على مشارف المدينة اتكأت أحتسي مرارتي |
وأكتوي بغصتي |
يلفني الضَّياع والرَّحيل والمساءْ |
وذكرياتي |
وطيف بيتنا القديم |
وأخوتي وحارتي والأصدقاء |
والعابرون في الطريق يرمقون بازدراءْ |
ويعجبون.. يسألون في ذهول |
بلكنة العجم |
كأنهم أتوا من كوكب المريخ، في محارة الزمن |
من الغريبْ؟ |
من أنت يا غريب؟! |
كأنني أتيت من أوابد التاريخ!! |
وكلما هممت بالجواب |
تحجر الكلام في لساني |
وردد الصَّدى في مهجتي |
( أنا شريفكم |
أفنيت عمري في بناء مجدكم!! |
ليرتع الجميعُ في نعيم |
أروِّض الوحوشَ، أقهرُ الذِّئَابَ والضِّباعَ |
في دياركم |
وأمنح الغزلان من دمي وسام عزها؛ |
لتنهر الوحوش واللصوص، حين تعتدي على مضارب القبيلة |
والعاديات في دمي تصاهلت من سالف الأزمانِ |
مضيت صاهلا ، وعدت صاهلا، وما أزال صاهلا، |
جوادي الأصيل سابحٌ معي ... وما معي سوى الجوى |
في أضلعيْ |
ولا تزال في دمي غزالتي ترعى مع الحنينْ |
فإن تبدَّلت ملامحي، فما تبدَّلت ألحاني |
المسك من دمي تناثرت حبَّاتُه |
فأورقت أغصاني |
وأزهرت حدائقي الجميلة |
وأينعت مرابعي الغنَّاء، |
أنا؟ |
أنا كبيركم، |
غزالتي (لو تعلمون كم أحبُّها) ذبحتها، |
ورئمها الكحيلُ في البراري يرتجفْ |
وناقتي وألف ناقة كمثل ناقتي |
عقرتها لتشبعوا وترتعوا وتنعموا |
في روضة الندى الفسيحْ |
أتذكرون قهوتي وخيمتي ونخلتي |
ونخوتي الأصيلة؟ |
أتذكرون في يدي النصالا؟! |
تكسرت من عشقها الصيالا.. |
أتذكرون؟) |
... |
أوَّاهِ يا غزاليَ الطَّـريدْ |
وآهِ يا عذاب رحلتي |
أنا الذبيحُ يا غزاليَ الجريح |
ذبحتُ عمري كي تواصل القوافل المسير والسفرْ |
من الصحاري للربيع : الماء والوجه الصبوحْ |
... |
وجوههم كأنها الوجوه نفسها التي ألِفْتُهَا |
زمانَ كان الناسُ طيبين يألفون يؤلفون... |
لكنَّ هؤلاءِ مرغُوا قلوبَهم بشهوةِ الذئابْ |
وبدلوا الإهابْ... |
*** |
علَّقت عمري في مشاجب الوسن |
جوار حائطٍ قديم في زقاقْ |
وقلت في غدي أواصل المسير.. |
لكي أرى الأحباب والرفاقْ |
وبيتنا القديم في المخيم الجديد |
يُغطِّي سقفه القرميدُ والجريدْ |
وبابه من الصفيح والخشبْ |
وفي الصباح - إن كان ما أراه في ديارهم صباحا- |
حملت أسمالي وسرت في طريقْ |
والجوعُ يمضغ الجسدْ |
والماء جفّ في فمي |
وفي دمي |
تدفقت مشاعر الكمدْ |
وسرت حتى أُنهكت قوايْ |
وهدَّني الإعياء والرحيلْ |
والهمُّ في حقيبتي استراحا |
وأدمن الغزال خلفي الصياحا |
وامتصني التعبْ |
من طرقي الأبوابا |
وقهقه السغبْ |
يمزمز اجتراح مهجتي الرحيلا |
وصبرها الطويلا |
ومرت ساعة وساعة، |
والعمر كاد ينقضي |
والشمس أوشكت تغيب |
ولم أجد لبيتنا وإخوتي أثر |
وكلما سألت لم أجد جوابا |
والعابرون يسخرون ...يسألون ْ |
من أنت يالغريب في ديارنا؟! |
(وجوههم كأنَّهَا الوجوه عينها التي أحببتها، لكنهم وحوشْ |
تغيرت أشكالها، قلوبهم مسوخ |
في تربة الهوى تسوخْ) |
مضيت في الطريق |
يقودني جرحي وغربتي |
وفي فؤادي عزَّتي |
وفوق ربوة بعيدة غزالي الطريدْ |
يمدُّ كفه مودِّعا ... |
__________ |
الثلاثاء 24/4/2007 |