ النّوى | تسقيه من كأس الردى السـوداءِ |
تنفيه من قلـب الحـبيب لموطنٍ | مـا فيه غير تغـرُّبٍ و شـقاءِ |
لم أسألِ الكـونَ المُحالَ و إنَّما | سـاءلت دمعي أن يرد بكـائي |
و يُطَبِّبَ القلب المعَذَّبَ بعدمـا | أفنـيت بحثًا عنك كـل دمـائي |
أما الكنانـة فهْي جـنة عاشقٍ | تسمو على الأوصـافِ و الأسماءِ |
لكنهـا نهر العـذاب لمـهـجتي | سجنٌ..يُذَكِّـرني الحبـيبَ النّائي |
إني أتيتـكِ و الفــؤاد متـيَّمٌ | بِيَدٍ تكـون من العيـاء شفـائي |
ومددت جسر الود كي أطأ الثرى | متبسِّـمًا.. من بعد طـول عناءِ |
و حملت رسمك بعد رسـم حبيبتي | و جعـلت للقـلب الكريم ولائي |
أَوَ أستجـير بموطني من غـربتي | فتكون نـار المبعَـدين جـزائي؟! |
يا مصـر إني قد أتيـتك راعفـًا | ضمّي فـؤادي.. لملمي أشـلائي |
إني قضيت مدى الزمـان مُعَذَّبًا | بـين الأسى و مـرارة الغـرباءِ |
بحثًا عن القلب الذي منه ارتوت | روحي،و سالت من دمـاه دمائي |
بين الحـنـين لموطـنٍ لم يـأْوِني | و حبيبةٍِ أعْطـت بكـلِّ وفـاءِ |
ذاك العـذاب بصبوتي و تَغَـرُّبي | فالحـب يبقى مِـلَّةَ الضعـفـاءِ |
________ | |
يوليو 2005 م |